زواج المقايضة .. تداخل سلبي في العلاقات الاجتماعية .. وانكســار للحيــاة الزوجيــة

زواج المقايضة .. تداخل سلبي في العلاقات الاجتماعية .. وانكســار للحيــاة الزوجيــة

شعوب وعادات

الجمعة، ٦ يناير ٢٠١٧

زواج البدل، أو زواج المبادلة، كان وما زال في مجتمعاتنا، والقروية منها بالذات،  نوعاً من المقايضة، أي زوّجني أختك، لأزوّجك أختي، أو زوّجني ابنتك، أو أختك، لأزوّجك ابنتي، أو أختي، أو قد تتزاوج العائلات فيما بعد الزيجة الأولى، وهذه بمثابة زواج البدل لبقاء المشكلة ذاتها، وإن كانت أقل وطأة، وهو اليوم أضعف منه مما كان عليه في السابق، وفي تقديري أنه في طريقه إلى الزوال، وذلك لكثرة المآسي والمشاكل التي خلّفها هذا الزواج عندما يفشل، ويؤدي إلى الطلاق، والذي هو أبغض الحلال إلى الله. وإذا كانت العديد من حالات زواج البدل ناجحة وموفقة جداً، بل ودامت وأبقت على علاقات طيبة وحسنة، فيما بين المتبادلين مع استمرار التودد والتواصل، ولكن نجاح هذه الحالات، من زواج البدل، واستمرارية الحياة الزوجية ما بين الطرفين، لا يعني بالضرورة أن هذا النوع من الزواج طبيعي وهو المرجو، فهو يفتقر إلى عنصر الاختيار الحر، ويكون أحياناً ضحية فرض الرأي والقبول بالأمر الواقع.

إرضاء الأهل
مشاكل ومتاعب هذا النوع من الزواج أكثر وأكبر على الأبناء والبنات، وعلى الزوج ومن حوله، وفق تعبير الدكتورة سميرة القاضي ” كلية التربية”، وهنالك الكثير من الحالات التي اضطر فيها أحد أطراف المقايضة، أو التبادل للتخلي عن زوجته أم أولاده، أي تطليقها إرضاء لأهله وإشباعاً لرغباتهم، لأن الابنة أو الأخت البديلة، قام زوجها بتطليقها بعد أن لم يحالفهم التوفيق في حياتهم الزوجية، أي أن أحد طرفي البدل يعيش مع زوجته بوئام، يدفع ثمن خلاف أخته، أو ابنته مع زوجها، فيقدم على هدم حياته الأسرية، وتحطيمها إرضاء لأهله وإشباعاً لغرائزهم ونزواتهم. إنها الطامة الكبرى أن يطلّق المرء زوجته، وهو راض عنها، وكل ذلك من أجل إشباع غريزة الانتقام والثأر، ليصبح الزوج والأسرة بأكملها ضحية الانتقام!!.

زواج عائلات
يعتبر هذا النوع من الزواج كرابطة بين قبيلتين، أو عشيرتين، أو عائلتين، وليس كرابطة بين فردين فقط، حسب تعبير الدكتور آصف يوسف” كلية التربية”، وشاع زواج المبادلة ليعبّر عن هذه الرابطة، ولكن تطور العادات الاجتماعية، وانتشار التعليم، وزيادة الوعي الاجتماعي عند الرجل والمرأة بأهمية البيئة الأسرية  الخالية من النزاعات والصراعات، وفي توفير أجواء نفسية جعلت هذا النمط من الزواج ينحسر، ولم يعد المجال والظروف الاجتماعية والثقافية يسمحان بفرض مثل هذا  الزواج على الفتاة، أو على الشاب بعد أن أصبح الاستقلال الاقتصادي  والاجتماعي لكليهما ميسوراً أكثر مما كان سابقاً في عهد العائلة الكبيرة المرتبطة بالأب والجد.

زواج شرعي
ولزواج البدل عقد ومهر مستقل في طرفي عملية البدل، وبالتالي يعتبر زواجاً شرعياً إلى حد ما، ولكنه يُعامل، في سياق التفاعل الاجتماعي اليومي، معاملة البدل، وهنا تكمن الخطورة على مؤسسة الأسرة واستقرارها، يتحمل مسؤولية فشل مثل هذا الزواج أكثر من طرف، وعلى رأسهم أهل الزوج والزوجة أنفسهم، والمجتمع المحيط بالأسرة، والذي يقوم بعملية التحريض ضد أحد طرفي هذا الزواج، وعادة ما تتصدّع الأسرة، وينشأ الأطفال في شقاق، ونكد يؤثر على التوازن النفسي لهم. إن ظاهرة زواج البدل آخذة في التراجع بمجتمعاتنا بسبب ارتفاع معدل التعليم بين الرجال والنساء على حد سواء، وبالتالي اتساع دائرة الاختيار المحتملة للشريك سواء للرجال أو النساء.

خطر
وبعيداً عن الحالة النفسية والاجتماعية والشرعية تحذر الدكتورة جمانة حريدين  “أخصائية وتوليد ” من مخاطر هذا النوع لأن  “زواج  المبادلة” موجود بالمناطق الفقيرة والصحراوية والريفية البعيدة عن مراكز المدن، حيث ينخفض مستوى التعليم والوعي الاجتماعي، وتنتشر الأمية بنسبة عالية، وغالباً ما يكون بين الأقارب والعائلات المترابطة بهدف الحفاظ على الدم الواحد وفقاً لمفهوم بنات وشباب العائلة الضيقة.. ما يؤدي لانتشار نوع آخر من الزواج، وهو زواج الأقارب، الذي يتسبب في العديد من الأمراض الوراثية التي تؤثر على الأطفال والأحفاد في المستقبل القريب والبعيد.

رأي الشرع
الزواج هو مؤسسة اجتماعية قديمة قدم وجود الجنس البشري كعلاقة رسمية بين الرجل والمرأة، وفق تعبير الدكتور محمود المعراوي، القاضي الشرعي الأول بدمشق، وهذا ما اعترف به العرف والقانون أيضاً، كما ينطوي الزواج على واجبات وحقوق معينة، فتختلف شعائره وطقوسه بين الشعوب والمجتمعات، ولأن جميع الأديان السماوية تعترف بالزواج كحاجة طبيعية من حاجات البشر، وبما أن ما يسمى “زواج المقايضة” يندرج تحت لائحة أعراف بعض المجتمعات، ومنها الإسلامية، فإن الزواج حسب القانون والشرع يعتبر عقداً اجتماعياً يتضمن مسؤوليات واسعة من حقوق وواجبات، حيث يعتبر كلا الزوجين شخصاً ذا شأن، فهو اتحاد اثنين ليتقاربا من بعضهما جسدياً، وعاطفياً، وعقلياً، كما أن الدين الإسلامي يفرض على الزوج أن يمنح زوجته مهراً، وهو قدر من المال أثناء إبرام عقد الزواج لحفظ حقوقها، وإعلاء شأن المرأة في الزواج من خلال عدم انتقاص شخصيتها وكيانها.

التقاعس عن دفع المهر
ويعلل المعراوي لجوء تلك المجتمعات لزواج المقايضة للتقاعس عن دفع المهر، دون وجود أدنى فكرة عن رأي المرأة، وعن عمرها، وعن قيمتها ودورها في المجتمع، فيتم الاتفاق بين الرجلين على النحو التالي: “سوف أتزوج من أختك، إذا تزوجت أختي، وفي حال طلّقت أختي، سوف أطلّق أختك”، كأن الأختين عبارة عن سلعتين يتم الحصول على واحدة منهما بإعطاء الثانية للآخر، وأن “هذا النوع من الزواج بهذه الطريقة حرام، وفق المعراوي”، لأن الإسلام يعتبر المهر أمراً ضرورياً وواجباً، وهو من حق المرأة ليصون كرامتها، ويحفظ قيمتها عند الزوج، وهو جزء لا يتجزأ من عقد الزواج الإسلامي الصحيح، ويبيّن أن زواج الشغار قديماً، أو المبادلة حالياً، باطل وحرام، وذلك نسبة إلى قواعد الشريعة الإسلامية.
قد يؤدي زواج المقايضة إلى تفكيك أسرة بكاملها، حسب القاضي الشرعي، في حال لجأ أحد الأطراف في عقد المقايضة إلى تطليق زوجته، ما يدفع الطرف الآخر إلى تطليق زوجته بالمقابل، حتى وإن كان الطرف الآخر سعيداً ضمن عائلته!.

هاجس دائم
في حال تزوجت الفتيات بطريقة زواج “المقايضة”، حسب رؤية المعراوي، لن تستطيع أن تكفل حياة كريمة لنفسها لعدم حصولها على المهر الذي يضمن مستقبلاً أفضل لها، وسوف تبقى في حالة توتر كامل خوفاً من قدوم لحظة يختلف فيها أخوها مع زوجته، ما يدفع زواجها إلى الانهيار أيضاً دون وجود أي سبب منطقي!.

أسرة صالحة
ويختم المعراوي قائلاً: الزواج هو “سنة الأنبياء”، وطريق الإنسان لتعمير الأرض، وسبيله لتحقيق السكينة والطمأنينة والاستقرار، وإقامة أسرة جديدة صالحة توحّد الله، وتقيم شرائعه، وتعرف ما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، وعندما حرّم الله هذا الزواج، فقد كان لحكمة عليا تحول دون الاستقرار والسكن، ومن هنا كان رفض الإسلام لزواج المبادلة أو المقايضة، ورغم أن أسماءه تنفر منه، إلا أنه انتشر في القرى والأرياف بشكل كبير تحت دعاوى الحفاظ على الأموال، والميراث، وتبادل المنفعة، حتى إن البعض يراه وسيلة لمحاربة العنوسة!!.

الصداق حق شرعي للزوجة
المقايضة حرّمها الإسلام حين ألزم الرجل بصداق المرأة، وجعله حقاً للزوجة، فجعل الله حق المرأة مشروطاً بدفع المال، وإذا انتفى دفع الزوج للمهر كان من السهل عليه أن يتخلى عن هذا الزواج الذي لم يكلّفه، ولن يلزمه بشيء.
ويرجع المعراوي السبب الرئيسي في مثل هذا الزواج في العشائر الريفية لتحقيق المنفعة المتبادلة، دون الالتفات للاستقرار الأسري، والمنفعة غالباً ما ترتبط في الريف بالحفاظ على “العزوة”، وقوة العائلة، والمحافظة على الميراث، وزيادة الترابط والتلاحم بين العائلات، بما يضمن ترابط المنفعة، واستمرار الاستفادة المتبادلة بينها وفق قناعتهم.

اللبنة الأولى
هذا النوع من الزواج قد انحسر بعض الشيء في الريف بسبب ازدياد الوعي، وانتشار العلم والتطور، غير أنه مازال موجوداً، ويقض مضجع الفتيات الصغيرات لأنهن الحلقة الأضعف، ووحدهن وأطفالهن من سوف يدفع ثمن العادات والتقاليد، وتخلّف المجتمع، لذا يجب أن تجد كل الجهات الوصائية حلاً لهذه القضية المهمة، المنتقصة من قيمة وقدر المرأة، لأن مبادئ الدين الإسلامي وشريعته ترفض منطقياً هذا الزواج، وتعارضه، كما تحرّمه أيضاً.

عارف العلي