الغش.. أفكار جديدة تتلاعب بجودة المنتجات وانتشار يهدد صحة الناس

الغش.. أفكار جديدة تتلاعب بجودة المنتجات وانتشار يهدد صحة الناس

شعوب وعادات

الخميس، ٢٧ أبريل ٢٠١٧

أفكار جديدة، وأنماط مختلفة من أساليب الغش، فاجأنا بها التجار وأصحاب المحال التجارية خلال سنوات الأزمة، ولم تقف حالات الغش على تجار الأزمة الذين استغلوا حاجة المواطن وغلاء الأسعار ليتفننوا بالتدليس على مرأى من الجميع، ففي أحد الأكشاك المعروفة بمنطقة البرامكة تجد أفواجاً من الناس يقفون ليشتروا حاجياتهم والتي عُرضت بسعر أقل من سعر المحال العادية دون أن ينتبه أحد إلى انتهاء تاريخ صلاحيتها، أو حتى التلاعب بمواصفات جودتها، ولربما كانوا قد فضّلوا غض النظر عن هذه الأمور التي يبررها التجار بأن السوق يمشي بهذه الطريقة ضاربين بعرض الحائط القانون والعقوبات التي وعلى ما يبدو لم تعد رادعة لهم، فانتشار الغش في ظل الأزمة التي نعيشها بات أمراً مفروضاً على الجميع الذين اعتادوا التعايش معه، ليصبح الغش ثقافة علينا تقبّلها بصدر رحب.

تجار الأزمات

لايمكننا القول: إن ظاهرة الغش جديدة على مجتمعنا، بل قديمة متجددة، ألبستها الأزمة ألواناً مختلفة، وأضفت عليها طابعاً خاصاً، إذ أن حاجة المواطنين، وقلة الدخل، وانخفاض المستوى المعيشي، دفعتهم للبحث عن الرخص في كل شيء، لنجد الكثيرين يلجؤون إلى الألبسة الأوروبية” البالة” وإلى أسواق اللحوم والخضار والأجبان والألبان الرخيصة ليتلاعب تجار هذه الأسواق بصحة هؤلاء المواطنين محققين أرباحاً خيالية لم تكن تخطر ببالهم في يوم ما، ففي جولة صغيرة على الأسواق المشهورة لدينا ستكتشف بسرعة التلاعب بالمواد من حيث جودتها وفاعليتها وبالكميات، فالعبوة التي كنت ممتلئة بالمنظفات مثلاً، انخفضت كميتها إلى النصف، وانعدمت جودتها، والألبان باتت اليوم عبارة عن ماء ونشاء مع إضافة عدد من المنكهات لتُخفي عملية الغش، وعند مرورك بمدخل سوق اللحوم في منطقة باب سريجة ستفوح روائح اللحوم المختلفة التي تشك في كثير من الأحيان أنها لحوم معدة للاستهلاك البشري، فقد انتشرت في هذه المنطقة خصوصاً لحوم فاسدة منتهية الصلاحية، تم استيرادها من دول مختلفة وتهريبها على أنها لحوم صحية صالحة للأكل، ويتم تنظيفها بمواد كيميائية لإزالة رائحتها الكريهة، وطرحها في الأسواق والمطاعم بالتعاون مع ضعاف النفوس على أنها لحم عجل بلدي، بدورهم يقومون بإضافة الصبغات والبهارات عليها كي لا يكتشف المواطن غشهم وتزويرهم، إضافة إلى الورش التي تم ضبطها تقوم بعملية الغش من خلال تعبئة مياه الآبار على أنها مياه معدنية في عبوات المياه المعدنية التي تحمل ماركات “الفيجة – بقين “، كذلك وصل الغش في تعبئة أسطوانات الغاز من خلال تخفيض كمية الغاز داخل الأسطوانة، ولا ننسى قيام الكثير من التجار ببيع المواد الغذائية الأساسية المخصصة للإغاثة “المجانية” بسعر أقل من المواد الأصلية كنوع من التجارة بالمواد التي تم تخصيصها للفقراء المهجرين من منازلهم.

قوانين رادعة

مديرية حماية المستهلك، تؤكد دائماً أن المديرية تقوم بتوجيه دوريات الحماية لتشديد الرقابة على جميع السلع الأساسية المتعلقة بمعيشة المواطن اليومية، حيث تم اعتماد نظام المجموعات بتغطية الرقابة على الأسواق، ففي ظل الأزمة التي تعيشها البلاد كثرت شكاوى الناس من فلتان الأسعار، وكثرة المواد المغشوشة، وظهور حيتان جدد انتهزوا حاجة الناس لزيادة أرباحهم، واحتكار المواد الأساسية واليومية للمواطن، وتكشفت خلال الأزمة أن اختفاء بعض المواد الرئيسية لحياة المواطن كان وراءها تجار لا يرون إلا مصالحهم فقط، وطالبت المديرية المواطنين التأكد عند شرائهم لهذه المنتجات رخيصة  الثمن، وعليهم الإبلاغ عن أي مخالفة يصادفها، فقد تم إغلاق عدد كبير من المحلات المخالفة ودوريات المديرية موجودة في كل مكان، لكن الحاجة أكبر، وحجم العمل يتطلب عدداً أكبر من العاملين في مجال الرقابة والتفتيش، وهذا يتطلب مساعدة المواطن في ذلك لتقديمه الشكاوى للمديرية ليتم ضبط المخالفات من خلال الأرقام الساخنة التي تم تخصيصها، وعن قيام بعض ضعاف النفوس باستغلال المواد الإغاثية التي تقدمها الجمعيات والجهات الدولية الإغاثية للمهجرين السوريين من خلال المتاجرة بها، وبيعها على الأرصفة بأسعار أقل من أسعار المواد الأصلية، فقد أكدت مديرية حماية المستهلك أن المواطن الذي يضبط، وهو يبيع مواد المساعدات التي تقدمها الجمعيات والجهات الدولية الإغاثية إلى أحد التجار أو المحال، سيتعرض للعقوبة التي قد تكون السجن أو الغرامة، إذ أن قانون التجارة الداخلية يعاقب من يتاجر بهذه المواد بالغرامة والسجن، وتم تنظيم عشرات الضبوط بحق المخالفين، حيث تم ضبط 50 مستودعاً للاتجار بهذه المواد خلال الفترة السابقة، وأحيلت إلى القضاء.

حماية مجتمعنا

لا شك أن الغش بشكل عام هو أحد عوامل ضعف التنشئة الأسرية التربوية، وعدم نمو الضمير برأي الدكتورة” رشا شعبان” علم اجتماع، والغش عند الطلاب لا يقل خطورة عن الغش عند التجار وضعاف النفوس، فالغش واحد، وهو الكذب على النفس والنجاح سواء في التحصيل العلمي، أو في كسب المال بواسطته، وهو سلوك خطير لا يدرك الكثيرون أبعاده المدمرة للمجتمعات، وسلوك غير صحي يكتسبه الإنسان من خلال المجتمع، لذا علينا ضبط هذه الظاهرة بشتى الطرق لحماية مجتمعنا من مستقبل خطير، فانتشاره يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالكذب والسرقة والقتل، وهو ما يعني أن الغش يمكن أن يصل إلى مرحلة يكون فيها السبب الأول في هدم المجتمع كله.

ميس بركات