المسلسلات الرمضانية.. تكرار ونمطية في السيناريو.. وصناعة تجارية تشوّه المجتمع

المسلسلات الرمضانية.. تكرار ونمطية في السيناريو.. وصناعة تجارية تشوّه المجتمع

شعوب وعادات

الجمعة، ١٦ يونيو ٢٠١٧

من موقع الكتروني يُعنى بشؤون الدراما العربية، تستعرض وفاء، ربة المنزل الأربعينية، قائمة بأهم الأعمال الدرامية والسورية، وتحديداً التي تعرض في شهر رمضان المبارك هذا العام؛ تختلف قليلاً القائمة التي أعدتها مع تلك التي جهزتها ابنتها ذات الأربعة عشر ربيعاً، والتي حصلت مؤخراً على الشهادة الإعدادية، لكن وبعد تعديلات بسيطة تم التوافق على قائمة مشتركة تراعي أوقات انقطاع الكهرباء، وتتضمن المسلسلات التي تعتزم العائلة الصغيرة مشاهدتها، لا مكان في القائمة لنشرات الأخبار حتى تلك المتصلة بالأحداث في سورية والمنطقة، ورب الأسرة الذي سُمح له بمتابعة موجز إخباري فقط، وجد نفسه مرغماً على تقبل الواقع الجديد دون نشرات، أو برامج إخبارية طيلة هذا الشهر.
وإن كان الخلاف موجوداً على مسلسلات وبرامج تتابعها الأسر في رمضان، فالاتفاق موجود أن هذا الشهر أصبح دون منازع شهر الدراما والبرامج التلفزيونية كل عام، إذ تضيق بها الفضائيات، وتشغل بال متتبعيها من السوريين رغم كل الظروف لتصبح نمطاً من سلوك مؤثر واستثماراً تجارياً مربحاً تقطف شركات الإنتاج أرباحه ضاربة عرض الحائط كل القيم والفضائل المرتبطة بالشهر المبارك.
ينصح بوجود الأهل
ينتقد أبو عمران (43 عاماً) بشدة محتوى الدراما التلفزيونية التي تتسابق القنوات المختلفة على طرحها في الشهر المبارك كسلعة تحقق فترات إعلان مرضية لوسائل الإنتاج، لكن دون مراعاة لمشاعر الصائمين، أو قيم الشهر المبارك، ويقول: مشاهد القتل والترويع في بعض المسلسلات “غرابيب سود”، إضافة إلى نمط آخر يدس في الدراما الرمضانية يشكل عنواناً بارزاً للكثير من المسلسلات الرمضانية هذا العام، فتعددت المسلسلات التي تتحدث عن الخيانة الزوجية والتي جنحت بعرض المشاهد الهابطة أخلاقياً، والمثيرة للغرائز، في تقليد واضح لمشاهد الدراما الأجنبية والتركية التي غزت مجتمعنا السوري في السنوات السابقة، واستبدلت تدريجياً القيم النبيلة التي اعتادت المسلسلات على طرحها لتناسب كل العائلة في رمضان، وجمهورها الذي ينتظر مسلسلات تناسب الفترة الرمضانية، أما الآن فبات الهم الأكبر للأسرة هي محاولة إبعاد أطفالها عن تلك اللقطات والمشاهد الفاحشة التي تروج لها الدراما العربية وحتى السورية أيضاً.

أكثر سلبية
ويبدو أن أعمال الموسم الرمضاني هذا العام لاقت انتقاداً في جوانب أخرى من أكثر من متابع استبينا رأيه فيها، فإلى جانب رفض مشاهد الإيحاءات الجنسية والتدخين والقتل والعنف التي تكثر في الأعمال الرمضانية هذا الموسم تحتج أم نضال، ربة منزل، على تزييف الحقائق التاريخية ببعض المسلسلات الدرامية التي تتحدث عن دمشق وأهلها بفترات سابقة، وتقول: إن هناك الكثير من الحقائق المشوهة والتي نعرف خلافها بحسب ما توارثناه عن آبائنا وأجدادنا للصراحة مؤسف جداً حدوث هذا الأمر رغم كل شيء يعاني منه السوريون، أما مايا 29 عاماً، وهي خريجة إعلام، فقالت معلّقة على بعض المسلسل الدرامية الكوميدية: للأسف بتنا نشاهد بعض المسلسلات في حالة من الإعادة والروتين والنمطية كمسلسل باب الحارة الذي تحول لعمل تجاري هابط، هدفه فقط المضي في صناعة أجزاء تعكس نمطاً ملّ الناس من متابعته ومشاهدته، ومسلسل بقعة ضوء الذي يتضمن الكثير من الأفكار المعادة، والحلقات النمطية.

تأثيرات نفسية
ومتابعة للتأثير النفسي المتوقع في شريحة معظم متابعي المسلسلات الرمضانية هذا العام، يتحدث الدكتور المدرس فايز يزبك اختصاصي علم النفس الإعلامي شارحاً أثر الدراما الرمضانية بالقول: المعروف أن الإعلام سلاح ذو حدين، يقدم جوانب إيجابية، وجوانب سلبية، والتلفزيون والبرامج الدرامية التي تقدم عليه يمكن إرجاعها لنظرية الاستخدامات والإشباعات لكاتز وهاس، فالبرامج والمسلسلات التلفزيونية عموماً من المفترض أن تلبي الحاجات الشخصية للأسرة، حيث تشجع الثقة بقدرات الشباب، وتشجع على الاطمئنان على المستقبل، وتحقيق أفكارهم الخاصة المتعلقة بالنجاح بالحياة، مع محاولة إيجاد الحلول للمشكلات النفسية والاجتماعية: ( السكن، تعاطي المخدرات، الصحة، البطالة)، وتهتم بحاجاتهم كالاستقلال، وتقدير الذات، فعرض المشكلات الموجودة في واقع الشباب السوري من خلال الأعمال الدرامية الرمضانية يمكن أن يساهم من ناحية سيكولوجية بعملية تنفيس انفعالي، ومحاكاة للذات، ومحاولة إيجاد حلول لبرامج تلبي حاجات اجتماعية، وذلك من خلال تقوية العلاقات والروابط الأسرية، وأيضاً مع الأصدقاء، فمثلاً عندما نشاهد حواراً داخل الأسرة بين أفراد الأسرة حول مشكلة، فهنا عرض قضايا متعلقة بالأسرة، وهذا العرض للحوار يساعد في إيجاد الحلول للمشكلة.

إحباط وعزلة
وبخلاف هذه الرؤية يعتقد د. مهند إبراهيم، اختصاصي علم النفس، أن الأعمال الرمضانية هذا العام هي اجترار للواقع في زمن غير مناسب، وتذكير المشاهد بالواقع السلبي من خلال تكثيف الأحداث على نفسية المشاهد، وهذا قد يولّد حالة إشباع انفعالي سلبي يؤثر على الاندماج في المجتمع، وضعف التواصل، وضعف الثقة، كما يمكن أن يقود إلى حالة من الإحباط، والانعزالية، والتوتر المستمر نتيجة زيادة الضغط، ويشرح إبراهيم: انشغال العائلة الكبير بمشاهدة البرامج والمسلسلات قد يؤثر على العلاقات الاجتماعية، حيث يخفف من التواصل الاجتماعي المباشر، فانعزال الشخص عن وسطه المحيط، واندماجه في الأحداث الدرامية للمسلسلات يؤدي إلى انخفاض القدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخر، وبعض الدراسات أظهرت أن التأثير النفسي لمشاهدة كم كبير من العروض التلفزيونية يؤدي إلى تقليل زمن الانتباه لدى الأطفال، وإلى ضعف في القدرة على التفكير، وأيضاً مشاهدة التلفزيون لأكثر من ثلاث ساعات مستمرة في اليوم تجعلهم أكثر عرضة لاضطرابات في السلوك، وصعوبات في التركيز، وفي الختام فإن مشاهدة الكم الهائل من الأحداث الدرامية طوال اليوم تؤدي إلى إزعاج المشاهد، والضياع، وتشتت الفائدة وبما أن التلفزيون كوسيلة إعلامية وحيد الاتجاه دون تفاعل، فإن التعرض المستمر للمشاهدة يؤدي إلى الاسترخاء، والجمود العاطفي والفكري، في وقت المطلوب عكس ذلك.
محمد محمود