مفاهيــم مغلوطـة.. التدخين في حياة المراهق.. دلالة على الرجولة أم عادة سيئة وتخريب للصحة؟!!

مفاهيــم مغلوطـة.. التدخين في حياة المراهق.. دلالة على الرجولة أم عادة سيئة وتخريب للصحة؟!!

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧

لم يعد عند عبد السلام أدنى شك أن ورقة المئتي ليرة التي يعطيها صباحاً لابنه محمود، طالب الصف العاشر الثانوي كل يومين أو ثلاثة أيام، تذهب ثمناً لشراء علبة سجائر، ولم تعد كل المبررات والحجج المختلفة التي يقدمها محمود حين يطلب المال تفيد بإقناعه أنها لشراء أشياء أخرى كأوراق المذاكرات، وسندويشة الفرصة وغيرها، ومنذ أن كاشف ذلك الفتى أهله قبل أشهر عدة بحقيقة كونه يمارس عادة التدخين أحياناً مع أصدقائه، بات يجد صعوبة بالغة في حصوله على نقود يومية أو مصروف، في المقابل يعتري الوالد الذي ضبط ابنه أكثر من مرة، وهو يدخن على شرفة المنزل، أو كان وحيداً في غرفته، شعوراً بالحيرة والضعف، إذ لا يستطيع أن يحرم ولده من المصروف، ولا يجد السبيل إلى إقناعه بترك تلك العادة السيئة التي وجدت طريقها إلى طفله.

حجج ومبررات

في المقابل تحاول والدة الفتى محمود غير مقتنعة التخفيف من حجم الموضوع، وعدم تكرار الحديث فيه، وترى أن الأمر الآن قد وقع، وهو لا يخص ابنها وحده، ولكنه حالة أو موجة ترافق جيلاً بأكمله من المراهقين، فهل هي كذلك ؟! وتقول الأم: إن ابنها يخجل من عدم مجاراة أصدقائه في هذه العادة، لأنهم قد يعيبون عليه، أو يخرجونه من الشلة، وتتحدث عن وعد صريح قطعه محمود لهم بالتزامه الحد الأدنى وتقليل التدخين، ثم ترك تلك العادة السيئة تدريجياً، دون أن تظهر أي مؤشرات تؤكد أن ابنها اقتنع فعلاً بسوء التدخين وضرره، فهل تنجح المكاشفة والمصارحة فعلاً في مساعدة الشاب على التخلص من تلك العادة؟ وهو من يقول لوالدته: إنه لا يقوم ببلع دخان السيجارة التي يدخنها، ولكن يقوم “بتنفيخها” كنوع من التجريب، والتسلية، وتمضية الوقت ليس إلا.

صور ملفتة

وبالفعل تبدو اليوم صور المراهقين الذين يمارسون عادة التدخين صوراً ملفتة ومتكررة في المجتمع السوري، يثير اهتمامنا قبل أيام مشهد لمجموعة طلاب كانوا يتسكعون في إحدى الحدائق العامة، توقفوا لبرهة، وأخرج ثلاثة منهم علب سجائر من حقائبهم المدرسية، قاموا بتوزيعها على باقي أفراد المجموعة، ثم أشرع كل منهم سيجارته في يده، وتولى مراهق آخر مهمة إشعالها لهم، وبعد أن بدأ دخانها يخرج من أفواههم، حاول بعضهم التفنن في طريقة إخراج الدخان، ثم أكملوا مسيرهم في الحديقة باعتزاز، وكأنهم يستمدون مظاهر الرجولة والثقة من تلك العلب التي منحتهم شعوراً إضافياً بالعظمة، كما بدا لنا حين شاهدناهم، يقول وليد، وهو فتى مدخن يبلغ من العمر 16 عاماً: إنه بدأ بممارسة هذه العادة بتشجيع من صديقه لؤي الذي يكبره بثلاثة أعوام، وهو يجد مظهر السيجارة في يده جميلاً وملفتاً، ويثير إعجاب الفتيات، أما بعض المراهقين المدخنين الذين تحدثنا إليهم، فكانوا يرددون عبارات وأمثالاً شعبية تتعلق بالتدخين، ويبررون به تجربتهم، خاصة ذلك المثل الشعبي الذي يقول: “دخن عليها تنجلي”.

دلائل وإشارات

ويكشف الدكتور عدنان سعد، طبيب داخلية، مجموعة إشارات وعلامات يمكن أن يلاحظها الوالدان على ابنهم المراهق عندما يبدأ بالتدخين، فيقول: أولى علامات التدخين عند المراهق، ظهور سحابة سوداء تحت عيني الطفل واصفرار في الوجه، كذلك ظهور آثار على الأسنان والشفتين وفي رائحة الفم والبقع بين الأصابع، كما يمكن أن يلحظ الأهل بعض الدلائل الأخرى، ومنها الشعور بالعصبية الدائمة، وتقلب الحالة المزاجية التي ترافق ولدهم بين الحين والآخر، وإصابته بالرشح بصورة متكررة، كذلك فالبحة بالصوت مؤشر مهم، ويمكن أن يلحظ الأهل توقف ابنهم عن ممارسة التمارين الرياضية في حالة ممارسته للرياضة، ويبيّن د. سعد أن هناك نسبة  90% من المدخنين بدؤوا بالتدخين في مرحلة الطفولة، ونسبة استنشاق الطفل للدخان تصل إلى 30% من سموم التدخين، وهذا يطلق عليه (تدخين سلبي)، وهو أن الطفل لا يُدخن، ولكن يتعرض له من الأبوين أو المحيطين به، مؤكداً أن التدخين السلبي يؤدي إلى الإصابة بالأذن الوسطى والربو، وضعف وظيفة الرئة، وزيادة حالات السرطان والأمراض القلبية، فالأمراض الناتجة عن التدخين هي السبب الأول للموت.

احذر صديق السوء

في المقابل يضع الدكتور مهند إبراهيم، أخصائي علم نفس النمو والطفولة في جامعة البعث، مجموعة أسباب وعوامل تدفع بالمراهق نحو عادة التدخين، أهمها الشعور الذي يرافق المراهق بالظهور بسن أكبر، ويؤكد أن المراهق لا يدّخر وسيلة في تقليد الكبار، فيظن أنه يشعر برجولته عندما يقوم بالتدخين، لكن من الأسباب الأكثر أهمية التي يضعها إبراهيم لتبرير التدخين هم رفقاء السوء، فالأصدقاء يتشاركون في عاداتهم وسلوكياتهم، لذا فربما يقود مراهق واحد مدخن جميع أصدقائه للتدخين، خاصة عند وجود وقت الفراغ عند المراهق، فيجد متعة في التدخين وقضاء للوقت وقتلاً للملل، كما أن لغياب دور الأسرة تأثيراً مباشراً في توجيه سلوك المراهقين، فالمراهق يعيش في حالة من التشتت خلال هذه المرحلة لاختلاط مشاعره ورغباته وحاجاته وتطلعاته، فيحتاج إلى من يرشده، وعندما يغيب دور الأم أو الأب فإن هذا المراهق يلجأ إلى التدخين، ويحذر د. إبراهيم أن وجود مدخنين في الأسرة يزيد من إقبال المراهق على التدخين، حيث يشعر بأنّها ليست خطيرة، ويختم بتقديم سبب إضافي، وهو الدعاية حول التدخين التي تجذب المراهق، وتجعله محباً لتجربة هذا الشيء “الجميل، والجديد عليه دون أن يدرك أنه عكس ذلك.

طرق علاجية

ويؤكد د. إبراهيم على مجموعة إرشادات وقائية، وطرق علاجية يمكن للآباء اتباعها والتعاون فيما بينهم على تنفيذها مع أبنائهم إن كانوا يخشون عليهم من خطر التدخين، فيقول: يمكن للأهل محاولة شغل فراغ الابن بما ينفعه من قراءة، أو مذاكرة، أو بالاشتراك في لعبة رياضية ما، كذلك فتقريب الطفل من مجتمع صالح، وإبعاده عن أصدقاء السوء له دور أساسي في دفع المراهق للإقلاع عن هذه العادة، ويشدد على ضرورة التوازن في التعامل مع المراهق، وعدم قمعه، أو حرمانه، وإنزال العقوبات الشديدة إن شاهدوه يدخن، فقد يؤدي هذا الأمر إلى نفور المراهق وكرهه لوالديه، في المقابل ينبغي على الأهل عدم الاستجابة لكل مطالب الطفل المادية، ومن الضروري أن يتابع الأهل الحالة النفسية لابنهم ودفعه للحوار المباشر معهم، ومصارحتهم بشكل مستمر، فهذا الأمر يمكّن الأهل من تنبيه أطفالهم إلى مخاطر التدخين، وتصحيح المفاهيم الخاطئة المرتبطة بهذه العادة، كأن يقول الأب لابنه مثلاً: الرجل الحق لا تتحكم فيه السيجارة، وإنما يجب عليه التحكم في نفسه، وألا تغلبه رغبته، وأن التدخين ليس دلالة على الرجولة، ولا يمده بالقوة أو الصحة أو سعة الصدر، وإنما بالمشاكل الصحية والجسدية، وربما المادية لاحقاً.

محمد محمود