بالكاد موجودة العلاقات الاجتماعية تتلقى ضربات موجعة من متاعب الحياة ووسائـل التواصـل الاجتماعـي تزيد العزلة

بالكاد موجودة العلاقات الاجتماعية تتلقى ضربات موجعة من متاعب الحياة ووسائـل التواصـل الاجتماعـي تزيد العزلة

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٦ يناير ٢٠١٨

على الرغم من الازدحام السكاني في الكثير من المناطق الآمنة بدمشق، إلّا أننا لم نعد نلحظ وجود علاقات اجتماعية كالسابق بين الأسر، سواء القديمة في المنطقة، أو التي نزحت من جديد، حيث اختفت الرغبة بين الناس خلال سنوات الأزمة بتكوين علاقات اجتماعية، أو صلة”جيرة” بين بعضهم، منشغلين بهموم الحياة التي أخذتهم بمنحى معاكس تماماً عن البحث عمّا يزيح همهم، ويشعرهم بالتسلية ليصبح الهم الوحيد لهم هو تأمين قوت يومهم الذي يتطلب منهم العمل طوال النهار، في المقابل يجد الكثيرون أن العلاقات الاجتماعية اليوم لم تعد كالسابق، وأن نفوس الناس قد تغيّرت ولم تعد المحبة موجودة مثل أيام زمان نتيجة الظروف القاسية التي عاشها المواطنون، وبالتالي لم يعد هناك قدرة لهم على تكوين علاقات اجتماعية جديدة، ملقين اللوم على متاعب الحياة التي لم تعد سهلة كالسابق، وعلى نفوس الناس التي تبدلت مع تبدل العصر، حيث اكتفى الكثير منهم بالعيش بمعزل عن أي وسط اجتماعي لدرجة جعلت البعض يحد من علاقاته مع أقربائه أيضاً، بينما برر البعض قلة علاقاتهم الاجتماعية بوجود صعوبة في تكوين هذه العلاقات، وهذه الصعوبة سببها عدم إلمامهم بالطرق الصحيحة لتكوين علاقات اجتماعية ناجحة، فما هي الأسباب، وما هي الطرق الصحيحة لتكوين علاقات اجتماعية ناجحة في جميع المجالات..؟.

دراسة علمية
لكي يكون الإنسان سوياً، يرى علماء النفس أنه لا بد من أن ينشأ في بيئة محاطة بالحب والاحترام والتقدير، أما الإنسان الذي ينشأ في بيئة تشعره بأنه غير مقبول أو محبوب، فسيتصرف بعدوانية وعزلة عن غيره، وبالتالي لن ينجح مستقبلاً في تكوين علاقات اجتماعية ناجحة، وهذا ما أثبتته الأبحاث، حيث توصل فريق بحثي أمريكي إلى أن مخاطر الموت المبكر تقل بنسبة 50% عند الأشخاص المحاطين بأشخاص محبين لهم، والناجحين اجتماعياً في علاقاتهم، وصرح أعضاء الفريق بأن العلاقات الاجتماعية القوية مفيدة للصحة، مثل: التوقف عن التدخين، حيث إن ضعف العلاقات الاجتماعية يضاهي تدخين 15 سيجارة في اليوم، وتراجع الحياة الاجتماعية يعادل معاناة إدمان المشروب،  وتزيد العلاقات الاجتماعية في صحة الإنسان أكثر من اللقاحات التي تمنع الإصابة بالمرض.

أسس ناجحة
الأمر المتفق عليه أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وأنه يحب التواصل، والاجتماع مع من حوله من الناس، وتكوين العلاقات الاجتماعية الناجحة معهم، ومما لا شك فيه أن هذه العلاقات اليوم تمر بمرحلة من الركود، بدءاً من العلاقات داخل الأسرة، وانتهاء بالعلاقات الاجتماعية مع المحيط، سواء كانت علاقات الصداقة، أو زمالة العمل، نتيجة ما أفرزته الأزمة، وما أفرزته التكنولوجيا اليوم، بالرغم من أن التواصل الاجتماعي أصبح ضرورة ملحة، ولعل أهم الأسباب التي تؤدي لفشل العلاقات الاجتماعية بنظر مضر سليمان، “ماجستير موارد بشرية”، اختلاف التوقعات التي ينتظرها كلا الطرفين من الآخر، فيحدث أحياناً أن يكون سلوك الطرف الآخر مخيباً لآمالنا وتوقعاتنا منه، وهنا يحدث الفشل في العلاقة الاجتماعية، لذا لخص لنا سليمان أسس العلاقات الاجتماعية الناجحة، والتي أهمها الأخلاق أولاً، ومن ثم الاحترام المتبادل بين أطراف العلاقة، فإن لم تكن هناك أخلاق ولا احترام، فمصير العلاقة الفشل، لذا شدد سليمان على أن يكون أساس العلاقات الاجتماعية قوياً ومتيناً، كذلك لابد للطرفين من البحث بشكل صحيح عن طرق سليمة للتعامل بعيداً عن المصالح التي تغلب للأسف على معظم العلاقات اليوم، لتصل إلى علاقات القربة التي بدأت المصلحة الشخصية تنخر بها، مضيفاً أن ما أفرزته وسائل التكنولوجيا اليوم من ميزات ألغت التواصل المباشر مع الناس بشكل احتكاكي ليحل الأنترنت مكان هذه الصلة، ملغياً المشاعر الحقيقية بمجموعة إيماءات، ورسوم كاذبة بدأ الناس يتعاملون بها للتعبير عن مشاعرهم تجاه بعضهم بشكل أسرع وأسهل، جعلتهم يعيشون بعزلة حقيقية دون أن يشعروا بخطر ذلك، لذا لابد للجهات الإعلامية والاجتماعية من أن تكون أكثر جدية بإعلام الناس بخطر هذه الوسائل التي أيضاً وصلت خطورتها لأطفالنا، لتجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالتوحد، وهذا يعني خلق جيل كامل من الشباب المنعزلين البعيدين كل البعد عن المجتمع الذي يعيشون فيه.
ميس بركات