في يومها العالمي المرأة السورية.. عمل على جبهات الصمود ولقمة العيش.. ومحاولات لدعمها قانونياً ومجتمعياً

في يومها العالمي المرأة السورية.. عمل على جبهات الصمود ولقمة العيش.. ومحاولات لدعمها قانونياً ومجتمعياً

شعوب وعادات

الأربعاء، ٦ مارس ٢٠١٩

إذا أردنا بناء مجتمع حقيقي علينا أن نعطي الأمان للمرأة بحقوق قانونية راسخة ومتجددة، فلا يمكننا اليوم أن ننكر الواقع السيىء والمرير الذي تعاني منه المرأة السورية بسبب الحرب الإرهابية التي دفعت الكثير من النساء لتغيير نمط أسلوب حياتهن بشكل كلي، وبالطبع لم يكن هذا التغيير بمجمله إيجابياً، بل حمل بين طياته هموماً لا تعد ولا تحصى، فالمرأة السورية اليوم وحيدة ومحاصرة، تعاني من الحرمان، وتتطلع إلى مستقبل أفضل، وتحارب قيوداً مجتمعية، وعادات وتقاليد بالية فرضت عليها أن تعيش حياة لا تتناسب مع القدرات التي تتمتع بها المرأة السورية التي لطالما كانت سيدة نفسها، ومتقدمة على نساء محيطها.
قوانين قاصرة!
القوانين السورية لا ترقى إلى المستوى المطلوب لتوفير الحماية اللازمة، وصون حقوق المرأة بالشكل الذي يشعرها بالثقة، وجُل ما تخشاه النساء اليوم أن يصبح الحديث عن قضايا متعلقة بهن مملاً، ليتحول بذلك إلى لغة تحمل المضامين والقصص نفسها، لدرجة جعلت الكثير من الرجال يتحدثون بطريقة لا تخلو من الاستهزاء من أنهم هم من باتوا بحاجة إلى جمعيات تصون حقوقهم، وفي حقيقة  الأمر فإن الوضع على عكس ما يروّج له، حيث تحتاج النساء اليوم للكثير من القوانين، أو بالأصح إلى تغيير جذري في معظمها لافتقارها إلى الواقع، تتحدث مها عيسى، وهي أم لثلاثة أطفال، عن معاناتها الفعلية مع طليقها الذي تركها مع أطفالها وسافر إلى لبنان، وجدت نفسها وحيدة تواجه مصاعب الحياة، حيث قام طليقها بتوكيل أخيه لمتابعة إجراءات قضية الطلاق، وها هي اليوم تدخل من باب محكمة، وتخرج من باب آخر بسبب رفع ثلاث دعاوى قضائية ضدها من قبل أهل طليقها، واحدة منها لطردها من المنزل الذي شاركت بأكثر من نصف ثمنه، مضيفة: وجود بناتي هو من زاد من نقاط ضعفي لأنهن إناث، مختتمة حديثها بأن المرأة المتعلمة قوية، ربما لا تنتصر في النهاية، ولكنها على الأقل تعرف جيداً كيف تقف في وجه المشكلات التي واجهها، وهذا الذي لم أستطع أنا فعله مع أهل زوجي السابق، خاصة في ظل تخلي الجميع عني، بما فيهم أهلي!.
ضعف دور المجتمع المدني
الباحثة الدكتورة ريم منصور الأطرش تتحدث عن تجربتها الشخصية  التي لم تخل بطبيعة الحال من المعاناة، على الرغم من انتمائها إلى عائلة بنيت على الحب، والخيار الحر، تقول الدكتورة ريم، أن والديها كانا من دينين مختلفين، ولم تشعر بفارق بين الصبي والفتاة في بيت عائلتها، لكنها أدركت هذا الفرق بين الصبي والفتاة خارج منزلها، مضيفة: العائلة المبنية على الخيار الحر ستكون حتماً عائلة حرة، وعقلانية تؤمن بأن الناس سواسية، وبضرورة العدالة الاجتماعية للجميع، مفندة بالكثير من الشفافية وضع المرأة، قائلة: إن المرأة عندنا تخاف إذا تزوجت، وتخاف إذا لم تتزوج، لدرجة أنها تخاف إذا كان لديها أطفال من الإناث لا من الذكور، هذا هو وضع معظم حالات الزيجات الموجودة، لأنه لا يوجد قانون  فعلي يحمي حقوق المرأة، فمثلاً التعديلات الأخيرة التي طرأت على قانون الأحوال الشخصية لم تقدم سوى بعض التغيير الذي كان في حده الأدنى، والحل الأنسب هو بوجود قانون أحوال شخصية ينظر للمرأة والرجل كإنسان فقط، فلا يمكن أن تتحرر المرأة والمجتمع إلا بوجود قانون متساو للجميع، لذلك من الضروري وجود قانون للأحوال الشخصية لكل الناس، وبالمستوى ذاته، وهذا لا يحققه إلا القانون المدني، تضيف الدكتورة الأطرش بأن المرأة والطفل هما الحلقة الأضعف في مجتمعنا، لذلك كان وقع الحرب عليهما أشد من الرجل،  فاضطرت المرأة أن تكون رجلاً وامرأة ضمن عائلتها، ما حمّلها أعباء كثيرة، ووجدت نفسها غير محمية لا من العائلة، ولا من المجتمع، ولا من القانون، متابعة حديثها: نحن لا يوجد لدينا مجتمع مدني، ربما لدينا مبادرات، أما المجتمع المدني فنحن لم نرق لذلك بعد، وتوضح الدكتورة الأطرش بأن المجتمع لم يقف مع المرأة إلا في الحدود الدنيا، وهنا لابد من الإشارة إلى الدور الضعيف للمنظمات والنقابات التي لم تفعل المأمول منها، حيث كان من المفترض أن تقف مع المرأة، خاصة في ظل ظروف الحرب التي نعاني منها جميعاً، فمثلاً جرائم الشرف التي تذهب ضحيتها الفتاة ليست إلا جريمة مع سبق الإصرار والتصميم، ولذلك من الضروري إلغاء القانون الذي يخفف العقوبة على مرتكب هذه الجريمة، وعادة توكل لقاصر ليقوم بها، ليتهرب الفاعل الحقيقي من الجرم، لذلك حتى القاصر يجب اعتباره قاتلاً إذا ثبت ارتكابه للجريمة المسماة زوراً بالشرف حتى نتمكن من الانتهاء كلياً من هذه الجرائم.
ازدياد حالات العنف
المحامية زينة شاكبازوف، وهي تعمل مع الأمانة السورية للتنمية، سلّطت الضوء على المادة 23من دستور الجمهورية العربية السورية الصادر ، وهي المادة التي تتيح للمرأة المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع مشاركتها في بناء المجتمع، مضيفة: مع الأسف خلال الحرب تعرّضت المرأة للعديد من الانتهاكات لحقوقها، وازداد العنف الذي تتعرّض له، فحسب هيئة الطب الشرعي ارتفعت نسبة العنف ضد المرأة خمسين بالمئة في ظل الحرب، سواء من قبل الزوج، أو الإخوة، أو الأب، مع ضرورة الإشارة إلى أن العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية موجودة في كل المجتمعات، وترى الأستاذة زينة أن الطرق الأمثل للتخفيف أو الحد إذا استطعنا من ظاهرة العنف هو بسن قوانين جديدة، أو تعديل القوانين الموجودة التي تساوي بين الجنسين من خلال الجمعيات والمؤسسات التي تنشر الوعي بين النساء لتعرف ما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، مضيفة بأن ما لاحظته أن الكثير من النساء اللواتي تعرّضن للتعنيف يتكلمن اليوم عن تجربتهن، ويتحدين الخوف والأعراف، وهنا تستحضر شاكبازوف قصة إحدى السيدات التي تعرّضت للتعنيف والضرب من قبل والدها، ما عرّضها لكدمات وإصابات في كل أنحاء جسدها، واستطاعت  فيما بعد أن تستقل بنفسها ، وتحصل على عمل بمساعدة المختصين في إحدى المنارات التابعة للأمانة السورية، وتعتبر شاكبازوف أن التعديلات التي طرأت على قانون الأحوال الشخصية حتى لو كانت خجولة وليست كافية، لكنها كبداية جيدة من وجهة نظرها القانونية.
النوع الاجتماعي
توضح روان قطيفاني، وهي مشرفة الدعم النفسي والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأمانة السورية للتنمية، أن هذا النوع من العنف هو أحد الأنواع الكثيرة للعنف الموجودة منذ زمن بعيد، فعلى سبيل المثال، الأنثى ترتدي دائماً اللون الزهري، والصبي الأزرق، الأنثى مكانها في المطبخ، والصبي في مكان آخر، هذه هي الأدوار الجندرية التي وضعها المجتمع، أما فيما يتعلق بحالات العنف فازدادت بكثرة في الحرب لعدم وجود رقيب أو رادع قانوني، أو أخلاقي، أو ديني، إضافة إلى أن العقوبات غالباً ما تكون خفيفة، ما يجعل البعض يستسهل الاغتصاب، أو التحرش، أو غيرها من الأفعال الشاذة، فحالات الاغتصاب التي ازدادت، ولم تقتصر فقط على الفتيات الصغيرات، أو النساء، بل وصلت للأطفال الذكور، أصبح من الضروري وضع حد لها بقوانين رادعة.
المرأة بين الريف والمدينة
لا شك أن هناك الكثير من الفروق بين وضع المرأة في الريف والمدن  من حيث طبيعة الحياة، وأسلوبها، والأعباء التي من الممكن أن تكون ملقاة عليها، ولكن من الملاحظ أنه في بعض المناطق الريفية تتمتع المرأة بهامش لابأس به من الحرية، وهذا ما أكدته قطيفاني من خلال حادثة حصلت معهم أثناء جولة من الجولات التي يقومون بها في الأمانة السورية في إحدى القرى الموجودة في محافظة اللاذقية مع سيدة ريفية بسيطة تعمل بالزراعة إلى جانب زوجها حين قامت بغضب بتوبيخ جارتها التي تتعرّض للضرب قائلة لها: كيف تسمحي لزوجك بضربك، نحن نعمل معهم في الأرض جنباً إلى جنب، وهذا الأمر يتعلق عادة بالموروث الاجتماعي، ولا دخل للعلم والثقافة به، فهناك الكثير من النساء المتعلمات يتعرّضن للضرب، ولكن يضطررن للسكوت من أجل أولادهن، وهنا توضح قطيفاني أنه من الضروري جداً أن تتعلّم المرأة استراتيجيات معينة لمواجهة العنف داخل منزلها، لأنها إذا تركت منزلها ستتعرّض لعنف أكبر قد يبدأ بالتحرش،  ولا نعلم إلى أين يصل بها.
لم تكن موجودة
لا شك أن الحرب وضعت الكثير من العقبات أمام المرأة السورية حتى باتت تعاني من مشاكل متعددة لم تكن موجودة قبل الحرب، منها مشكلة تأخر الزواج، وارتفاع نسبة الفتيات العازبات، فأحدث إحصائية عن نسبة الفتيات العازبات في مدينة دمشق وصلت إلى 500 ألف فتاة عازبة فوق سن الثلاثين، ما ينذر بعواقب خطيرة على المجتمع، إضافة إلى ارتفاع نسبة الأرامل والأطفال اليتامى، ما حمّل المرأة مسؤوليات مضاعفة، واضطرها إلى العمل في مهن تحتاج إلى قوة عضلية لا تناسبها كامرأة، والكثير الكثير من المشكلات كزواج القاصرات، وغيره.
إذاً لابد من أخذ كل هذه الأسباب بعين الاعتبار، وتوفير الأرضية المناسبة لتتمكن المرأة من تجاوز هذه المحن التي تمر بها، ولعل من أبرز الأمثلة التي توضح قدرة المرأة على التغلب على الصعوبات، وتجاوز العقبات، وبناء مجتمع قوي، ما قامت به نساء الأنقاض، وهو مصطلح أطلق على النساء اللواتي قمن بإزالة أنقاض المباني المهدمة إثر الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، والمرأة السورية ليست أقل من غيرها، فهي لطالما كانت قدوة وسبّاقة على كل نساء محيطها، وهي من يعوّل عليها اليوم في إعادة بناء المجتمع الذي تمثّل نصفه، وتربي نصفه الآخر، فقد أثبتت المرأة السورية أنها قادرة على مواجهة وتحمّل كل الضغوطات، وصمودنا ضد هذه الحرب لم يكن ليحدث لولا وجود امرأة قوية تقف مع الرجل، لذلك لابد من إنصاف المرأة السورية التي تستحق الأفضل.
لينا عدره-البعث