بعد سنوات الحرب المرة، ما أحوجنا إلى التسامح

بعد سنوات الحرب المرة، ما أحوجنا إلى التسامح

شعوب وعادات

الاثنين، ١١ مارس ٢٠١٩

هبة اللـه الغلاييني
كل الناس يحبون المتسامحين، ويبتعدون عن المتشددين في آرائهم وأفكارهم. فكلما كنت منفتحا متسامحا ازداد رصيد محبتك عند الآخرين، واقترب منك الأصدقاء أكثر. التمس لهم الأعذار، وتذكر أن لديهم الكثير من الضغوطات، ويتعرضون للظلم مثلك، فكن أول من يبدأ بالتسامح تزدد صفاء ورقيا، وتعش مرتاح البال.
تقول سهى (متزوجة منذ واحد وعشرين عاما): (اختلف كثيراً مع زوجي، وخاصة في تربية الأبناء والبنات، غير أنني لا أستطيع النوم إذا لم نتصالح ويسامح احدنا الآخر. وغالبا ما أبدأ أنا، وأطلب منه أن يسامحني حتى ولو لم أكن أنا المخطئة، لذلك ساد الود والوئام بيننا، وأصبح يقدر مع الأيام سلوكي هذا، ولم يعد يخطئ في حقي، ويتقبل رأيي بكل احترام.
أما ريم (متزوجة منذ 6 سنوات، وتقيم في بيت أهل زوجها) فتقول: (إن السكن مع الحماية يجلب المتاعب والمشاكل فحماتي صعبة الإرضاء ولا يعجبها العجب، ومصابة بالوسواس القهري، فهي تطالبني بمسح المنزل والغبرة عدة مرات باليوم، مع تعقيم الصحون والكاسات، ما عدا الغسيل اليومي وتغيير الشراشف وأغطية الوسائد. فيدب الخلاف بيني وبينها، وتمر أيام وليال ولا نتحادث فيها، وكل واحدة منا مكفهرة الوجه. إلى أن يطلب مني زوجي مسامحتها وكسب ودها ورضاها، من أجل رضا رب العالمين. وبالفعل أقوم بطلب المسامحة وأقبل يديها، لأنها بمنزلة والدتي).
أما أحمد، الذي يعاني من خلاف قديم مع صديقه ويتمنى أن يسامحه فيوضح قائلا: «كنت أنا وصديقي عدنان أصدقاء منذ الابتدائية، أي صداقة عميقة وقوية، وظللنا كذلك نحو خمسة وعشرين عاما، غير أنه بعد زواجي، وتدخل بعض الأصدقاء في علاقتنا جعلني أتشاجر معه، في إحدى جلسات لعب الورق، ودخل الشيطان بيننا، وساءت علاقتنا وصحبتنا، وجاءت الحرب، وسافر بعيداً، وكنت أود لو ودعته وتسامحنا قبل رحيله، لأنني ما زلت أكن له المحبة والألفة».
إذاً لماذا نسامح
لأن المسامحة متوافرة للجميع طوال الوقت، ما من شخص إلا وتعرض للظلم في حياته، لكن هناك جروحا تؤدي إلى اضطرابات نفسية طويلة الأمد، والتي بدورها تؤدي إلى اضطرابات جسدية بشكل أو بآخر، وهنا لا بد من خيار المسامحة، وهناك بعض الطرق التي تساعدك على تبني فكرة التسامح:
١- المسامحة قرار: الاستجابة لضغوط الآخرين، ودفعهم إياك كي تتسامح مع أحد أساء إليك، ستكون ناقصة، وليست مسامحة فعلية، فإذا أردت المسامحة الحقيقية، فاعلم أنها تنبع من ذاتك، ومن قرار حاسم تتخذه بنفسك، أن تسامح، وتنسى ما تعرضت له من ظلم.
2- سامح من سبب لك ألما بسيطا أولا: جرب أن تضع لائحة بأسماء كل من ظلمك، ابتداء من الظلم الكبير الذي لا نستطيع أن نغفره، وانتهاء بالأخطاء البسيطة التي ارتكبها أحدهم في حقك، ثم ابدأ بآخر القائمة، سامح من سبب لك ألما بسيطا ثم انتقل إلى الموقف الأصعب حتى تصل إلى أول القائمة.
والترتيب في المسامحة من الآخر صعودا إلى الأول ضروري، لأنك لو بدأت بمسامحة من أساء إليك إساءة كبيرة، فإن هذا يشبه من ليست له لياقة بدنية.
فالمسامحة من الأقل إساءة إلى الأكبر ما هي إلا تدريب لك بمنح القوة اللازمة لمسامحة الظلم الأكبر.
3- مشاعر الغضب تنهك قواك: الشعور بالتعب والإرهاق نتيجة حتمية لمشاعر الغضب، وما تحمله النفس من حقد أو كره إلى من أساء إليك. وهذه قوة جبارة تسيطر عليك، وحري بك أن تستفيد منها بدل أن تهدرها في مشاعر سلبية لا طائل من ورائها.
٤- تذكر دوما أن تتبنى فكرة التسامح: حين تتمكن من معرفة تأثير الغضب فيك وفي حياتك، فحينها قد تشعر برغبة من الانتقام من الآخر، أو بالقيام بردود فعل عنيفة تجاهه، عليك استعادة زمام السيطرة، والالتزام بمبدأ المسامحة، وبأنك حقا تريد أن تغفر.
5- فكر فيمن ظلمك برؤية جديدة: ربما يكون من الصعب عليك أن تضع نفسك مكان الآخر، لأنك تعتقد أنه ظلمك وأساء إليك، لكن ماذا لو فكرت قليلا، هل تعرض هذا الشخص للأذى في حياته؟ وهل كان هو أيضاً ضحية لظلم من نوع ما؟ ليس المطلوب منك هنا إيجاد مبرر لتصرفاته، ولكن المطلوب رؤيته من زاوية جديدة، إنه قد يكون مرتبكا أو خائفا، أو إنه ليس قويا، ولا يمكن كسره، كما يخيل إليك.
6- تبدل مشاعرك في حاجة إلى وقت: بعد مضي وقت على تغيير فكرتك عن الشخص الذي أساء إليك، ربما أسبوع أو أسبوعان، تبدأ مشاعرك تلين، وتشعر بأن مشاعر غضبك تجاهه خفت، وهذا دليل صحي على أن مشاعر الغضب لديك بدأت تتلاشى، وستحتاج إلى وقت لتختفي كليا، إلا أنك تسير في الطريق الصحيح.
7- خذ خطوة إلى الأمام: لعلها أعظم ما يفعل في دروس التسامح، ولكن إن تمكنت من القيام بها فحينها ستدخل مرحلة الشفاء من الشعور بالظلم. ليس بالضرورة التفاعل مع من ظلمك مباشرة، في حال كنت لا تستطيع احتمال فكرة التواصل معه، ولكن يمكن أن يكون التواصل على شكل رسالة بريدية، أو رسالة نصية أو أي مبادرة تتضمن لطفا من أي نوع. وهذا يعني أنك وصلت إلى مرحلة من القوة تمكنك من أخذ خطوة ايجابية تجاه من ظلمك.
8- لست الوحيد الذي تعرض للظلم: إذا عرفت العبرة والفائدة مما مررت به، ستعرف أنك لست الوحيد الذي تعرض للظلم، وستكتشف أنك أصبحت أكثر صبرا مع الآخرين الذين يمرون في حياتك، وستصبح أكثر إدراكا وتفهما لألمهم. فحين تصل إلى هذه المرحلة ستصبح جاهزا للخروج من النفق المظلم، والاستمتاع بالحياة مجددا.
9- حاول ثم حاول ثم حاول: إذا كنت قد بدأت من أسفل القائمة، فأنت لم تصل إلى الاسم الأول بعد، وبالتالي عليك اتباع الخطوات أعلاه مع كل شخص حتى نصل صعودا إلى أول القائمة، الخطوة الأولى دائماً الأصعب، وما بعدها يصبح أسهل.
الوطن