المعلم والقدوة والرسول … هل هذا المفهوم ما زال مستمراً إلى اليوم

المعلم والقدوة والرسول … هل هذا المفهوم ما زال مستمراً إلى اليوم

شعوب وعادات

الخميس، ٢١ مارس ٢٠١٩

يقول أبو الأسود الدؤلي «يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم. تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم». كما يقول الإمام الشافعي: «اصبر على مرّ الجفا من معلم فإن رسوب العلم في نفراته.. ومن لم يذق مرّ التعلم ساعة تجرّع ذلّ الجهل طول حياته». العديد من الحكم والأمثال والأقوال والأشعار تناولت ذاك المعلم تكريماً لحياة أفناها مضحياً ومقدماً أثمن ما يملك من علم ومعرفة لبناء الأجيال وتنشئة العقول.
 
اليوم نقول للمعلم في عيده إنك الأمل والشمعة المضيئة في عتمة ليالي حاول الكثير إغراقنا بها. وكم نحن بحاجة في هذا الوقت إلى إعادة بناء جيل مثقف وواع، هو أمر يقع على عاتقك لصناعة الأجيال بعد حرب تركت الكثير من الغبار في نفوس الطلاب. هذا ما يزيد من واجبات المعلم فلا يقتصر عمله على تقديم الجانب التعليمي فقط إنما يجب أن يعطي الكثير من الحكم والأخلاق الحميدة ويحث عليها ليكون بحق بانياً وصانع أجيال.
والمتعارف عليه أن المعلم هو القدوة والمنارة التي تضاء بها الأمم. بتنا نجد اختلافاً واختلالاً لهذا المفهوم بين الأمس واليوم، حيث كان المعلم سابقاً له تقديره واقتداره واحترامه وتبجيله، أما الآن فهناك استخفاف عند أغلب طلاب جيلنا به. وكان المعلم في الزمان صاحب كلمة مسموعة هي الفصل ويشكل وجوده رهبة في نفوس الطلاب. ومع انتشار الدروس الخصوصية أصبح الطالب محتاراً، والمعلم لا يقدم إلا نصف معلومة مؤملاً الطلاب بزيادة وإضافات قد تكون بساعات مأجورة بعد الدوام، هذا المفهوم اليوم جعل وزارة التربية تشعر بالقلق وسعت إلى محاربته متأخرة بعد أن تفشى في المجتمع. وأصبح الأهالي مع بداية كل عام يجلسون ويحسبون الأثمان التي ممكن أن يدفعوها من أقساط المدرسة وحاجاتها إلى الدروس الخصوصية المرتفعة الأثمان وربما قليلة الفائدة.
لا بد لنا اليوم من أن نعيد للمعلم اعتباره وهيبته فهو المعلم الأول كان وما يزال ولا بد أن يعود ويغدق في التفاصيل ويبعد طلابه عن أي فكرة إضافية ويساعدهم على إعادة الاعتماد على النفس وبذل الجهد في المنزل ليكونوا بحق خير جيل نحن بانتظاره.
نزرع الأمل في النفوس
 
وفي إطار حديثنا عن القدوة والمعلم تحدثنا مع الأستاذ والموجه غسان سليمان الذي كان معلماً لأكثر من 40 عاماً قضى فيها عمراً بتدريس وبناء طلاب وأجيال تخرجت على يديه. والآن يجلس في غمار قريته الواقعة في ريف منطقة القدموس (خربة عامودي) يطالع صحفاً وكتباً عديدة ويتابع أهم المستجدات من أخبار وسياسات يناقشها مع جيرانه ورفاقه، هكذا يقضي يومه فرحاً بإنجاز معلم قدم الكثير من حياته لإعداد الأجيال قائلاً: «أمضيت بمهنة التعليم مدة41 عاماً منها31 داخل الصف متنقلاً بين الحلقة الأولى والثانية والمرحلة الثانوية، وقمت بمهمة التوجيه التربوي مدة السنوات العشر الأخيرة، هذه المهنة لطالما كانت محببة إلى قلبي فهي جعلتني سعيداً وفخوراً. هي فرحة تعكسها محبة أبنائي الطلاب واحترامهم لي. وهذا شعور يتجدد دائماً عندما أقابل بعضهم في مجالات العمل المختلفة لنستعيد معاً بعض الذكريات الجميلة».
ويعتبر سليمان أن أهم مقومات النجاح في العمل هي «حب المهنة إضافة إلى توافر الإرادة وتوفير مستلزمات العمل والبيئة التربوية المناسبة نفسياً واجتماعياً للطلاب والمدرسين، وتتعزز هذه البيئة بالتواصل بين المدرسة والأسرة، لأن الطالب عندما يحب أستاذه يحب المادة التي يقدمها ويتقبل منه المعلومات بسهولة والعكس صحيح. أما المعوقات التي تقف بوجه نجاح المعلم فهي وضعه المادي السيّئ الذي يدفعه إلى ممارسة الأعمال الإضافية بعد أوقات دوامه لتوفير حاجاته، وللأسف قد يضطر إلى ممارسة بعض الأعمال غير المناسبة لمهمته التربوية سواء في الخدمات أم التجارة أو بعض الأعمال المجهدة، التي قد تضعف من عزيمته واهتمامه بمهنته الأساسية وتقلل من قيمته المعنوية تجاه طلابه. بيد أن مشكلتنا الأكبر اليوم هي الاتجاه نحو المادة حيث أصبحت هي المقياس الأهم لقيمة الإنسان ولم يعد تحصيل العلم والمعرفة له الأولوية إذا لم يقترن وينتج عنه دخل مادي مميز، دور المعلم في وقتنا الحاضر وخلال هذه الأزمة أصبح أكبر إذا تمكن من إيصال رسالته».
ويبين سليمان: «إن الظروف التي نمر بها استثنائية في وطن جريح يتطلب منا مضاعفة جهودنا وتضميد الجراح في النفوس وإعادة الطمأنينة إلى القلوب بتبديد الخوف وإعادة الثقة وتعزيز الصمود وبعث الأمل لتحقيق النصر وإعادة بناء سورية الحديثة. خاصة أن عدونا يستعمل كل ما يملك لهزيمتنا بإرهابنا وتدميرنا من الداخل لنعود قبائل وطوائف، ولكننا بعلمنا ووعينا وإرادتنا نزرع الأمل في نفوس أبنائنا ونحقق النصر، حيث كان أول أهداف أعدائنا تدمير أجيالنا وتحطيمهم من الداخل ويبقى المعلم هو الأقدر على المواجهة إذا توافرت له مقومات الصمود».
ويستشهد سليمان في ختام حديثه بقول ربما فيه الكثير من العبرة لو أخذنا بها حقاً ويقول: «سألوا أحد المسؤولين اليابانيين كيف استطاعت اليابان أن تحقق النهوض العلمي والحضاري بسرعة كبيره؟. فأجاب: لقد أعطينا المعلم حصانة القاضي وراتب الوزير فاتجهت أفضل الكوادر إلى التعليم وتمكنوا من تحقيق ما تم تحقيقه».
ويقول المثل العربي «من علمني حرفاً كنت له عبداً». وقال أحمد أمين: «المعلم ناسك انقطع لخدمة العلم كما انقطع الناسك لخدمة الدين». ويقول جبران خليل جبران: «أيها المعلم، سنكون خيوطاً في يديك وعلى نولك فلتنسجنا ثوباً إن أردت، فسنكون قطعة في ثوب العلا المتعالي». وأخيراً تحية واحترام لكل أستاذ علّم وبنى وربّى أجيالاً هي اليوم في حقل عملها تفنى لتقدم وتعطي مثلما أخذت.
الوطن