دراسة بنيوية تحليلية في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر صالح هواري

دراسة بنيوية تحليلية في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر صالح هواري

شاعرات وشعراء

السبت، ٢٩ أغسطس ٢٠١٥

محمد خالد الخضر
أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب في الآونة الأخيرة الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العربي الفلسطيني صالح هواري في اجتهاد لرصد أعمال الشعراء الذين تصدوا للنكبات، ووقفوا في وجه الأزمات التي لا زالت تهدد بلدانهم، إلا أن الواقع الأدبي والثقافي يحتم على أي مؤسسة كيف ما كانت شعبية أم رسمية أم تمارس واجبها الصحيح وهذا ما يبعث الأمل في رصد أعمال شعرية لرجل عاش حياته في مهب القصائد يحمل أسلحته وأدواته ومختلف ثقافاته ويوجهها كلها إلى هدف أسمى ليتجه إلى ما يؤذي ضمير أمته ولا ينظر كما نظر الكثيرون بعيني الطمع على حساب أرض أو وطن.
الشاعر صالح هواري جاءت قصائده في الجزأين الأول والثاني انعكاساً لحالات نفسية رصدت بتصاعدها العاطفي تحولات الأمة العربية بانتصاراتها وانكساراتها وانهزاماتها، فجاءت قصائده في بنية تركيبية غير مشوبة لأن الشاعر هواري ظل محافظاً على كرامة جرحه سقطت فلسطين بأيدي الاحتلال يصرح أو يوقع إلا للنزوع النضالي الذي يخوله أن يكون شاعر القضية بامتياز، فهو يمتلك موهبةً قادرة وإرثاً ومخزوناً ثقافياً أعطاه مداً في صياغة ما يحس به على أشكال مختلفة في الشعر دون أن يتخلى عن أي أساس من أسس المنظومة الشعرية الحقيقية الموجودة منذ الأزل، فالحب يأخذ شكلاً بنيوياً نفسياً صادقاً مركباً من الوطن والمرأة والإنسانية المتقدمة في أعماقه يقول في قصيدة عيناك من بردى الموجودة في الجزء الأول:
عيناك من بردى أحبهما .. أنا فيهما قد تهت فاهديني
أبصرت ربي في ظلالهما .. فعبدته مذ ذلك الحين
ويرتبط الوعي الجمالي بالشكل الذي يدل على مواطن الإبداع والذي يعبر عن الوجدان بسياقات مختلفة ومدلولات رمزية وصور تنأى عن الضبابية فتمثل المعنى التعبيري للفن المكون من الشجن والعاطفة وعناصر النص فيكمل ويقول عبر النزعة الوطنية القومية الدالة على انتماء الشاعر لعراقته وأصالة جذره:
يافا كأني اليوم أسمعها .. في الربوة الفيحاء تدعوني
لست الغريب هنا ولو بعدت .. داري فأرض العرب تطويني
سأعود ألف أعود يا وطني .. أحميك من خطر وتحميني
وفي نصوصه الشعرية تتجلى النفس في كل ألفاظه وتعابيره بصفته يمتلك موهبة متفوقة ونتيجة معاناه من بواعث مضطربة أفقدته كثيراً من الأشياء الجميلة فدخلت في سيكولوجية القصيدة ونمت معاناته في سلوكه الاجتماعي والفكري المرتبط بالغرض الذي يسعى في سبيل تحقيقه دون أن يتكلف ودون أن يحاصر العبارة فتأتي أشكاله الشعرية مطواعة ملتزمة بالاستجابة للنفس ذاتها يقول في قصيدة أخاف عليك:
عيون النواطير غاشمة وأخاف عليك .. أموت كثيراً .. ولا أشتهي غير تفاحة من يديك.
الرابطة الانفعالية في نصوص الهواري والناجمة عن توحيد الذات وفق الاحساس المشترك بينه كشاعر وبين البيئة التي يعيش تجاربها أبدت ظواهر شعرية أخرى نتيجة قدرة الموهبة على الاستجابة لتداعيات البيئة فكانت القصيدة القصصية التي رصدت نزعة ألم انتبت الشاعر وهو يرى أماً تعمل على تحطيم حالة حب بين ابنتها ومن أحبت في حياتها كما ورد في قصيدة وتقول أمك:
لا نصيب له .. عندي فصدي عنه يا بنتي وأقول والأشواق تحرقني .. رغم النصيب حبيبة أنت
حفر الهوى اسمك في الضلوع ومن .. أحلامي الخضراء كونت ولابد للشاعر من الاستجابة لتطلعاته النفسية المكونة مكونات الخيال الذي بدوره تشكل من البيئة والزمان والمصادفة والسيرورة والصيرورة، فانبرى الضمير ليقوم بواجبه الوجداني ما دفع الشاعر ليكتب:
لا نملك الآن شيئاً غير سمعتنا .. فوق الظلام بها نمشي وننتقل
زيدي اتساعاً هنا يا وردة شنقت .. من عطر أحلامها هل يشنق الأمل
لا وزن إلا بنا .. ميزاننا لهب .. مستفعل فعل
وتلعب التربية الثقافية والبنيوية والأخلاقية دوراً رئيساً في تطور المنظومة الشعرية عند صاحبها ليأخذ شكلاً بيانياً واحداً في طريقة التعاطي الوجداني مع الموضوع الذي يطرحه مهما اختلفت المعاني والأشكال التي يأتي بها وبرغم عدم تكرار الطريقة التصويرية  في تشكيل قصائده يقول:
على بابك الشاعرية انتظرت طويلاً .. وها أنت جئت .. فهل تأذنين لقلبي الدخول.
تأتي قصيدة الهواري ملتزمة بالموسيقا الشعرية الأصيلة وبمقومات الشعر الحقيقي لذلك يعد من رواد العصر الراهن بلا منازع إضافة إلى أنه يعد من الشعراء الذين قبضوا على الجمرة والتزموا بواجبهم  الإنساني والوطني.