“عودة إلى الحب” تكشف موهبة شعرية لدى الأديب والإعلامي الراحل ياسر المالح

“عودة إلى الحب” تكشف موهبة شعرية لدى الأديب والإعلامي الراحل ياسر المالح

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٥

الإعلامي والأديب الراحل ياسر المالح معروف لدى جمهور القراء في سورية والوطن العربي كصاحب قلم مميز إضافة لنشاطه في إعلام الأطفال غير أن زوجته الكاتبة أمل خضركي أحبت أن تطلع القراء على نتاج أدبي مجهول لدى المالح عبر طبع ديوانين نظم قصائدهما الراحل منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي ولغاية وفاته في مجموعة شعرية واحدة.

وفي مقدمة المجموعة الشعرية التي حملت اسم “عودة إلى الحب” أوضحت خضركي أن ياسر المالح لم يتخذ الشعر مهنة له وإنما كانت هوايته لذلك كانت الكلمات تأتيه دون عناء عندما كان يفضي بما يجيش في صدره من مشاعر وعواطف موضحة أن الراحل كان يرفض نشر شعره لأنه يعتبره من خوالج نفسه الخاصة به ولم يعتبر نفسه شاعرا محترفا.

وأضافت خضركي “ياسر المالح كان دائما يسعى إلى إيصال فكرته بلغة سلسة ومكثفة لا يحب الغوص في اختيار الكلمات الصعبة والمعقدة التي تحتاج إلى المعاجم لتفسير معناها فهو يريد أن يصل إلى الآخر دون وسيط” وبدوري أردت أن أعرف إليه كشاعر يعتمد معظم الأحيان على شعر التفعيلة ويعبر بصدق عن نفسه وعمن مر بتجارب مشابهة.

وتتضمن قصائد المجموعة حالات عاطفية وبوحا شفافا يعبر عن حب كبير يعكس أكثر ما يختلج في نفوس العشاق وتظهر الموسيقا كأحد أهم الأسس الفنية وتلتزم نغماتها بحركات منتظمة تدعو إلى رقص القلب بلهفة العاشق لتتحرك مترادفة كرف طيور على نبع الماء كقوله في قصيدة “عودة إلى الحب”..

يا حلوتي .. ماذا لنا .. من عمرنا

غير المحبة والمنى

هيا بنا .. نسعى إلى درب الهوى قبل الندم

فغدا تغيبنا المنون

ويضمنا كهف العدم.

ويتدخل في قصائد المجموعة التراث الشعري الأصيل الذي ما زال يسكن في أشجاننا وأحزاننا ومغانينا فتتوشى القصائد بالأصالة وتعبر إلى الوجدان بقوة الانفعال الوجداني الصادق وبفعل الإرث الساكن في ضمائرنا لتكون القصيدة في معمارها الممتد بين الماضي والحاضر محاولا أن يمد لها جسرا نحو المستقبل قال في قصيدة “قبل الانشاد”..

ليس الشعر غير قيثار تغنى .. بمواويل قديمة

قالها مجنون ليلى العامرية

أو جميل او عمر

كلنا بالعشق مر .

ويحرص الشاعر المالح على التوازن الموضوعي في البنية التكوينية للقصيدة فيذهب السرد بمعانيه متفاعلا مع الحدث صوب النهاية محملا بالدلالات والمعاني بغية الوصول إلى نقطة النهاية يقول في قصيدة بعنوان “من أجلك”..

سأزرع القمر .. أجنة الضياء

فينبت الشعاع .. وتضحك السماء .. بوجهك الجميل.

وكثيرا ما يعتمد المالح على وصف التحولات العاطفية التي تؤدي إلى قضية حب سببها موقف عاطفي ثم يبني قصة مصورة عبر خيال واسع يأتي خلاله بالبنى الدالة وبالأحرف التي قيد بها أواخر نصوصه لتكون لوحة فنية بهية الشكل وشفيفة المعنى كقوله في قصيدة “مستعمرة”..

في خاطري كومضة اللآلئء غائبة وحاضرة بجانبي على السرير .. مقابلي .. وفي الرؤى تأتيني زائرة

ومن شرح الأشواق عبر بطاقات المعايدة وترانيم اللقاء يتجاوز الأبعاد والأعياد والأحاديث لا يعرف سره إلا الذات الشاعرة الساكنة داخل أعماقه فقال في قصيدة “عيد الحب”..

في عيد الحب .. يهدي المجنون إلى ليلى قلبا أحمر
مرسوما يحتل بطاقة .. وعليها بيت من شعر يشرح في خجل أشواقه
أما عندي .. فالحب له معنى آخر .. يتجاوز كل الأعياد يتحدى كل
الأبعاد ويطوف بأرجاء الدنيا
يعلن بالقول وبالعمل أني أهواك بلا خجل.

وفي قصيدة بعنوان “بعيدا عن الأرض” يتجلى دور خيال الشاعر ليبني بعيدا عشا للحب غير ما هو موجود بين البشر لأنه يعتبر الحب أسمى ما يعيشه الإنسان يقول..

طيري معي .. فوق السحاب .. طيري معي .. نحو القمر
فهناك نبني عشنا .. ونقيم دهرا وحدنا .. ما من قريب أو بشر.

ورأت الشاعرة مريم الصائغ أن الشاعر المالح اعتمد أسلوب المحاكاة المموسق الذي يدل على وجود حالة حب كبيرة داخل إنسان تتفوق المواهب الأخرى في داخله على موهبة الشعر فجاءت معظم القصائد بشكل واحد ضمن دائرة عاطفة واحدة إلا أن هذه القصائد ارتقت إلى درجة السمو.

الحالة الوجدانية ظهرت عند كاتب النصوص لتعبر عن حب طاغ دفعه لكتابة الشعر العفوي البسيط الذي جاء متأثرا بالمدرسة النزارية فغمس المالح ريشته في هذه المدرسة التي توافقت في أغلب النصوص مع منحاه في تشكيل النص الفني الذي يرضي فيضه العاطفي.

يشار إلى أن مجموعة عودة إلى الحب صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب وتقع في 215 صفحة من القطع المتوسط.

محمد الخضر