سقطات المتنبي

سقطات المتنبي

شاعرات وشعراء

الأحد، ١٠ يناير ٢٠١٦

سامر الشغري
أراد الأديب والكاتب ابن رشيق القيرواني  بقوله قبل نحو ألف عام //المتنبي شاغل الدنيا ومالئ الناس// أن يعبر عن الضجة والجدال الذي أثير حول أبي الطيب والذي اعتبر دائماً أهم شعراء العربية عبر العصور.
ولم يتأتَّ لشاعر سوى المتنبي ذلك الكم الكبير من النقاد الذين تتبعوا قصائده شرحاً ونقداً من ابن جني إلى الأصفهاني إلى الصاحب بن عباد فالمعري والثعالبي وابن هشام الأنصاري وابن بسام والعميدي ولكن حضور شاعرنا وشعبيته طغيا على كل المآخذ والثغرات وحتى السرقات التي وجدت في شعره.
فابن جني رغم الإعجاب المتبادل الذي طبع علاقته بالمتنبي عثر في عدد من قصائد الأخير على كسر عروضي ومنها البيت القائل من بحر الطويل:
- "تفكره علم ومنطقة حكم  ...  وباطنه دين وظاهره ظرف"  والذي خرج أبو الطيب منه في تفعيلات الطويل من مفاعلن إلى مفاعيلن.
كما كشف ابن جني أكثر من مرة أخذ المتنبي من معاني شعر غيره كما في بيته الذي قال فيه:
- "أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي" والذي ورد معناه في بيت لابن المعتز الذي قال:
- لا تلق إلا بليل من تواصله ... فالشمس نمامة والليل قواد".
أما العميدي فألف كتاباً عن سرقات المتنبي بعنوان /الإبانة عن سرقات المتنبي/ مورداً أمثلة عديدة منها قول الشاعر أبي تمام:
- "لو حار مرتاد المنية لم يجد.. إلا الفراق على النفوس دليلا" حيث ورد هذا المعنى بألفاظ متقاربة في بيت لأبي الطيب عندما قال:
- لولا مفارقة الأحباب ما وجدت.. لها المنايا إلى أرواحنا سبلا".
بل إن العميدي ذهب في كتابه إلى أنه لما قتل  المتنبي وجِد في خرج كان معه ديوانا الطائيين / أبي تمام والبحتري/ بخطه وعلى حواشي الأوراق علامة على كل بيت أخذ معناه.
 
أما ابن بسام النحوي صاحب كتاب الذخيرة الشهير فوضع مؤلفاً سلط فيه الضوء على ما نقله المتنبي من شعر غيره حمل عنوان /سرقات المتنبي ومشكل معانيه/ ومنها مطلع قصيدته التي يمدح بها سيف الدولة:
- "لكل امرئ من دهره ما تعودا" وهو مشابه بصورة كبيرة لبيت الشاعر الجاهلي حاتم الطائي عندما قال: "وكل امرئ جار على ما تعودا".
كذلك يشير ابن بسام إلى التشابه الكبير الذي وقع بين بيت لأبي الطيب عندما قال:
-  "أحلماً نرى أم زماناً جديداً.. أم الخلق في زيّ شخص أعيدا" وبين بيت أبي النواس:
- "وليس لله بمستنكر.. أن يجمع العالم في واحد".
ويحدثنا ابن بسام عن المعاني التي أخذها المتنبي من ابن الرومي ومنها هذا البيت الذي قال فيه:
- "شكوى لو أني أشكوها إلى جبل.. أصم ممتنع الأركان لانفلقا" وهو معنى يتردد بشكل واضح في بيت لأبي الطيب عندما قال:
- "ولو حمّلتْ صم الجبال الذي بنا.. غداة افترقنا أوشكت تتصدع".
وليس النقاد وحدهم من عثروا على سرقات في شعر المتنبي، فكان الشعراء صنوهم في ذلك تحركهم ذائقتهم الأدبية وحافظتهم الشعرية فضلاً عن عامل المنافسة فها هو أبو فراس الحمداني يواجه أبا الطيب بمسخه لقول الشاعر دعبل الذي قال:
-    "ولست أرجو انتصافاً منك ما ذرفت.. عيني دموعاً وأنت الخصم و الحكم"
-    وهو مقارب لبيت المتنبي الشهير:
-    " يا أعدل الناس إلا في معاملتي.. فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"
ولعل قصة حياة المتنبي ومسيرة كفاحه وعلاقته مع سيف الدولة طغيا على شعره لتجعل منه يحمل لقب شاعر العرب ولتنسى كل العثرات والسقطات التي وقع فيها والتي تحدث عنها مطولاً كبار الأدباء والنقاد.