المنقلبون

المنقلبون

شاعرات وشعراء

الأحد، ١٠ يناير ٢٠١٦

محمد خالد الخضر
قال الشاعر حامد حسن عن المتنبي:
هل كان إلا شاعراً متكسباً.. لا يستقل به الهوى متقلبا
يهجوا ويمدح كاذبا فكأنه.. أن قال أقسم صادقاً أن يكذبا
يصف الأسنة والظبي فتخاله.. متقلداً أمضاهما متنكبا
فإذا ذكرت أباك يبنى أبيك في.. عرض الحديث أقول : عبد أنجبا
وتظل تركض لاهثاً متعثراً.. خلف التي صغرت وعزت مطلبا
هذه بعض أبيات من قصيدة عصماء لشاعر عربي استخلص معنى أن يتقلب الشاعر وما دور هذا السلوك الذي سيكون بصمة عار تلحق بصاحبه إلى الأزل بصفة الشاعر رجل تاريخ حباه الله موهبة خصه بها من دون غيره ليكون قدوة يستحسن الناس التعلم منها.. وبعد مرور سنوات بالمئات رصد خامد حسن تداعيات أبو الطيب المتنبي وحياته التي عاشها متنقلاً من حمص إلى حلب إلى بغداد إلى مصر منقلباً على مبدئه وسلوكه باحثاً عن بقايا منصب يشبع منه غروره وغريزته التي تمتلك نزوعاً ما بعده نزوع إلى الكرسي ولكنه في نهاية المطاف كان مكشوفاً فمن يأمن جانبه ملك ولا أمير ولم يحصل على ضالته حتى قتل على يد فاتك الأسدي في مكان ما على مفرق ما.
وحتى هذا اليوم برغم قامته الشعرية الكبيرة لازال يلاحقه عار تكسب وبهتان السقوط في مطاردة المناصب فيتشوه تاريخه ومنظومته ولا أراني في عصرنا الراهن واجداً الحالة الشعرية قد تغيرت أو الأدبية منها إلى أن الأمر صار أكثر خطورة فأدباء اليوم امتهنوا مهنة أخرى غير التقلب هي امتهان الخيانة فإذا عدنا إلى الوراء واستعدنا في ذاكرتنا أكثر الشعراء الذين شاركوا في المهرجانات الأدبية على مستوى سورية سواء كان في اللاذقية أو في إدلب أو في حلب مروراً في معرة النعمان وصولاً إلى مهرجانات دمشق وغيرها نجد أن هناك نمطاً من الشعراء صفق وكتب وبكى واستبكى ومدح واستمدح وتشدق بالوطنية معتبراً أيضاً أن كل الأماكن والزوايا الصحفية والإعلامية لا تحق إلا له وبعد أن تكشفت عوراتهم الأخلاقية والاجتماعية وشكوا أن أمراً ما قد يتبدل تركوا زواياهم وأماكنهم ومكاسبهم وذهبوا منقلبين على مبدئهم آملين بعودة أكثر دسماً وأشد فائدة وتقبلوا كلما حصل لهم من ذل وإهانة واستكانة وخضوع وإن الدلالات والإشارات قد تكشف وتفضح أكثر من ذلك، فلا يمكن لابن أصل أن ينافق أو ينقلب أو يغدر أو يتنكر حتى للقمة خبز أكلها في مكان ما، فثمة أدباء بين كتاباتهم لزوايا صحفية وبين خيانتهم أيام فماذا اكتشفوا في هذه الفترة القصيرة وهم نائمون على روثهم يستلذون بحقوق غيرهم وأغلبهم قد يتعثر بكتابة الهمزة فوق الألف أو تحته.
وفي سياق هذا الحديث أن أساتذة هؤلاء أو تلامذتهم ما زالوا حاضرين فكلما جلس مسؤولاً ثقافياً وراء طاولة يمشطون شعورهم وينزلون رؤوسهم ويتفضلون متسكعين على الأبواب خلفهم بعض النساء الفارغات إلى شيء ما مقابل نشر أو كتابة ثم يذهب المدير ويأتي آخر وتتكرر الحالة، ولا أدري لماذا سقط السيف ولم يتطهر بواجبه أو سقط البارود من قلب الرصاص ولم يتشرف بدوره حتى تظل الدائرة تمارس الخنق والدجل وتكسب هؤلاء الماكثين في كينونتها كل أنواع الدجل من دون أن تدركوا أن الوطن أصبح بحاجة إلى فرسان حقيقيين يحمون الظعينة بدلاً من أن  يراودوها على بساطتها وما تدعيه من أدب وشعر.. وكيف لا تستيقظ الحقيقة بعد كل الذي جرى من كوارث ومصائب، فالطابور لم يتعثر بتأهب الواحد تلو الآخر وتسقط القيمة والمعايير ولا أرى إلا امرأ القيس يمسك بثياب العذارى ولا يسلم ثوباً لواحدة إلا إذا خرجت له ثم يأتي من الغدير بشعره الممتلئ بالقمل والروث ويمارس مع متشاعرات اللعبة ذات الطريقة ثم يمارس أدواره الأخرى.. أستعيد ذاكرتي أذكر الذين زاروا إدلب أذكرهم تماما وخرجوا بواحدة إلى جبل الأربعين أجل واحدة فمنهم من ذهب إلى تركيا ومنهم من قضى نحبه وسترته الفيحاء وما بدلوا تبديلاً.
النتيجة احزروا أن يراهم طبيب شرعي فالتقرير جارح والوضع لا يستهان به من يخون وينافق ويكذب قد تكتشف فيه كل شيء من السحجات إلى الموروثات التي تشارك بها أكثر من أب أو آباء.. هكذا هي الحقيقة فالوطن أصبح محكاً للرجال أما أن تأتي شعابه بشرف وأما أن يفضحك فشتان بين امرئ القيس الذي فضح صاحبته وقال:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فألهيتها عن ذي تمائم محولي
وبين عنترة العبسي الذي قال :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها