النقد الأدبي والنثر المشعور وآخر تداعياته

النقد الأدبي والنثر المشعور وآخر تداعياته

شاعرات وشعراء

الجمعة، ٦ مايو ٢٠١٦

محمد خالد الخضر
آخر ما تعرض له ذهني أنني ذهبت لأحضر توقيع كتاب لامرأة قيل إنها شاعرة، فهرعت مع باقي الوسائل الإعلامية وبعض الأدباء والكتاب والمثقفين لأحضر ما سيدور في فلك هذا الكتاب الذي سيشكل فتحاً جديداً في عالم الأدب والثقافة، وهناك جلسة بدلاً من الشاعرة شاعرتان وبدلاً من الناقد ناقدان وتتالت القراءات قبل التوقيع وكان كل شيء حاضراً إلا الشعر، أما الذي تلى ذلك هو ما قدم النقاد من كلمات مذهلة، فواحد قال هنيء لنا بهذا الحس الأنثوي الذي يخترق كل مجالات الحياة بلطف، وأخرى تمسك زمام القصيدة وتديرها بالاتجاه الذي تريده هي بإتقان الربان الخبير وتمتلك الجرأة المدهشة وهذه الجرأة تدهش النفوس جمالاً وبهاءً.
وتتالت المدائح ومنهم من وصفها بأنها تستحق أن تكون في مناهج الدراسة ومنهم من وصفها بأنها أميرة الشعر: وعندما أدارت ظهرها وذهبت إلى بيتها بدأ الشباب يغيرون منظومتهم النقدية، فمنهم من قال كنت أسخر، ومنهم من قال لا تعرف شيئاً، ومنهم من قال شكلها جميل وبذلك يكون النقد والأدب وصل على هذا القياس المكرر يومياً عشرات المرات إلى أرذل الثقافة والأدب بعد أن صار كل واحد ينتزع التسمية التي يريد بشكل مجاني ولا أحد يدرك ما معنى الذي يقوله.
وثمة أمر لا بد من أن يكون ولا سيما في الأماكن التي تمتلك منابر ثقافية، فعليها أن تشكل لجاناً قادرة على فرز الغث من السمين، وخاصة بعد أن أصبح من يدير تلك المنابر قد يجهل كتابة اسمه، وهناك من يأتي إلى المنبر على نقالة وهناك من فرضتهم الحرب والمؤامرة على سورية بسبب ظرف أو آخر لأن أصحاب هذه المواهب مهما كانت وافرة أو قوية عندما يتعرضون إلى نفاق وخداع لسبب أو لآخر فهذا أمر مثبط ومحبط فلا هم يتعرضون إلى نقد، ولا أولئك الأدعياء يجدون من يقف في وجههم أو يقول لهم لقد بلغ السيل الزبى، فلا بد من بعض الحياء في التعامل مع الأدب والثقافة لأننا أصبحنا في مفاجأة كبيرة تجعلنا في دوامة اليأس وفقدان الأمل.
ولا أدري إذا كانت قصة الشاعر والفارس أبو محجن الثقفي تنطبق قليلاً أو ينطبق بعضها على ما يدور في عصرنا الأدبي .. فعندما حبس سعد بن أبي وقاص أبا محجن الثقفي بسبب شربه للخمر بعد ذلك بفترة هجمت الروم عليه، وكان قد اعتاد أن يصطحب معه أبا محجن إلى الحرب، إلا أن العقوبة دعته يترك في السجن ويذهب من دونه وهناك ظل الثقفي يعاني وطأة السجن والحرب دائرة والمعركة على قدم وساق .. لقد ضاق ذرعاً فرأى سلمى زوجة الأمير وقال لها: أعطني فرساً للأمير ودعيني أذهب لأشارك في المعركة وأعدك إن عدت فسأقلع عن الخمر وأنت اعترفي بعدها للأمير بما جرى، وإن استشهدت فأخبريه بالحقيقة، فـتأثرت زوجة الأمير بما قاله أبو محجن وامتثلت لطلبه.
وفي الطريق حيث كان ملثماً حتى لا يراه الأمير التقى بامرأة فظنته هارباً من المعركة فأنشدت تقول:
هل من فتى كره الطعان يعيرني
رمحاً إذا نزلوا بمرج الصفر
فأجابها أبو محجن:
إن الكرام على الجياد مبيتهم
فدعي الرماح لأهلها وتعطري
المرأة خجلت من فعلتها وعرفت أن غير صحيح أن تتدخل بما لا تعرفه أو لا تتقنه أو لا تفهم معناه .. وأبو محجن خاض المعركة وكل ما رأى الأمير طعنة قال في نفسه هذا الطعن طعن أبي محجن، وهذه فرسي ثم يتراجع الأمير لأنه ترك أبا محجن في السجن وبعد انتهاء المعركة عاد إلى السجن بأخلاق الفارس وامتثل لقيوده.. وعندما عاد الأمير منتصراً أخبرته زوجته بما جرى فأعفى عنه وفك قيوده .. هكذا هو الشعر، وهكذا هو التعامل في الوجه وفي غيره .. فأين نحن من هذا وذاك؟!!