أبو فراس الحمداني… في مسيرة وقصيدة … في الأسر نسج القصيدة بداية ونهاية ليفخر بتاريخنا ويستعرض الأمجاد

أبو فراس الحمداني… في مسيرة وقصيدة … في الأسر نسج القصيدة بداية ونهاية ليفخر بتاريخنا ويستعرض الأمجاد

شاعرات وشعراء

الأحد، ٥ يونيو ٢٠١٦

عامر فؤاد عامر

يُلقب بشاعر السلام والحرب، فهر شاعر الصحراء وفارسٌ مقاتل، واشتهر في قصائده «الروميّات» التي حملت كلّ مشاعره وكلّ ما يخصّه، وفي هذا الكتاب «أبو فراس الحمداني… شاعر السلام والحرب» نتعرف أكثر إلى شخصيّة هذا الاسم التاريخي الذي بات اسمه إلى يومنا هذا رمزاً نفخر فيه، ونعتزّ بتخليده في تاريخنا، فيقدّم الكاتب د. «رحيم هادي الشمخي» دراسته فيه حول كثير من القضايا والحقائق المتعلقة به وبالشعر الذي نظمه في أربعة فصول حملت الكثير من العناوين والمفاصل والأبحاث.

حياة أبي فراس الحمداني
يقول الكاتب في مطلع مبحث النسب والحياة: «هو أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني… ينتسب من جهة أبيه إلى العرب، ومن جهة أمه إلى الروم… ولد سنة 933م/321 هـ في منبج في شمالي حلب، وقيل إنه ولد في الموصل شمالي العراق…».
كان أبو فراس يذاكر الشعراء، وينافس الأدباء، وقيل إنه كان يُظهر سرقات المتنبي الشعريّة، فلا يجرؤ المتنبي على مباراته. كان فارساً اشترك في المعارك إلى جانب سيف الدولة وله من العمر 19 سنة، شجاعاً أبيّاً صفوحاً سموحاً يطلق الأسرى والأموال لتوسل النساء إليه، صلباً أبيّاً عزيزاً حتى في أسره، ويروى أن «الدمستق الرومي» أراد أن يغيضه يوماً فقال له: «إنما أنتم كتّاب لا تعرفون الحرب»، وذلك ردّاً على بيت أبي فراس القائل:
وصناعتي ضرب السيوف وإنني
متعرض في الشعر للشعراء
فلم يسكت أبو فراس، وهو بين يديه أسير، بل أجابه قائلاً: «نحن نطأ أرضك منذ ستين سنة بالسيوف أم بالأقلام؟
يصف الكاتب في هذا الفصل أيضاً عن ديوان أبي فراس وعن شعره، وعن ذكر أبي فراس في التراث الشعري العربي، وعن فترة أسره مع الروم، ثم تحريره، وعن المفارقات بينه وبين شعراء عصره، والمعركة الأدبية بينه وبين «أبي الطيب المتنبي».

شاعريّة أبي فراس
يصف الكاتب «الشمخي» هذه الشاعريّة قائلاً: «تفتّقت هذه الشاعريّة منذ صباه، فنظم الشعر مبكراً، وبرزت إرهاصات النضج الفني في شعره، فقد كانت الأرضية مهيأة لتخلق منه شاعراً أصيلاً، يتمه وهو صبي وعناية أمه به، ونشأته في بلاط الأمير، ونسبه العريق، وبيئته، وموهبته وأسره…».
نقتطف من داليته المشهورة التي أطلقها منادياً الأمير سيف الدولة الحمداني حتى لا يتخلى عنه:
دعوُتك للجفْنِ القريح المسهد
لديَّ وللّنوم القليل المشردِ
وما ذاك بخْلاً بالحياة، وإنّها
لأوّلُ مبذولٍ لأوّل مجتد
وما الأسر مما ضقتُ ذرعاً بحمله
وما الخطْب مما أن أقول له: قدي
ولكنني أختار موت بني أبي
على صهوات الخيل غير موسد
يجمع هذا الفصل أيضاً المزيد من المباحث في شعره إلى أمّه وابنته وعشيرته في الروميات، وأيضاً عن الإخوانيات، وعن البناء الفنّي للروميّة الحمدانية.

تجربة السجن في شعره
يتطرق الكاتب في هذا الفصل إلى التعريف بالأسرة الحمدانية، وعن نشأة الدولة الحمدانية وذلك بصورة مبسطة واستعراض تاريخي سريع، ويذكر أيضاً عن مضمون القصيدة عند أبي فراس، ونهجها، والصدق الفنّي فيها، ووحدتها الشعوريّة. في شكل القصيدة يلقي الضوء على الأسلوب، واللغة والبديع، والصور والأخيلة، والإيقاع… وفي موقع شعر السجن من ديوان أبي فراس الحمداني يذكر: «… وبالنظر في ديوان أبي فراس، نرى أن الديوان يحتوي على 377 قصيدة ومقطوعة، تشتمل على 34445 بيتاً، ونظم منه في الأسر 40 قصيدة تحوي 775 بيتاً. وهكذا فإن نسبة قصائده الروميّة، كانت تمثل ما نسبته 10.6% من مجموع قصائده…».

القصيدة في عصره
ركّز هذا الفصل على تقديم رؤية توضيحيّة للقصيدة التي قدّمت في تلك المرحلة الزمانية واشتراك شعرائها في مواضيع واختلافهم في غيرها، وقد ذكر الكاتب «الشمخي» في هذا الفصل: «… والتعددية الإبداعية أصبحت جزءاً من مدركات أبي فراس شغل به نقاد المرحلة تحت مفهوم التفاوت منذ تنبّه لذلك قدامة ابن جعفر حيث استساغ الحوار حول التفاوت، منذ اعتبره دليل قوة الشاعر في صناعته… من منطق التعددية وصور التفاوت لدى نقّاد القرن الرابع وغيرهم يصحّ أن ندخل إلى بناء القصيدة وصورها، وصيغ معالجاتها، بما يتراءى لنا في ظلال المشابهة الكبرى بين شعراء العصر، أو الصيغ المفردة التي تميّز بعضهم، فبدا نبتاً متميّزاً في نفس الأرض التي أفرزت الآخرين من ذوي الاتجاهات لمتقاربة…. وإن كان يهمنا شعراء المرحلة برمتها فالصورة تكتمل في نفس الفترة من خلال شعراء مصر: ابن هانئ الأندلسي، تميم بن المعتز، وابن نباته السعدي، وغيرهم ممن تلاقوا معهم على مائدة القصيدة، واختلفوا أحياناً عنهم في صيغ المعالجة وطبيعة الأداء الفني».