أنتم تملكون القنابل… ونحن نملك الكلمات .. الشعراء الملعونون.. بلا ملجأٍ في ديوان

أنتم تملكون القنابل… ونحن نملك الكلمات .. الشعراء الملعونون.. بلا ملجأٍ في ديوان

شاعرات وشعراء

الأحد، ١١ ديسمبر ٢٠١٦

سارة سلامة

صدر عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب ديوان شعري بعنوان «عتبات» من تأليف الشاعر فيليب تانسلان وترجمة الدكتور منتجب صقر، في هذا الديوان يقدم تانسلان لغة شعرية سلسة وبسيطة معبرة عن المواضيع الإنسانية التي يفيض بها معظم أشعاره، وهو يعنون قصائده تارة ويغفلها تارة أخرى، وهذه نظرة عجلى على محاور الديوان: «شعر ما بعد الحداثة» و«كلام الفجر» و«الأزمنة الحاضرة» و«طوباويات»، ترينا أن الشاعر يتجاوز في شعره القضايا الفردية، ربما يريد أن يبين أثر العلاقة الغامضة مع الآخر، كأنه يخشاها ويريد أن تكون مجللة بالحب، وهذا البعد الشعري نلمسه في جميع قصائد الديوان حيث يحرص الشاعر على المحافظة على قوة الصورة والوجود الإنساني، كما يقدم لنا في كل قصيدة لوحة أخرى مختلفة عن سابقتها، لكن أجمل ما في القصيدة هو أننا ندرك معناها جيداً حتى يظل ثقلها حاضراً في ذهن الجميع.

عند قراءة شعر فيليب تانسلان، نشعر أننا نقرأ قصائد يتشابك فيها الحلم والواقع، تتشابك فيها المُخيلة والمادة، هناك تماهٍِ لعناصر الطبيعة مع الأحاسيس الداخلية للشاعر الذي تنسكب كلماته كأنها تفتح بصيرة القارئ، تنقله لمكامن غامضة، ربما هي روح الشاعر التي تدخل بين الأشياء فتترجمها شعراً.
في قصيدة ما بعد الحداثة2
من الجهة الأخرى للباب
في مكان آخر
لا يقتلعنا من هنا
إلا فائض ما قد ينسحب
كي لا يخبَّأ فيه شيء
كلماتٌ… في صمتها
عند جهة الأشياء هذه
في مكانٍ آخر
فجأةً
بكل الأسماء
للنقيض من هنا
تسمعنا في كل مكان
قطعاً
إصغاءٌ
لا ينضب
لماذا؟
لم لا تفوح الزهرة بعطرها
رمز اسمها
لونها.. زمن نورها
مكانها العالي الصامت
على الأزل؟
لا يدٌ لكِ في جمالك
لا تفسير له
في كلّ الفصول
دون تفسيرٍ في أي مكان
هنا… وتصطحبينه
إلى حيث لا يطأ أحد هذا المكان إلا أنت
تماماً هنا… حيث يقدم حصرياً
بلا مثيل
عبر الرحلات العديدة ليس فقط بمشاهدته بل أيضاً برؤيته إلى ما وراء المظاهر، مرّ الفنان المصوّر يرنست بويرتا عبر رأس مدينة سيت يوم 25 كانون الأول 2012 بعد الظهر، ترك آثاراً جميلةً جداً، وهنا يرفقها الدكتور منتجب صقر في كتاب الفنان تانسلان من بينها تلك التي بقيت في البداية من دون كلمات على الشاطئ ثم التأملات المندفعة على طول آثار هذه الرحلة، عادت الصور المتروكة للظهور وأجريت التعديلات التي تتبع تحت عنوان «الصورة الأصغر».
الصورة12، شبكات- لافتات- سماء مظلمة
في مزق الليل
كانت تتدلّى صورة العودة
كنتِ تبحثين عن النجمة
كنتُ أتأمل تيه الحروف
حول الأزليّة
الصورة 29 وجهاً لوجه
مَن مِن هؤلاء الإثنين
يستشعر الخوف
وسكينة الآخر
كلاهما ينحني
لذلك الوجه من الليل
المختبئ خلف إحدى منحنياته
الهشّة… كانا يحثّان الخطا
أتيا لقمّة نظرةٍ متقاطعة
عند انتظار الأشياء
قرب تواطؤ
احتضارٍ بطيء
من يراهما عبر الوصلة السحرية
التي تحجزهما عند أهبة الهروب
أحدهما أم الآخر؟
يعبر الشاعر عن ديمومة الاستحضار الدائم للأبيات التي تحاكي القارئ كلما وقعت عيناه عليها حتى إنها في معظم الأحيان تنقله إلى مكان لا محدود العوالم، مكان شبيه كالذي بين الأديم والشجرة لدى قراءة هذا المقطع من قصيدة «الساعة الواحدة والنصف في مترو كونكورد»، نلحظ كيف يؤكد الشاعر انتماء الشعراء للمكان ذاته:
الشعراء الملعونون
بلا ملجأ في ديوان
أتوا للتلاقي منذ حين
يختلط هذا المكان هنا
مع أي مكانٍ آخر
يجلسون… يشيّدون في صبرهم الرماديّ ألماً رمادياً…. يثيرونه بمواربةٍ
يمضون بالمخاطر حتى اللامبالاة
في قصيدته «كلمات.. قنديل»، يعد الشاعر بمزيد من الإصرار على أهمية المقاومة التي تظهر في مواضع عديدة من ديوانه، أما في هذه القصيدة فهو يطلق صرخة مباشرة كأنها دعوة ورغبة منه بجعل الشعر والكلمة سلاحاً في وجه ظلم المحتل:
أنتم تملكون القنابل
ونحن نملك الكلمات
على طول منصّات قصفكم
بردٌ شديدٌ
تحت أشجار الصفصاف الأبيض
لكننا نسمع دوماً
في حفل طير القرقف
هذا التحذير الكبير
القادم من عمق الزمان
في قلب الآلهة
تثقل الدموع على الشمس الغاربة
من كان يؤمن بهذا العالم
بعد وصف حرياتكم الدمويّة
احمرّت الكلمات نفسها خجلاً