إصدار.. بقــاء.. البيــان شــعراً.. لـون هـذا الشرق أحمر

إصدار.. بقــاء.. البيــان شــعراً.. لـون هـذا الشرق أحمر

شاعرات وشعراء

الأربعاء، ١٦ أغسطس ٢٠١٧

بيان محمود السيد، الطبيب والشاعر والانسان قبل كل شيء، في مفردات رحلته بين الطب والادب ثمة علاقة لايمكن أن تبقى طي الكتمان، لابد للغة الشاعرة أن تتفجر وتورق وتترسخ، فمبضع الجراح، وسماعة الطبيب هما نبضان للحياة،

 

ولكنهما ليسا كل شيء، فللقلب لغته، مشاعره، هواجسه، والافق الذي نهل منه القراءة الفاعلة المثمرة التي تخصب اينما كانت ولابد لجذورها أن تمنح الاغصان شهي الثمر.‏

من هذه الحال ينهل إبداع بيان محمود السيد منسكبا كما لو أنه ينبوع للتو تم اكتشافه في عوالم غابات قصية، لكنها من شدة الخضرة والندى تكاد تمطر، بعد ثلاث مجموعات هي: عذرا ايها الشعر و الموطن المهجور واليك ارجع عام 2013م، تصدر مجموعته الرابعة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن سلسلة ابداعات شابة، وقد حملت عنوان: بقاء، المجموعة ما بين الكلمة المحلقة في علياء الوطن، والشجن البهي ترسم دربا يعرف بيان السيد أنه بالفن بالابداع بالشعر تنبض اللغة وتعيش وتأتي ندية بماء الحياة، فلا شعر ضمن اللغة اليابسة التي تحنطت لا لانها هي يباس، لا، بل لأن مستخدميها تحنطوا، من هنا يعمل على جملة شعرية ندية، مورقة مقبوسة من ماء الحياة وعذبها:في قصيدته انتظار يقول:ليل من النبض العجول طال انتظار الغيث وانسحب الغمام فلا هطول يروي جفاف القلب..يروي ناسكا سئم الظلام سئم الصلاة وعاف اخلاق الانام متصوفا هامت به الدنيا...وهام وقضى على امل الرهام ولا رهام في تيه بيداء ترامت بين طيات الفؤاد ارخت سوادا في سواد تركته في ظل الحياد تركته كالبيدر الوحيد ينير ظلماء العباد وينتظر.....بدر صبور ينتظر ويدور في فلك العدم.......ص 9899.‏

أرأيت إلى اخضلال اللغة التي اورقت من حشائش قلب كادت تتيبس لكنها في الجذور خصبة، ما اصعب أن يحترق القلب، او يتقد من أجل جمر اللغة التي يبحث عنها الشاعر (القلب صحراء - بيداء) والصحراء قد تعني الموت والفناء، لكن جدلية الحياة هنا بعثت لنا من يباس الاعشاب نبضا وحياة، وربما يذكرنا بالشاعر الكبير بدوي الجبل في ثنائيات الحرمان والعطاء يغدق النعماء وهو محروم...‏

يبدع بيان محمود السيد لغته الخاصة به، يغرف من تراث خصب يعرفه، وعاش ثقافته المتصلة بالمعاصرة والحداثة بلا تكلف، ولا تكلس، فكان ابن الثقافة الحقة، مبضع جراح يعرف أين تبتر الحروف، وكيف تخاط الجملة في سياقها في نصه المعنون ب:اوراقك الفارغات يقول:عبرت الحدود ولم تكملي بعد رسم الورود ولم تكمليني ولم تلمحي نجمة في عيوني أنارت بصمت قبيل الفراق قبيل انحسار الشعاع الحزين عبرت البيادر قبل الحصاد ولم تمطري في سماء البلاد بلاد الجنون تركت العباد وما يعبدون وبؤس الفساد ولؤم السكون ووهم اقتراب الصباح المضيء صباح الخلاص الذي لن يجيء.‏

ومشهد الموت العابر علينا ليس بعيدا عن نبض الشاعر، الوطن المذبوح من الوريد الى الوريد صورة حزينة، لكنها ستتفتح كما اكمام الورد:في الشرق طفل اغمد السكين في عنق وكبر في الشرق ساطور وسياف ومقصلة وخنجر في الشرق اديان واوثان وعقل قد تحجر في الشرق احقاد مورثة وتاريخ مزور موت قريب في الطريق اليك موت لن يخيب ماذا سينفعك الدعاء؟ وجميع من سفك الدماء رفع العيون الى السماء وفي السماء عظيم عرش.....لن يخيب عرش وحيد من نقاء النور ما يوما تكدر وله بعتم الارض الوان ولون الشرق أحمر.....‏

لاشيء أكثر بلاغة من لون الدم، من لون الشرق اليوم، لكن جسر خليل حاوي ينبث في بقاء بيان محمود السيد عبقا من كلم الوطن.‏