عروة بن حزام عذرية الحب وخلود الحكاية...ديوان شعري يعود إلى قارئه باستقصاء وتحليل

عروة بن حزام عذرية الحب وخلود الحكاية...ديوان شعري يعود إلى قارئه باستقصاء وتحليل

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ١١ نوفمبر ٢٠١٤

 عروة بن حزام واحد من الشعراء الأوائل المقدّمين إذ توفي في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، فشعره يستشهد به في كتب اللغة، وهو منثور في كتب اللغة والشواهد كما يشير إلى ذلك مقدماً المحقق أحمد عكيدي الذي اعتنى به في نشرته الصادرة عن الهيئة السورية العامة للكتاب عام 2014 الذي اعتمد لنشر الديوان على نسختين مخطوطتين، الأولى بدار الكتب المصرية، والثانية بالمكتبة الظاهرية بدمشق، ولكن المحقق لم يكتف بالمخطوطتين، وإنما عمل على الجمع والاستقصاء من المصادر ليشكل ديواناً شعرياً لعروة بن حزام، على صغره يعدّ ثروة لغوية وموضوعية، ولا يخفى على القارئ ذلك التدخل في الأشعار والأبيات ونسبتها في الموضوع ذاته، وسأقف عند ذلك في أثناء عرض الأشعار.
 
الدراسة وأهميتها
قدم أحمد عكيدي لديوان عروة بدراسة مستفيضة تناولت البناء والمعاني والأفكار والألفاظ والتراكيب والصورة الشعرية والموسيقا والعاطفة، وأردف ذلك بما قيل في كتب التراث عن قصة حب عروة وعفراء، وهذه الدراسة غنية ومفيدة، وإن كانت قد ركزت على القصيدة النونية لعروة، ومن ثم جاء الديوان فالمستدرك، فالأخبار، فالمستدرك عليها.
الأشعار المحفوظة في المخطوط قليلة، ومن هنا جاءت قيمة الدراسة في جمع الأبيات التي لم يحوها الديوان المخطوط من بطون الكتب والمصادر، وقد نسب بعض هذا الشعر لعروة وسواه، فأشار المحقق إلى ذلك، ولم يجزم بهذه النسبة إن كانت لعروة أو لسواه.
 
التداخل في أشعار المحبين
يلفت الانتباه وأنت تطالع ديواناً أو أشعاراً لأحد الشعراء المحبين ذلك التداخل في المعاني والألفاظ مع تغير طفيف في القافية، فنجد هذه الأشعار منسوبة لكلا الشاعرين، وربما لأكثر من شاعر، ومن ذلك في هذا الديوان قول عروة بن حزام:
وإني لتعروني لذكراك رعدة
لها بين جسمي والعظام دبيب
وما هو إلا أن أراها فجاءة
فأبهت حتى ما أكاد أجيب
وأصرف عن رأيي الذي كنت أرتئي
وأنسى الذي حدثت ثم تغيب
ويذكر المحقق أن من هذه الأبيات ما ينسب إلى عبد الله بن الدمنية، وإلى المجنون وهو في ديوانه، وقد جاءت هذه الأبيات بالمعنى نفسه وقافية مختلفة في ديوان الهذليين الذي حققه الأستاذ أحمد عبد الستار فراج، وكذلك في كتاب (شعراء أمويون) الذي جمعه من مصادر عدة منها منتهى الطلب الأستاذ الدكتور نوري حمودي القيسي، وجاءت منسوبة لأبي صخر الهذلي، وهي مشتهرة له:
وإني لتعروني لذكراك هزة
كما انتفض العصفور بلله القطر
فما هو إلا أن أراها فجاءة
فأبهت لا عرف لدي ولا نكر
وأنسى الذي قد جئت كيما أقوله
كما تتناسى لب شاربها الخمر
فأرجع مثلي حين جئت منحساً
أقول متى يوم يكون له يسر
والبيت الأول من هذه الأبيات لم يذكره القيس في مجموعة وجاء في مصادر أخرى، فهل تختلف هذه الأبيات حتى في ألفاظها عن أبيات عروة أو المجنون؟ وفي (شعراء أمويون) إشارة إلى الأبيات ونسبتها إلى المجنون، وبذلك اتفق عكيدي مع القيسي اعتماداً على المصادر في النسبة للمجنون، فهل هي لعروة أم المجنون أم أبي صخر؟!
التحقيق يجب أن يجزم الأمر ليقدم ديواناً غير مشوب على أقل تقدير.
 
العناية العلمية
لفتتني هذه العناية العلمية في الدراسة بالجوانب الموسيقية والفنية، وقد عزز المحقق دراسته بجداول عن البحور والتفعيلات والجوازات ليظهر أن عروة وحسب الدراسات العروضية جاء من التفعيلات بأعلاها في الأصل والجوازات وما شابه ذلك في علم العروض، وقد اعتنيت بقراءة المحسنات البديعية، واستغربت مثل هذا العنوان، فالشاعر إلى صدر الإسلام أقرب، ولم تكن العناية البديعية قد أخذت مداها، وما من دارس يحاول دراسة المحسنات البديعية في عصر متقدم قائم على الفطرة، وفي الدراسة يستنبط المحقق هذه الصور وهي قليلة، لأن الشاعر- أي شاعر- المتقدم لا يتقصد المحسنات، وإنما تأتيه عفو الخاطر دون تكلف، فيمكن أن تدرج تحت الصورة الشعرية أكثر من إدراجها تحت مصطلح لاحق.
 
غياب الديوان المطبوع
ذكر المحقق في دراسته اعتماده على إشارة لعبد العزيز الميمني الراجكوتي لوجود مخطوطتين في دار الكتب المصرية، وذكر طبعات الديوان، فهو مطبوع أكثر من مرة، وإحدى هذه الطبعات قام بها أجلاء معروفون في التحقيق، ذكرهما المحقق، لكنني لم أجد لهذه الطبعات أي ذكر في حواشي الديوان، فهو عندما يخرّج أبيات القصيدة يذكر مصادره القديمة، والدواوين لمن ينسب إليهم الشعر، إلا أنه يغفل عن الموازنة بين الروايات وبين ما صنعه هو في الديوان وما صنعه سابقوه، وهذا نقص كان من الأوْلى أن يتلافاه تقديراً لجهود السابقين أولاً، وليعرف القارئ كيف يقدر جهد المحقق الجديد للديوان، وإلا فكيف يعرف القارئ مسوّغ تحقيق الديوان وتقديمه من جديد تحت اسم محقق جديد للديوان؟
أظن أن المجال يتسع حتى للمراقبة بين الروايات والزيادات في الطبعات المتعددة، وكذلك لبيان المصادر التي صدرت ولم تكن متوافرة عند نشره سابقاً وأفاد منها المحقق الفاضل.
ديوان عروة بن حزام جهد طيب وعمل متعب لمحققه، وعودة حميدة لوزارة الثقافة إلى التراث العربي ودواوين الشعراء، وقد نشرت الوزارة دواوين عظيمة حبذا لو أعادتها وتابعت العناية العلمية بالشعر العربي ودواوينه.