التوقيع وتراجع الشعر

التوقيع وتراجع الشعر

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ٢٤ فبراير ٢٠١٥

محمد خالد الخضر
"روحي تناديك" مجموعة من الخواطر لهند المصري طبعت في كتاب، وسمتها صاحبتها شعراً، إلا أنها تندرج تحت تسمية الخاطرة، ولا تتجاوز هذه التسمية حداً يمكن أن تتراجع حتى عن مجالات الخاطرة ومعانيها.. تتراوح النصوص في المستوى البنيوي والمعنوي وتؤدي في أغلب الأحيان كلاماً عادياً بعيداً عن المبتغى؛ لكن في واقع الأمر إن الفوضى الثقافية هي التي أعطت الفرصة لكل التجارب على اختلاف أنواعها، أن تفرض نفسها حتى وإن كانت مكتومة الهوية وبعيدة عن مكونات الجنس الأدبي.
تقول هند المصري في نصها "أيقونات مسروقة":
عاشقة.. تائهة.. ببحر الهوى
أمواج هائجة...رياح..
إعصار.. شرقاً..وغرباً...وشمالاً.. وجنوباً
تسلبني قوتاً...كنت أستاذة فيها..أحبك لا أكره
في واقع الحال نمط مأساوي للخط البياني الذي تسلكه النصوص حتى تطبع وتنشر، فكيف لقارئ يحمل بطاقة أدبية وصفة ثقافية ويسمي نفسه شاعراً أو ناقداً أو أديباً أن يسمح لنفسه أن يذيل الورقة القادمة من الإعلام فيقترح الموافقة دون أن يغير تسمية الجنس الأدبي ودون أن يرفضه. فإن كانت العدالة المهزومة في تاريخ الشعر سمحت لمحمد الماغوط أن يتشدق بتسمية نفسه شاعراً وهو ممن فارقوا الحياة ولم يتمكن من كتابة شطر موزون أو لغيره، فهذا لا يعني أبداً أن يصل الحال إلى ما آل عليه من بؤس وأسى ومثل ذلك ما يصدر الآن في أغلب الأحيان عن دار بعل مما يسمى من شعر أيضاً فهو أيضاً أشد أسى وأكثر وجعاً، فالمجموعة التي سماها صاحبها بشعر أيضاً وهي أنثى تسكن القصيدة تحمل ورطة ما بعدها ورطة يتحمل مسؤوليتها صاحبها جعفر مشهدية ومن أوصل هذه المجموعة إلى صيغة كتاب، فإنني أرجو من شعراء العربية أن يقرؤوا في نص غرور ما الذي يقول مشهدية:
وما الذي بي لا يعشق
وقلبي وثغري مورق
وشعري محكوم بألف ليل
منه الجنون يتدفق
وحبل زجل يلف كلامي
تثور به الآهات تحرقه
لعل صاحب هذه الكلمات الذي يخال له أن أي شخص يدخل إلى الحمام ويغني يمكن أن يصبح مطرباً فتخيل أن كل عبارة مقيدة بقافية يمكن أن تكون شعراً وأنا أبشره : إن هذا الكلام هو كفر بالشعر فلا يحمل نغماً ولا موسيقا، ولا يحمل عاطفة سوى التعبير عن تداعيات شاب يمكن أن يكون قد صدم بشيء ما كما يصدم الآخرون، ولكن الفرق بينه وبينهم أنهم فكروا قليلاً فلم يتورطوا ولئن تورط فلم يفلح.... والغريب في الأمر أنني أقول مثل هذا لكثيرين مرت عليهم مادة العروض في الصف العاشر أو في سنة أخرى، ومنهم من يحمل شهادات عالية ولم يدركوا أن هذا الكلام هو محض كلمات موصوفة وأن القافية والروي هما عبء موجع على مفاصل اللغة العربية، وإن أكثر ما يثير الألم انتشار هذه الظواهر في المقصف والمطاعم والنوادي الليلية، وإنها الأخيرة بدأت تتكسب على حساب هؤلاء، وتجعلهم ضحية يتلذذون بالتصفيق. وإلى أن انتقلت العدوى إلى بعض المراكز الثقافية فبدأت تروج لهم أيضاً... فأنا لا أريد لهؤلاء أن يظلموا أنفسهم أو يظلمهم الآخرون، فالتاريخ لا يرحم وهؤلاء يمتلكون قدرة الكتابة وقد يصلون بها إلى مراتب عالية إذا تعبوا على منظومتهم. فالأحنف بن قيس ليس شاعراً ومي زيادة ليست شاعرة وإن ما يكتبه هؤلاء ليس شعراً.
لذلك ألا يغريهم جبران خليل جبران وعباس محمود العقاد ومي زيادة وأمين نخلة وغيرهم حتى راحوا يتجرعون ما يلقي بهم في متاهات مرهق ومتعب، وإن كان ما أتيت به نموذجاً فالنماذج كثيرة و/الحبل على الجرار/ وطالما سهل الخاتم وسقط التوقيع فلماذا لا يأتي الجميع.