الأسباب الحقيقية وراء فشل الأرجنتين

الأسباب الحقيقية وراء فشل الأرجنتين

الأخبار الرياضيــة

الخميس، ٧ سبتمبر ٢٠١٧

رغم كل النجوم المتألقين هنا وهناك، ورغم وجود أحد أفضل اللاعبين الذين عرفتهم اللعبة في صفوفه، يقف المنتخب الارجنتيني أمام مأزق حقيقي يهدد وجوده في المونديال المقبل. فما هي الاسباب الحقيقية وراء الفشل المتكرر؟
شربل كريم

غريب أمر تلك البلاد التي أنجبت أساطير في عالم كرة القدم، من الفريدو دي ستيفانو مروراً بدييغو ارماندو مارادونا ووصولاً الى ليونيل ميسي. غريبٌ أمر الأرجنتين فعلاً، وهي التي لا تنفك تقدّم النجوم المميزين الى افضل اندية العالم، إذ غالباً ما تجد بصمة ارجنتينية في كل انجاز وفي كل بطولة، وفي كل فريق كبير بنتائجه وأدائه، إلى درجة لا يمكن فيها إحصاء عدد اللاعبين الارجنتينيين المؤثرين في البطولات الاوروبية الوطنية الخمس الكبرى، وحتى في بطولات "القارة العجوز".

لكن كل هذا الوصف لا ينفع، وكل الصيت الذي كسبته "بلاد الفضة" حول انها مصنع للنجوم الذهبيين بات رماداً في الهواء، وخصوصاً في ظل الاوضاع الصعبة التي يعيشها المنتخب الارجنتيني في التصفيات المونديالية الخاصة بأميركا الجنوبية، حيث كان ينتظر منه الكثيرون ان يتصدرها ويذهب في العام المقبل الى روسيا لحصد الذهب، لكن حتى الأمر الاول قد لا يحصل!
لكن ما هي الاسباب الحقيقية حول هذه المأساة التي يعيشها "الألبيسيليستي"؟
الواقع ان الاسباب عديدة ومتشعبة، منها المعنوي، ومنها الفني، ومنها الاداري. ففي الشق الاول لا يخفى ان غالبية رموز الجيل الحالي للمنتخب الارجنتيني يعيشون وضعاً نفسياً صعباً عند ارتدائهم قميص منتخب بلادهم، ومنهم النجم الاول ليونيل ميسي، الذي بسبب التعب المعنوي كان قد قرر الاعتزال دولياً بعد خسارة بلاده لنهائي كوبا أميركا للمرة الثانية في عامين. وهذه الهزيمة وما سبقها وتلك المريرة في نهائي كأس العالم لا يمكن المرور عليهما ببساطة، إذ لا شك في أن السقوط في ثلاث مباريات نهائية في ثلاث سنوات ترك أثره المعنوي السلبي على نجوم الارجنتين الذين لا يظهرون بالقميص المخطّط بنفس الثقة التي يظهرون عليها مع أنديتهم.

تتنوّع مشاكل
الارجنتين بين المعنوية والفنية والادارية

هذا في الشق النفسي. أما في الشق الفني، فهناك المصائب الكبرى، إذ تختصر بعض المشاهد من مباراة فجر أمس امام فنزويلا كل ما يحصل في المعسكر الارجنتيني، إذ من غير المعقول أن يظهر ميسي أكثر من مرة وكأنه وحيد في مواجهة 11 رجلاً، وهو الامر الذي ظهر في مناسبات عدة، وعندما قام الخصوم بتعطيل "البرغوث" تعطّلت الارجنتين برمتها.
ومن هذا المشهد يأتي الكلام عن أن ميسي هو حلّ للمشاكل وليس بالضرورة مفتاح للانتصارات الدائمة، ما يعني أن المنتخب الارجنتيني يحتاج الى فريق لا الى رجلٍ واحد، وهي المسألة الغائبة عنه حالياً، حيث لا يمكن رؤية أي منظومة على أرض الملعب أو أي هوية لهذا المنتخب الذي لا يعرف نفسه حتى.
جاء خورخي سامباولي الذي يعتبر بنظر الارجنتينيين أنجح المدربين الحاليين على صعيد المنتخبات، وخصوصاً بعد العمل الجبّار الذي قام به مع منتخب تشيلي. لكن الرجل، وبشكلٍ طبيعي (كما حال كل المدربين)، شرع في تنفيذ افكاره، ومنها ما ظهر اخيراً باعتماده على مثلث هجومي يجمع بين ميسي وباولو ديبالا وماورو إيكاردي. لكن هذا المثلث أضاف مشكلة فنية اخرى، والدليل أن سامباولي قام بسحب الاخيرين خلال اللقاء امام فنزويلا بعدما لمس أنهما يعرقلان القائد الارجنتيني أكثر مما يساعدانه.
صحيح أن سامباولي أبقى على ما يُعرف بـ"Messidependence"، أي على استقلالية ميسي على ارض الملعب، لكنه لم يحسن اختيار من يمكنهم دعم هذه الاستقلالية وإعطاءها القوة لترجمة القدرات الخارقة للاعبٍ خارق. وما لم يتنبه له سامباولي أن الثلاثي المذكور لا يعرف بعضهم بعضاً ميدانياً، إذ إن عملية حسابية بسيطة تكشف انه مع طرد ديبالا امام الاوروغواي في ايلول من العام الماضي ثم مع ايقاف ميسي، لم يلعب الثنائي المذكور معاً لأكثر من 45 دقيقة في التصفيات، بينما اخترق ايكاردي التشكيلة الاساسية حديثاً، ما يعني ان اسبوعاً من التمارين لا يمكن ان يخلق الكيميائية المطلوبة بين لاعبين اعتادوا ان يلعبوا دوراً فردياً او دور النجم الأوحد مع الفرق التي يدافعون عن ألوانها.
كذلك فإن المشاكل الفنية تظهر في وجود لاعبين لا يرتقون الى مستوى التحدي مع المنتخب، ولم يظهروا يوماً ان بإمكانهم حمل جزء من الثقل الذي يرهق ميسي، امثال سيرجيو اغويرو، غونزالو هيغواين وانخل دي ماريا، ما دفع سامباولي الى استدعاء لاعبين تنقصهم الخبرة الدولية، أمثال المهاجم داريو بينيديتو.
لكن قطعاً المشكلة ليست في اللاعبين فقط، بل ما يحصل الآن يأخذنا إلى الكلام عن الشق الاداري، إذ إن التراكمات أوصلت الى ما هي الحال عليه الآن؛ فلا يخفى أنه بعد موت الرئيس السابق للاتحاد الارجنتيني خوليو غروندونا دخلت الكرة الارجنتينية في نفق مظلم مليء بالمشاكل التي دفعت "الفيفا" الى التهديد بتجميد عمل الاتحاد، بينما غاب لاعبون وفُرض مدربون حتى وصول الرئيس الحالي كلاوديو تابيا الذي جلب سامباولي ليبدأ العمل لخلق حالة استقرار.
لكن الوقت يمرّ بسرعة ولا مجال لعملية بناء بطيئة. ومشهد رفع ميسي رأسه نحو السماء وهو مغمض العينين وخائب، يعود الى الذاكرة في كل مرة سيعزف فيها النشيد الوطني الارجنتيني في ما تبقى من التصفيات.