«شياطين المونديال»: من «القاتل» إلى «الجنتلمان» وصولاً الى «العضّاض»

«شياطين المونديال»: من «القاتل» إلى «الجنتلمان» وصولاً الى «العضّاض»

الأخبار الرياضيــة

الثلاثاء، ٥ يونيو ٢٠١٨

في كل نسخة لكأس العالم يظهر نجوم يتركون ذكريات رائعة لدى متابعي كرة القدم. منهم من يتحوّلون إلى ملائكة بالنسبة إلى أبناء بلادهم، مع رسمهم لحظات مجدٍ وفرح. لكن هناك في المونديالات أيضاً «شياطين» لا يمكن نسيان ما فعلوه. أُوقفوا، ثم عادوا، لكنهم دخلوا التاريخ على طريقتهم الخاصة
 
لاعبٌ قتل لاعباً آخر في كأس العالم. هي قصة حقيقية، ربما قلّة عرفتها، وترتبط بلاعبٍ وُصف بـ «الشيطان» بعد سنوات عدة على نهاية مونديال 1962. هو اللاعب اليوغوسلافي محمد موييتش أو «حاصد الأرواح»، الذي كسر قدم المدافع الروسي إدوارد دوبينسكي إثر تدخلٍ عنيف عليه في المباراة التي جمعت منتخبيهما.
المفاجأة عامذاك أن حكم المباراة، ثم الاتحاد الدولي لكرة القدم، لم يتخذا أي إجراء لمعاقبة الفاعل. لكن لقساوة المشهد وتأثيره في نفوس القيّمين على الاتحاد اليوغوسلافي، طلب هؤلاء إعادة موييتش فوراً إلى أرض الوطن وإقرار إيقافه لمدة عامٍ كامل.
عاد بعدها هذا «الجزّار»، لكن ارتدادات ما فعله بقيت لأعوامٍ عدة تؤثر في دوبنسكي الذي عانى طويلاً من آثار الإصابة التي تعرّض لها، والتي تركت له ورماً مزمناً سبّب وفاته بعد 7 سنوات على الحادثة! وهذه القصة ليست إلا جزءاً بسيطاً من سلسلة قصصٍ عرفتها المونديالات للاعبين يمكن وضعهم في خانة «شياطين» كأس العالم، وهم الذين تركوا ذكريات بشعة وبقوا في الذاكرة بسببها.
 
1994 مونديال الموقوفين
ومن هذه القصص تلك التي ارتبطت بإداري ومدرب حالي «جنتلمان»، لكنه لم يكن كذلك في مونديال 1994. ففي المباراة بين البرازيل التي فازت باللقب لاحقاً، والولايات المتحدة المضيفة للبطولة، كانت الأمور صعبة على «السيليساو» في سعيه للتأهل إلى الدور ربع النهائي. توترت الأجواء بعض الشيء على أرض الملعب، وخصوصاً أن أليكسي لالاس وزملاءه عرفوا أنهم لا يمكنهم مجاراة البرازيليين من الناحية المهارية، فلجأوا إلى الخطة «ب»، وهي محاولة الاحتكاك بهم في أكثر من مناسبة لترهيبهم، علماً بأن المنتخب الأميركي عامذاك ضمّ لاعبين أصحاب بنية جسدية قوية، أمثال لالاس ومارسيلو بالبوا. لكن الضحية لم يكن أيّاً من هؤلاء، بل لاعباً يدعى تاب راموس الذي احتكّ احتكاكاً بسيطاً بليوناردو، فعاجله الأخير بضربة كوع على وجهه سبّبت له كسوراً أجبرته على البقاء في المستشفى لأكثر من ثلاثة أشهر، فكانت عقوبة البرازيلي الإيقاف لأربع مباريات، أنهت مشاركته في البطولة ليتوّج بها وجبينه موسوم بنقطةٍ سوداء.
وفي ذاك المونديال أيضاً، تحوّل الملاك، بل القديس بالنسبة إلى الارجنتينيين، شيطاناً في عيون العالم أجمع. دييغو أرماندو مارادونا الذي كان ينتظر كثيرون نهاية هوليوودية لمسيرته الدولية في المونديال الأميركي، وقع في المحظور.
 
«الولد الذهبي» الذي بكى في نهائي 1990، أبكى محبيه بعد 4 سنوات، بعدما بدأ موندياله بفرحة جنونية لا يمكن نسيانها إثر ذاك الهدف الصارخ الذي سجله في مرمى اليونان. هو كان قد قام بعملٍ كبير لاستعادة لياقته قبل كأس العالم، إذ بعد فترة مضطربة مع إشبيلية الإسباني، عاد مارادونا إلى بلاده وعيّن فريقاً كاملاً من المدربين لتجهيزه من أجل المشاركة في المونديال. لكن هناك في الولايات المتحدة سقط في اختبار الكشف عن المواد الممنوعة بوجود مادة الإيفيدرين في جسمه، فأُوقف 15 شهراً. حكى مارادونا بعدها عن تناوله لأدوية بسبب نزلة برد شعر بها قبل المباراة أمام نيجيريا، لكنّ أحداً لم يصدّق قصته، وهو صاحب السوابق في هذا المجال. أما ردّ فعله، فلا يزال حاضراً حتى اليوم في الكثير من أحاديثه، إذ لطالما أنزل اللعنات على الرئيسين السابقين للاتحاد الدولي، البرازيلي الراحل جواو هافيلانج، والسويسري الموقوف جوزف بلاتر (كان في منصب الأمين العام وقتذاك)، قائلاً إن الفيفا «قطع قدمَيّ».
ويصحّ فعلاً وصف مونديال 1994 بمونديال الموقوفين، إذ إن حالة شاذة أخرى ظهرت في مباراة ألمانيا وكوريا الجنوبية في دور المجموعات، وذلك عندما استبدل المدرب بيرتي فوغتس لاعب الوسط شتيفان إيفنبرغ بعد أداء مخيّب قدّمه خلال اللقاء. لكن عند خروج الأخير من أرض ملعب «كوتون بوول»، بادر إلى رفع إصبعه الوسطى باتجاه الجمهور الألماني، الأمر الذي أثار غضب فوغتس الذي طلب استبعاده فوراً من صفوف «المانشافت»، ليبقى بعيداً عنه طوال 4 أعوام قبل أن يعود لخوض بعض المباريات الوديّة ثم يختفي عن الساحة الدولية.
 
بلان الأبيض
لوران بلان لم يكن موندياله الذهبي أبيض كما تعني شهرته، فقائد الدفاع الفرنسي الذي كانت أخطاؤه نادرة جداً خلال كأس العالم 1998، ارتكب خطأً مميتاً بحق نفسه أمام كرواتيا في الدور نصف النهائي.
الدقيقة 76، فرنسا متقدّمة بنتيجة 2-1 بعد هدفين رائعين للظهير الأيمن ليليان تورام، لكن فجأة تعرّض بلان بضربة لسلافن بيليتش خلال احتكاكٍ حصل بينهما، ليرفع الحكم الإسباني خوسيه ماريا غارسيا أراندا البطاقة الحمراء في وجه جنرال الدفاع الفرنسي، الذي حرم نفسه بالتالي خوض المباراة النهائية، وترك بصمة سيئة في سجلّه توازي طرد زميله زين الدين زيدان أمام السعودية في المونديال نفسه. زيدان بالمناسبة هو أحد «النجوم الشياطين»، إذ عندما يُذكر اسمه في إطار المونديال، يُحكى عن قصتين: الأولى تُختصر بهدفيه في مرمى البرازيل في نهائي 1998. أما الثانية، فهي أسوأ ما فعله في مسيرته الذهبية، أي نطحته الشهيرة لصدر المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي في نهائي مونديال 2006، حيث طُرد من المباراة وخسرت فرنسا اللقب.
 
جنون كانيجيا وعضة سواريز
ولا شك في أن التاريخ يذكر اسم مهاجم أرجنتيني هو كلاوديو كانيجيا. صاحب الشعر الطويل ليس بشهرة ماريو كامبس (بطل مونديال 1978 وهدافه)، أو سُمعة غابريال باتيستوتا عند الحديث عن أبرز الهدافين الذين مرّوا في تاريخ «الألبيسيليستي». لكن الرجل بالتأكيد ترك بصمة لا تنسى، أقله لأنه كان صديق مارادونا، وأحد صنّاع الفرح في مونديال 1990، وتحديداً عندما أقصى «عدو» بلاده منتخب البرازيل من الدور الثاني بتسجيله هدف المباراة الوحيد. كذلك عادل النتيجة للأرجنتين أمام إيطاليا في الدور نصف النهائي، قبل أن يتلقى إنذاراً ثانياً لتعمّده لمس الكرة بيده، ويغيب بالتالي عن المباراة النهائية ويترك فراغاً كبيراً سمح للالمان بفرصة الثأر من مارادونا وحرمانه إبقاء الكأس الذهبية معه.
تلك كانت نقطة سوداء في مسيرة كانيجيا، لكنها لم تكن الأسوأ له، بل ما فعله في ختام مسيرته، إذ خلال مونديال 2002 كان على مقاعد البدلاء في اللقاء الأخير لبلاده أمام السويد في دور المجموعات، من غير أن يحول هذا الأمر دون حصوله على بطاقة حمراء لتعرضه بالإهانات لأحد الحكام، لينتهي مشوار الأرجنتين بخسارة، ومشواره بطرد، وهو الذي كان قد وصل عامذاك إلى الـ 35 من العمر. وإذا كان ما فعله كانيجيا أمراً قد يبدو عادياً في عالم الكرة، فإن ما فعله النجم الأوروغواياني لويس سواريز في المونديال الأخير لا يمكن أن يتخيّله عاقل.
صراعٌ على الكرة بين «إل بيستوليرو» (المسلّح بالإسبانية) والمدافع الإيطالي جورجيو كييلليني في منطقة الجزاء ينتهي بعضّة من الأول على كتف الثاني. هذه الحادثة لم تكن الأولى في مسيرة سواريز، بل الثالثة، فكان تحرّك الفيفا قاسياً بإيقافه لتسع مباريات دولية، وأربعة أشهر عن خوض أي مباراة، إضافة إلى تغريمه. هي عيّنات من قصصٍ كثيرة حفلت بها المونديالات، التي وإن حملت قصصاً بشعة، فإنها تبقى في الذاكرة وأرشيف الصور العالقة في الأذهان، فإنّ ما يُرسم في كأس العالم لا تمحوه أي بطولةٍ أخرى مهما علا شأنها.