خفايا اعتداء لشبونة: «ترامب كرة القدم البرتغالية» يهدم «سبورتينغ»

خفايا اعتداء لشبونة: «ترامب كرة القدم البرتغالية» يهدم «سبورتينغ»

الأخبار الرياضيــة

السبت، ٢١ يوليو ٢٠١٨

يقبع في العاصمة البرتغالية بيت تربى فيه لويس فيغو حيث نشأ في فريق الشباب وعاش هناك 7 سنوات قبل أن ينتقل إلى برشلونة من بعده إلى ريال مدريد ليتوج بالكرة الذهبية. ومن بوابة هذا البيت منح واحد من أفضل لاعبي التاريخ فرصةً ليظهر قدراته قبل أن يتوجه إليه السير أليكس فيرغسون ويهمس في أذنه: عليك الذهاب معي إلى مانشستر. كريستيانو رونالدو بدأ مسيرته في «بيت» سبورتينغ لشبونة، الذي تدهور إلى حدٍّ مخيف.
نتحدث عن سبورتينغ، الفريق العاصمي، الذي قدم للبرتغال والعالم العديد من الأسماء، أمثال كواريزما ناني ورونالدو. والقائمة طويلة. له الفضل الأكبر على منتخب البرتغال إذ يوجد 10 من أبنائه من أصل 14 لاعباً لعبوا في مدرسته في نهائي كأس أوروبا 2016 والتي توجت فيها البرتغال. لكن راية سبورتينغ سقطت في أيار/مايو الماضي بعد أن تخلى لاعبوه عن الفريق وأعلنوا رغبتهم في الرحيل عن الفريق. جاء ذلك بعد الاعتداء من طرف عدد من مشجعي الفريق أثناء استعداداتهم لمباراة نهائي كأس البرتغال. اقتحمت مجموعة مكونة من 50 مشجعاً مقر الفريق واعتدوا على اللاعبين والطاقم الفني للفريق، حطموا غرف الملابس، أطلقوا إنذارات الحريق، وضربوا العاملين هناك. وأصيب في الاعتداء خلال الشغب الذي دام نحو ربع ساعة، كل من الأرجنتيني ماركوس أكونا والكرواتي يوسيب ميسيتش. أدى هذا إلى أزمة كبيرة، وإلى اضطرار عدد كبير من اللاعبين لفسخ عقودهم، لأنهم فقدوا الشعور بالأمان والانتماء. فقدوا كل شيء.
لكن سبورتينغ يبقى قصة جميلة. هناك، مثلاً، لعب الإنكليزي أريك داير. وهناك تعلم كرة القدم. ومن المعروف أن اللاعبين الإنكليز يواجهون صعوبات خارج بلادهم. لكن، انضم داير إلى سبورتينغ عام 2009 عندما كان في سن الـ15. وعندما سئل عن النادي البرتغالي لخص ثقافته قائلاً: ««إنهم يفتخرون بأنفسهم لقدرتهم على تربية لاعبين مهذبين ومحترمين. إنهم لا يغضبون أبداً إذا مرّرت كرة بطريقة خاطئة، لكنهم سيغضبون لو تعاملت بطريقة غير محترمة مع أي شخص. لا يوجد لاعب يصرخ بصوت عالٍ، فاللاعب الجيد بالنسبة لهم هو من يفهم أنه ارتكب خطأ ويعمل على تصحيحه». الجماهير عبرت عن استيائها بهجومها الأخير، الصحف أحالت الأمر إلى أنه اعتراض على حلول الفريق في المركز الثالث خلف البطل بورتو والوصيف بنفيكا. لكن، يبقى تصرف الجماهير غريباً.
عدم التأهل إلى دوري الأبطال ليس سبباً كافياً للقيام بكل هذا، رأي آخر قد يكون صائباً. يعتقد جزء كبير من المتعصبين للنادي، أن رئيس النادي برونو دي كارفالو يرغب في فرض سيطرته المطلقة على الفريق، الذي يبدي مصلحته على النادي من وجهة نظرهم، ويحاول الاستفادة من بيع اللاعبين، كما أنه «لا يحترم ثقافة النادي التي يعبر عنها بروح الجماعة». في نيسان/ أبريل الماضي قرر كارفالو إيقاف 18 لاعباً بعد الخسارة أمام أتليتكو مدريد في الدوري الأوروبي، وصفهم «بالأطفال المدللين»، وألقى اللوم بشكل خاص على المدافعين جيريمي ماتيو وفابيو كوينتراو، كما اتهم باس دوست بأنه تلقى بطاقة صفراء عمداً حتى لا يشارك في مباراة الإياب. حارس المرمى روي باتريسيو رد نيابة عن زملائه في الفريق، مؤكداً استياءهم من تصريحات رئيس النادي، مشيراً إلى أنه من المفترض أن يتلقوا دعماً منه في تلك اللحظات بدلاً من توجيه الانتقادات العلنية. لكن الرئيس قرر إيقاف معاقبة اللاعبين إذ نفد صبره تجاههم بحسب قوله، مؤكداً أنه لا يوجد أي شخص في النادي فوق الانتقادات.
أطلق على دي كارفالو لقب «دونالد ترامب كرة القدم البرتغالية». وكان عهده في «الفالادي» (ملعب سبورتينغ) قورن أخيراً بنظام الحكم الكوري الشمالي. أسلوبه العدائي بحسب الإعلام البرتغالي جعل وكيل الأعمال خورخي مينديز ورئيس البرتغال مارسيلو ريبيلو دي سوزا أبرز أعدائه. دي كارفالو خلق جواً من عدم الثقة داخل وخارج ناديه، وهو دائماً ما يدافع عن فكرة أن يتعامل الرئيس مع النادي كأنه واحد من المشجعين حتى لو كان الأمر يحتاج إلى العنف. وفي الوقت الذي وقع فيه الاعتداء لم يكن كارفالو حاضراً، ما أثار شكوكاً حول ما إذا كان قد حرض على الفوضى، ليس فقط من خلال خلق البيئة التي يبدو فيها مثل هذا الشيء طبيعياً، بل عن طريق «النظام» أي حكمه الذي لا يعترض على هذه الأمور. وصل دي كارفالو إلى مجمع تدريب «الكوشيت» بعد نصف ساعة من الهجمات. حاول التحدث إلى اللاعبين. لكن مجموعة منهم رفضت الرد أبرزهم روي باتريسيو وويليام كارفاليو اللذان غادرا المبنى بعد ذلك. وبعد عدة ساعات توجهت مجموعة من لاعبي سبورتنغ إلى مركز الشرطة. اللافت هو ما قاله دي كارفالو. أطلق تصريحاً فارغاً. لم يفعل أي شيء لتهدئة لاعبيه. صرح للتلفزيون الرسمي للنادي: «كان الأمر مزعجاً، لكن الغد هو يوم جديد وعلينا أن ندرك أن الجريمة جزء من الحياة اليومية ويجب المعاقبة في المكان والوقت المناسب». هذا التصريح ولد الشكوك لدى اللاعبين وبحسب مصدر قريب منهم، لم يخفوا بأنهم يعتقدون بأن الرئيس وراء ما حدث، لا بل أبعد من ذلك أفاد المدرب خورخي خيسوس لديه دليل يدعم هذه الادعاءات ضد دي كارفالو. 
لاحقاً ألقي القبض على 23 شخصاً واتهموا بما حدث في مركز التدريب. ولكن زعماء «العصابة» لم يكونوا من بينهم إذا صح التعبير. وإذا عدنا إلى مقاطع الفيديو لحظة دخول المعتدين، سنلاحظ بأنهم كانوا يمشون ببطء كأنهم في نزهة لا في حالة غضب. بعدها بأيام أجرت الشرطة عمليات تفتيش واعتقالات في ملعب سبورتنغ وكان اندريه جيرالديس معاون دي كارفالو من بين المعتقلين، للاشتباه في تلاعبه بنتائج المباريات من خلال رشوة الحكام واللاعبين، ومعظمها في مباريات كرة اليد ولكن أيضاً في ست مباريات كرة قدم. بعدها قدم نائب رئيس النادي وثلاثة أعضاء آخرين في المجلس استقالتهم ووعدوا بعودتهم إذا رحل دي كارفالو. استجاب لاعبو الفريق للدعم وأبدوا رغبتهم في عدم لعب نهائي كأس البرتغال أمام ديسبورتيفو أفيس، لكنهم كانوا أوفياء للفريق الذي لطالما حضنهم ولعبو النهائي لكنهم خسروا (2ــ1). 
تفاقمت الأزمة بعد ذلك وأخذ اللاعبون يفسخون عقودهم مع النادي. حاول دي كارفالو إنقاذ نفسه باتهامه وكيل الأعمال البرتغالي مينديز باستغلال الوضع، ولجوئه إلى «الابتزاز» من أجل ضمان الحصول على عمولة كبيرة عندما يوقع اللاعبون لفرق أخرى. فشل «الرئيس» في ذلك لأن الأمر بات واضحاً في الشارع البرتغالي. دي كارفالو سينهي «البيت» الذي يحبه البرتغاليون من أجل مصالح شخصية.