خلافات

خلافات "الائتلاف" تؤجل اللقاء "المباشر" مع الوفد السوري إلى اليوم.."جنيف 2" بين هدنة حمص وتبديد التباس "جنيف 1"

مؤتمر جنيف 2

السبت، ٢٥ يناير ٢٠١٤

صفارة انطلاق وهمية لرحلة المفاوضات السورية الشاقة. لم يتحرك المفاوضون كما كان مقرراً، ولم تفتح القاعات، ولم ترتب الكراسي والطاولات في مواقعها المحددة.
وبعد يوم طويل من الانتظار، يختبر المفاوضون السوريون احتمالات التفاوض اليوم، ولكن في قاعة واحدة، وهذا خبر جيد للمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي الذي لن يضطر، إذا ما عادت الأمور إلى نصابها، إلى السفر مشياً بين قاعات قصر الأمم المتحدة لمخاطبة الوفدين المنفصلين.
هاتف صباحي من ممثل الإبراهيمي في دمشق مختار لماني إلى وزير الخارجية السوري وليد المعلم أوقف الاستعدادات السورية للتوجه نحو الموعد التفاوضي الأول في قصر الأمم المتحدة في جنيف. مدير مكتب الأمم المتحدة في دمشق مختار لماني، اعلم المفاوض الأول السوري أن الفريق "الائتلافي" الآخر ليس جاهزاً بعد للدخول إلى الاجتماع المشترك.
الجولة الأولى التي جرى الاستعداد لها، وأعدّت لها القاعات المنفصلة، والخطاب الترحيبي الموجز للإبراهيمي، سقطت كلها دفعة واحدة، بعد ليل من الخلافات داخل الوفد "الائتلافي" المعارض حول رئاسة الوفد التي لم تحسم لهيثم المالح، رغم ترشيحه إليه في البداية، ولا حول التوجهات النهائية في وفد كان يتمسك بشرط تعجيزي، يفرض على النظام السوري تسليم السلطة قبل الدخول بالمفاوضات، عبر المطالبة بنقل الصلاحيات الرئاسية إلى هيئة حاكمة انتقالية، يفترض "الائتلافيون" أنهم سيقودونها فوراً، بمجرد أن يوقع الوفد السوري المفاوض على وثيقة بيان "جنيف 1".
وقال المعلم لمهاتفه الديبلوماسي الصباحي إنه رغم غياب "الائتلافيين" سيأتي إلى الموعد كما هو مقرر مع الإبراهيمي. الوسيط الدولي والعربي برر نقض الوفد الآخر الموعد المضروب أنهم اختلفوا على توزيع المقاعد والمهام، وأن اليوم سيكون سياحياً. الوزير السوري قال إنه ليس سائحاً في جنيف، وإذا "لم تتوصلوا إلى الإتيان بهم إلى قاعة المفاوضات غداً (اليوم) فسنغادر جنيف".
عند الحادية عشرة صباحاً استدعى السفير الأميركي روبرت فورد "الائتلافيين". أعاد المفاوض الأميركي الفعلي مع النظام السوري في جنيف خلف "الائتلاف"، ترتيب الوفد مجدداً. وكانت خلافات قد نشبت بين هيثم المالح وميشال كيلو على قيادة الوفد "الائتلافي" وحسمها فورد باقتراح تعيين هادي البحرة كبير المفاوضين، باعتباره ضليعاً بالملفات القانونية التي كان يعمل عليها منذ أشهر. ويقول مصدر ديبلوماسي إن "الائتلافيين" لا يستطيعون اتخاذ قرارات نهائية، وأنهم عند اللقاء بهم، يبدون للإبراهيمي كل استعداد للتوصل إلى اتفاق، ولكن بمجرد اجتماعهم معاً، تدب الخلافات في صفوفهم، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر.
ونقل مصدر عن الإبراهيمي اعتقاده أن "الائتلافيين" لا يملكون رؤية واضحة. وعند الرابعة من بعد الظهر استقبل الإبراهيمي الوفد "الائتلافي" نصف ساعة، للحصول على تأكيدات للعودة اليوم إلى طاولة المفاوضات، وتنفيذ السيناريو المعد، مع خطاب افتتاحي قصير، وجلسة أولى للمفاوضات، يقرر بعدها الإبراهيمي حسب الأجواء السائدة، إذا ما كان ينبغي العودة إلى مفاوضات في الغرف المنفصلة.
ولكن مصدراً في الوفد السوري قال إن الاتفاق تم مبدئياً على البقاء في قاعة واحدة، يجلس وسطها الإبراهيمي، فيما تصف مقاعد وطاولات "الائتلافيين" على يمينه، ويجلس الوفد السوري على يساره، ويتوجه رؤساء الوفود وحدهم إليه بالكلام، ليعيد بنفسه نقل ما قيل له إلى الوفد الآخر، باعتبار أن الوفود لن تتحدث إلى بعضها مباشرة. وقال المصدر الديبلوماسي إن المشكلة وقعت لأن "الائتلافيين" غير قادرين على اتخاذ قرار بأنفسهم، من دون الرجوع إلى جهات كثيرة، وأبلغوا الوسيط الدولي أنهم لن يأتوا قبل الحصول على ضمانات بمباشرة البحث بالحكومة الانتقالية، قبل أن يعيدهم فورد الى المفاوضات.
والأهم أن مجموعة من الأفكار بدأت تتبلور لمباشرة المفاوضات التي لن تتناول الحكومة الانتقالية، ولا أي إقرار لوثيقة "جنيف 1"، بعد سقوط شروط "الائتلاف" في المرحلة الأولى، لتأمين انطلاق العملية السياسية خطوة بخطوة، وعدم المخاطرة بتفجير العملية قبل انطلاقها بالإصرار على الدخول في تفاصيل الحكومة الانتقالية.
وبحسب مصادر ديبلوماسية عربية وغربية متقاطعة تحدثت إلى "السفير"، فإنه سيجري التركيز في بداية الأسبوع على اختبار وقف لإطلاق النار في حمص القديمة، التي يحاصر الجيش السوري فيها مجموعة من 400 مقاتل، ومعهم بضع مئات من المدنيين، في منطقة الحميدية.
وقال مصدر ديبلوماسي إن المعارضة اقترحت البدء بحمص، وإنه قد يتم تأجيل الحديث عن الترتيبات الأمنية في حلب، كما كان مفترضاً، في إطار تدابير بناء الثقة، لتعقد عملية التنفيذ في حلب، التي تتطلب جهداً ديبلوماسياً كبيراً، ومشاركة لوجستية من الأمم المتحدة. وتم اختيار حمص لصغر المنطقة المطلوب تنفيذ وقف إطلاق النار فيها، وعدم وجود جماعات مقاتلة أجنبية فيها، ما يسهل التوصل إلى اتفاق، فيما يتطلب تنفيذ الترتيبات الأمنية في حلب التحدث إلى أكثر من ٢٠ مجموعة مسلحة تعمل في الجانب الشرقي من المدينة، حيث اقترح المعلم، بتأييد روسي، الانطلاق في اختبار وقف إطلاق النار.
وقال المصدر إن الموضوع الآخر الذي يلي حمص سيكون موضوع المختطفين من الجانبين وتبادل المعتقلين. وكان "الائتلافيون" يطالبون أن تقتصر المفاوضات على عملية إطلاق المعتقلين من جانب النظام، فيما يقول الوفد الحكومي السوري إن الآلاف من الجنود والضباط والمدنيين والعائلات السورية اختطفوا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
من المنتظر أن تبدأ منتصف الأسبوع مفاوضات لتحديد ماهية "جنيف 1"، وتحديد قراءة مشتركة لبيان الثلاثين من حزيران العام 2012 بشأن سوريا، قبل الدخول في عملية التنفيذ.
وتتوقف المفاوضات الجمعة المقبلة، إذا ما سارت الأمور بسلام حتى ذلك الحين، على أن يعود الوفدان إلى جنيف بعد عشرة أيام. ولكن عملية الانتقال من الإنساني والأمني، نحو صلب العملية السياسية في ما يتعلق بالحكومة الانتقالية، سيصطدم باختبار قدرة الوفد المفاوض، على فرض سلطته، وتنفيذ الالتزامات بشأن وقف إطلاق النار، بدءاً من خطة حمص، وصولا إلى تبادل المختطفين والمعتقلين.
وإذا لم يبرهن "الائتلافيون" على قدرتهم وسلطتهم على الجماعات المسلحة، فلن يكون بوسع المفاوضات أن تستمر، باعتبار أن احد الوفدين لا يتمتع بالمصداقية المطلوبة، وهو احد شروط جنيف بنصه على تمثيل المفاوضين الحقيقي لكل مكونات الشعب السوري.
وكان الإبراهيمي قال، في مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة في جنيف، إنه تم التوصل إلى اتفاق، بعد المحادثات التي أجراها في جنيف مع وفدي النظام والمعارضة السوريين، على عقد اجتماع بين الطرفين في غرفة واحدة اليوم.
واعتبر الإبراهيمي أن المفاوضات حتى الآن "مشجعة"، مضيفاً "لم ندخل صلب الموضوع بعد. نأمل في أن يقوم الطرفان بتنازلات تصب في مصلحة العملية". وقال أن "لا شروط مسبقة" في المفاوضات، مضيفاً "المفروض أن جنيف 1 هو الأساس، ونحن نسير على هذا الأساس". وأضاف "نتوقع بعض العقبات. كنا نود تعيين الوفدين قبل شهور كي نرتب الأمور بشكل أفضل". وتابع "لا احد يختلف على جنيف 1، وإن كانت هناك بعض الملاحظات حول تأويل بعض بنوده. من جملة الأشياء التي قد ننجح بالقيام بها هي إزالة هذا اللبس".
وأشار الإبراهيمي إلى أن هدفه البدء بالسعي لتنفيذ خطوات عملية مثل وقف إطلاق النار في مناطق بعينها وإطلاق سراح سجناء وحرية دخول المساعدات الدولية، قبل بدء المفاوضات السياسية الأصعب.