معركة حمص… ورقة «جنيف 2» الخـــاسرة!

معركة حمص… ورقة «جنيف 2» الخـــاسرة!

مؤتمر جنيف 2

الخميس، ٣٠ يناير ٢٠١٤

خسرت المعارضة معركة «النصر الاستراتيجي» في حمص، ففقدت ورقة تفاوض رئيسية كانت تنوي استخدامها في «جنيف 2»، إذ لم يحقّق مقاتلوها أي تقدم يحتاجون إليه بشدة في مدينة حمص، «عاصمة الثورة»، وباتوا اليوم أمام خيارين: إما الانسحاب، أو المعركة… الخاسرة
قبل انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، حاولت المعارضة السورية المسلحة إحداث تقدّم ميداني لاستخدامه ورقة تفاوض لمصلحتها في المؤتمر. وضعت لنفسها هدفاً يحدث فرقاً نوعياً، ميدانياً ومعنوياً، تمثل في «استعادة عاصمة الثورة»، مدينة حمص. شنّ المقاتلون هجمات عدّة، بناءً على مخطط وضع قبل ثلاثة أشهر من انعقاد المؤتمر، بحسب قادة ميدانيين في الجيش السوري. أراد المعارضون دخول المدينة مجدداً، وفك الحصار الذي يفرضه الجيش على الأحياء التي يسيطرون عليها داخل المدينة.
ولتشتيت جهد الجيش في حمص ومحيطها، شنّ المسلحون هجمات موازية على بلدة جوسية الحدودية مع لبنان، أقصى جنوب ريف القصير.
حدث ذلك في بداية الشهر الجاري. وتتالت المحاولات، لكنها جميعها باءت بالفشل.
ولما عجز مسلحو المعارضة عن تحقيق هدفهم، اقترح وفد «الائتلاف» السوري في مؤتمر «جنيف 2» وقف إطلاق النار في حمص، مع إدخال المساعدات الغذائية للأهالي المحاصرين في حمص القديمة. ويروي قادة ميدانيون في الجيش السوري، في السياق، أنّ نحو 200 عائلة تسكن هذه المنطقة، في ظل وجود نحو 3000 مسلّح محاصرين في أحياء القصور والقرابيص وجورة الشياح، شمال المدينة. وتعدّ هذه المناطق عقدة مواصلات مهمة. وفي ظل تداول ورقة المساعدات الغذائية، يشدّد قادة ميدانيون في الجيش، في حديثهم مع «الأخبار»، على عدم القبول بإدخال أي مساعدات تكون الغاية منها دعم المسلحين بطريقة أو بأخرى. ويطرح هؤلاء، في المقابل، «مجموعة من الحلول»، حسب تعبيرهم: في ما يتعلّق بالمسلحين، «إما الانسحاب أو المعركة». أما المساعدات الغذائية، «ففي إمكان الجيش إخراج الأهالي تحت حمايته، أو التأكّد من وصول المساعدات إلى العائلات فقط لا غير»، علماً بأن القادة الميدانيين أكّدوا أنه «سبق أن دخلت مساعدات غذائية منذ فترة».
كيف بدأت معارك المعارضة وعلى أي محاور؟ وكيف استطاع عناصر الجيش و«الدفاع الوطني» و«اللجان الشعبية» إحباط هجوم المسلحين وحصارهم؟
يشرح أحد القادة الميدانيين، ممن يشرفون على العمليات في المدينة، كيفية سير المعارك التي اشتدّت وطأتها في حمص وريفها منذ كانون الأول الماضي. كانت في البداية معركة منطقة المطاحن (الممتدة بين كاراج حمص القديم وساقية الري في المدينة)، والتي «كانت مفصلاً مهماً لسير المعارك». في موازاة ذلك، شنّ المسلحون هجمات عدّة من حي الوعر (الذي يضم عدداً كبيراً من النازحين، ولا سيّما عائلات المسلحين) عبر البساتين، ومن مدينة الرستن وبلدة تلبيسة (شمالي حمص على الطريق الدولي باتجاح حماة) عبر الدار الكبيرة، بالتزامن مع الضغط في القلمون والقصير وجوسية الحدودية مع لبنان، جنوبي حمص. «الصاعقة الكبرى كانت في سقوط المطاحن بيد الجيش، بعدما كان المسلحون يريدون استخدامها للهجوم على مناطق أخرى»، موضحاً أن المسلحين استفادوا من الخطوط المفتوحة بين حمص وتلبيسة. وبحسب القائد الميداني نفسه، استمرت المفاوضات بين الجيش والمسلحين في المطاحن على مدى يومين للاستسلام، لكن المعارضين رفضوا، فقتل منهم 63 ينتمون إلى «الجيش الحر» و«جبهة النصرة».
وفي الوقت نفسه، اندلعت اشتباكات في حي القصور (شمالاً) بعد مؤازرة المسلحين من الدار الكبيرة. وبعد معركة المطاحن «وجدنا ضرورة حتمية لقطع كل الشرايين الحيوية، ففصلنا حي الوعر عن القصور، عبر منطقة البساتين (المحور الذي يفصل بين حي الوعر وحيي القرابيص والقصور حيث يتمركز المسلحون)»، يقول المصدر. ومن جهة ثانية، قطع الجيش السوري شارع حماة، الذي يعدّ خط التماس النهائي الذي يفصل أحياء الخالدية والمطاحن عن أحياء القصور والقرابيص وجورة الشياح.
وهنا يلفت القائد الى أهمية الأنفاق التي حفرها المسلحون للاستفادة من الامدادات عبرها. ولم يعد خافياً على الجيش أن حمص التي لم يبق فيها حجر على حجر في بعض الاحياء، باتت لها «مدينة موازية تحت الارض، إذ يبلغ طول الانفاق عشرات الكيلومترات… ربما بإمكانك الذهاب من قلب حمص إلى بلدة تحت الارض، وبسهولة».
في موازاة ذلك، كثّف المسلحون هجماتهم على المناطق الحدودية اللبنانية في جوسية وأطراف ريف القصير لإحداث تقدّم، انطلاقاً من عرسال اللبنانية وجبال القلمون السورية. وحشد المسلحون «نحو 2000 مقاتل لدخول جوسية وأطراف ريف القصير، فتكبّدوا المئات من القتلى». ومنذ حوالى أسبوعين، وقع أكثر من 50 مقاتلاً في كمين في جوسية، حيث «الأوضاع ممتازة والأمور تحت السيطرة التامة».
وهنا أيضاً، يقول قائد ميداني في المنطقة: «انقلب السحر على الساحر»، بعد أن تمّ قطع شرايين الإمداد عن المسلحين هؤلاء الذين كانوا يسلكون محور وادي خالد في عكار باتجاه تلكلخ وحمص من جهة، وعرسال مروراً بريف القصير وكفرعايا والسلطانية الحدودية للدخول الى حمص.

تسوية أم معركة؟

بعد مسار المعارك التي طوّقت المسلحين، يبدي القائد الميداني ارتياحاً لسير الأمور في حمص وريفها. الأجواء هادئة. الجيش ينتشر «بثبات في جوسية وريف القصير والمناطق الحدودية اللبنانية. لكن هذا لا يمنع أي هجوم يشنّ عبر التسلّل من عرسال أو وادي خالد». وبالرغم من ذلك، لم يستطع المقاتلون حتى اليوم تحقيق «ولو حتى خرق بسيط».
3000 من المقاتلين محاصرون اليوم في جورة الشياح والقرابيص والقصور، وفي حمص القديمة، باب هود، باب السباع، باب الدريب، حي الحميدية، باب التركمان. «هم محاصرون من دون العائلات»، بحسب المصدر الذي يشرح أنهم يتوزعون بين «1000 مسلح قوات خاصة، و1000 لوجستيين و1000 مقاتل عادي. هم أمام حائط مسدود من ناحية الإمدادات العسكرية. إذا أرادوا التسوية والانسحاب فليكن. عدا ذلك، ستكون المعركة».