«حماس» بعد معركة حلب.. بقلم: عبد الله زغيب

«حماس» بعد معركة حلب.. بقلم: عبد الله زغيب

تحليل وآراء

الجمعة، ١٦ ديسمبر ٢٠١٦

هل قصدت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إعلان الانسلاخ نهائياً عن أصدقاء الأمس؟ بدا هذا السؤال الأكثر منطقيّة في الساعات الأولى التي أعقبت إصدار أحدث بيانات الحركة حول الأزمة السورية، حيث ارتأت قيادة الخارج أن الاندماج الكامل في العمليّة الدعائية المصاحبة لـ «الثورة» السوريّة بات أمرا واجبا، ربما لأن «أصدقاء» اليوم دخلوا مرحلة انكفائيّة تتطلب إعادة «هيكلة» سريعة وقسريّة، استباقا للنكسات المقبلة وتحضيرا لاكتمال الصف القيادي في الإدارة الأميركيّة الجديدة. هكذا جاء «بيان» حلب بمثابة آخر القشات المؤهلة لقصم ظهر البعير، خاصة في مستوى التركيز غير المسبوق على جزئيات خطابيّة في أدبيات المعارضة السوريّة المسلحة، وبعيدا جدا عن التعابير السياسيّة الرصينة المراعية لوقائع الأمور، وللمصالح النهائية للنضال الفلسطيني في ظل الاصطفاف الحاد القائم حاليّا في المنطقة.
«حماس» استنكرت «عمليات القتل والإبادة التي يتعرّض لها الأبرياء في حلب»، ما يشي بأن أخبار المعارك في مناطق حلب الشرقيّة وصلت متأخرة الى مسامع قيادة الحركة في الخارج، خاصة أن حُزم الإدانة المكونة من «جمل مُعدّة سلفا» كانت قد استنفدت في المراحل الأولى والوسطى لانطلاق عمليات الجيش السوري وحلفائه في تلك المنطقة، وتحديدا في الفترة التي أتقن فيها الجيش السوري الإعداد للعمليّة الدعائيّة الخاصة به، من خلال تركيزه على «توثيق» عمليات التوغل تباعا، وكذلك عبر تفعيل «أصدقائه» للعمل الإعلامي الميداني بما فيه من تغطيّة لوقائع خروج المدنيين من مناطق الصراع وآليات هذا الخروج. فيما يذهب التفسير الآخر نحو دخول «حماس» في حالة إعادة هيكلة «جذريّة» قد تفضي الى انخراط أكبر في المرحلة المقبلة من الحرب السوريّة.
انخراط «حماس» في الحرب السوريّة لم يعد عمليّة تقديريّة أو مجرد تتبع صحافي لتحركاتها في أروقة الأزمة هناك. فالحركة بقيادتها السياسيّة الخارجيّة قررت الانخراط الكامل في الحرب منذ بدايات العام 2012، وعملت طوال الفترة تلك على تعزيز القدرات العسكريّة للفصائل المسلحة التابعة لتنظيم «الإخوان المسلمين»، عبر نقل كامل خبراتها الميدانية الى عناصرهم. وكذلك ساهمت في تأسيس فصائل وخلايا مسلحة توالي تنظيم «الإخوان» في ثلاث مناطق رئيسيّة:
ـ دمشق ومحيطها: تأسيس كتائب «أكناف بيت المقدس» و «شباب الهدى» و «لواء الحبيب المصطفى» وكتيبة «أبو هارون» و «درع الغوطة» وكذلك إنشاء أكاديمية تدريبية في الغوطة الشرقية باسم أكاديمية «أكناف بيت المقدس».
ـ منطقة الجنوب: تأسيس وتدريب كتائب «مشروع أمة» و «ابن تيمية» و «الأجناد».
ـ الشمال السوري: العمل في ريف ادلب على إنشاء مركز ديني وعسكري تدريبي تابع لـ «الإخوان» ومركز تدريبي ضمن «فيلق الشام» ومركز لكتيبة «أعدوا» وهو طبعا شعار «الإخوان».
كذلك عمل خبراء من الحركة في الداخل السوري على تدريب مختلف الفصائل على مسألة التدشيم والتحصين، اضافة الى نقل خبراتها في حفر الأنفاق وبناء الخنادق الحديثة.
في الفترة السابقة لعام 2015، كان الحديث عن دور «حماس» في الحرب السوريّة شديد الالتباس والغموض. إذ لاقى هذا النشاط غير المعلن مستويات مدروسة من الخطابة السياسية الصادرة عن قيادة الحركة في الخارج، حيث كان التركيز في تلك الفترة على التريّث بانتظار اكتمال الصورة وفقا للرؤية الأميركية ـ الخليجية ـ التركية المشتركة، إنما مع إظهار مسافة واضحة بين الحركة والمحور الروسي ـ الإيراني ـ السوري، وتحديداً في العلاقة مع دمشق التي غادرتها قيادة الحركة بعد سنوات من العمل الأمني والعسكري والسياسي المشترك، ليأتي الانتقال اليوم إلى مستوى العمل العملاني والمباشر، ما يعني إعلانا نهائيا من الحركة بالقطيعة مع سوريا، وأخذها خيارا جذريا بإعادة التموضع وفق الرؤية الإقليمية لتنظيم «الإخوان»، بمعزل عن تبعات هذه الخيارات على المشروع النهائي المفترض للحركة والمتعلق بدورها في الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
لم يعد مجديا اليوم الدخول في نقاش «أخلاقي» حول أداء «حماس» السياسي في الداخل أو الخارج. وفي الأصل لا يمكن للأبعاد الأخلاقيّة أن تشكل أرضيّة مباشرة تفسر الخيارات السياسيّة ووقائع الميدان. لكن الاتجاه العام للحركة إقليميا بات يستدعي دراسة أكثر تعمقا لاتجاهات الحدث ومخرجاته النهائية. إذ تفترض قيادة الخارج أن الأمور في المنطقة باتت شديدة الوضوح في ظل الانقسام الحاد. ما يعني أن بإمكانها السير في قنوات التحالف «الإخواني» بعيدا عن «محورها» السابق ووفق أدوات سياسيّة وحتى عسكريّة واضحة، انطلاقا من قناعة مفادها بأن الالتصاق العضوي بالسياستين القطرية والتركيّة يمكن أن يضمن قدرا معينا من الزخم لنشاط الحركة، طالما أن الأجواء لا تشي بإمكانيّة حصول مواجهة مع «إسرائيل» في الوقت القريب.
تجاوزت «حماس» قطوعا كبيرا في الشهور القليلة الماضيّة بعد الخلاف «الاستراتيجي» العميق بين قيادتي الخارج (القيادة السياسيّة) والداخل (القيادة العسكريّة)، وهو خلاف أثمر «كبحا» قسريا لجماح الاتجاهات الصاعدة في غزة والداعيّة لتعزيز العلاقات مع إيران لما للأمر من مصلحة مباشرة على العمل المقاوم، من دعم سياسي ومالي وعسكري وأمني مباشر. «تحررت» قيادة الخارج إذاً من احتمالات «التقسيم» في الجسد التنظيمي الواحد، فوجدت نفسها أكثر استعدادا للسير قدما في خيارات «الرعاة» الجدد، طالما أن الالتصاق العضوي باللاعبين يفتح طريقا دائمة للعودة وفق التطورات وفي ظل آليات «براغماتيّة» غير خاضعة لحسابات «أخلاقيّة». على أن الالتقاء مستقبلا بالنظامين السوري والإيراني عبر «القنوات» التركيّة أو القطريّة لن يكون سلسا على الإطلاق، مهما بلغت حاجة إيران لتعزيز وجودها في محيط وفي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة أن العمل حاليا سيكون في تعزيز الخيارات الفلسطينية الثانية والثالثة في الداخل والخارج، وكذلك العمل على إحياء قنوات التواصل مع مقاومي «حماس» في الداخل بعيدا عن الرواق التنظيمي العادي الخاضع لقيادة «حماس» في قطر.