الحكومة السعودية وحربها على قانون (جاستا) الأميركي.. بقلم: تحسين الحلبي

الحكومة السعودية وحربها على قانون (جاستا) الأميركي.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ ديسمبر ٢٠١٦

يبدو أن الإدارة الأميركية لم تخلق حرب السعودية على اليمن فقط بل خلقت لها أيضاً حرباً ذات نفقات خيالية تساوي مئات إن لم يكن آلاف أضعاف نفقات الحرب على اليمن وهذه الحرب الجديدة أصبحت ساحتها في الولايات المتحدة نفسها بعد أن أقر مجلسا النواب والكونغرس بإجماع مادة دستور جديدة حملت اسم (جاستا) توفر الشرعية القانونية والقضائية لمحاكمة أي مسؤول سعودي في المحاكم الأميركية بتهمة المساعدة في تنفيذ تفجيرات 11/أيلول 2001 في أراضي الولايات المتحدة، ومنذ إضافة هذه المادة (جاستا) التي تنزع الحصانة الدبلوماسية أو السياسية لأي موظف سعودي وتعطي الحق بالادعاء عليه ومحاكمته والمطالبة بالتعويضات المالية للمتضررين وعائلات ضحايا تفجيرات 11/أيلول، يكشف الموقع الإلكتروني الخاص الذي أنشأته منظمة ضحايا 11/أيلول (Passjasta.org) في الثلاثين من الشهر الماضي أن الحكومة السعودية استأجرت عشر مؤسسات أميركية تقدم خدمات الوساطة والضغط (اللوبي) من أجل تخفيف صلاحية هذه المادة الدستورية الأميركية حتى الآن، وأنها تشن على الأرض الأميركية حملات تنفق فيها أموالاً كثيرة لوسطاء وسياسيين ومحامين وأعضاء كونغرس من أجل إزاحة ما أمكن من الأخطار المالية وغير المالية التي ستنتج عن تنفيذ هذه المادة الدستورية في المحاكم الأميركية بصيغتها الحالية التي تعطي الحق بمطالبة الحكومة السعودية بتعويض ما يزيد على (3000) من عائلات ضحايا التفجيرين عام (2001) ومن المتضررين منهما أحياءً كانوا أم جرحى أم معوقين.
ويكشف الموقع المذكور أن الحكومة السعودية بدأت تدفع شهرياً لكل مجموعة خدمات للضغط مليوناً ونصف المليون دولار، وهذا المبلغ يتم إنفاقه على محامين وكتاب وصحفيين ووسطاء وهو لا يشمل المبالغ التي يراد من خلالها استمالة أعضاء في الكونغرس خصوصاً مثل (جون ماكين) الجمهوري المتشدد الذي أبدى تجاوباً مع الدعوى لتخفيف نص مادة (جاستا) المذكورة لأن أحداً لا يجرؤ على الإعلان أنه يؤيد إلغاءها، والحملات التي تنشغل بها الحكومة السعودية الآن هي لتخفيض حدة هذه المادة المالية وغير المالية عند المطالبة بالتعويضات لأبناء وعائلات ضحايا التفجيرات.
ويقف في مواجهة هذه الوساطات ومجموعات الضغط العشر التي تتلقى كل مجموعة فيها شهرياً مليوناً ونصف المليون دولار، مجموعات ضغط مقابلة أميركية يمثلها محامو الضحايا ورجال السياسة الأميركية وفي مقدمهم الرئيس المنتخب (ترامب) الذي أعلن في أكثر من مناسبة عن تأييده لهذه المادة الدستورية وتطبيقها لمصلحة الأميركيين المتضررين من تفجيرات (أيلول 2001)، ولذلك بدأت المعركة بين مجموعات الضغط التي وظفتها الحكومة السعودية وبين مئات بل آلاف من المحامين والشركات القانونية القضائية التي تمثل أكثر من 3000 وكيل من عائلات الضحايا والمتضررين بالاحتدام مع اقتراب استلام (ترامب) للرئاسة في 20 كانون الثاني المقبل.. وفي نظام عمل المحامين في الولايات المتحدة تتركز مصالح كثيرة لهؤلاء المحامين حين ينجحون في كسب أي قضية ينتج عنها تعويض ضخم ولذلك يقول موقع (باساج جاستا) الذي يمثل المدافعين عن تنفيذ مادة الدستور إن الحكومة السعودية أصبحت الآن تواجه جيشاً من المحامين الذين يتطلعون إلى تحقيق أكبر أرباح مالية أو نسب مالية من هذه التعويضات بموجب العقود التي يتوصلون إليها مع الموكلين عنهم ولهم مصلحة بزيادة قيمة أي تعويض في نهاية المطاف.
ويرى المحللون في الولايات المتحدة أن أحداً لا يمكن أن يحسد الحكومة السعودية أمام هذه الورطة التي أدخلها إليها القانون الدستوري الأميركي الجديد (جاستا) لأنه سيكلفها ثمناً باهظاً بعد انشغال مكثف على الساحة القضائية والسياسة الأميركية. ويضيف هؤلاء إن الجمهور الأميركي في أغلبيته لا يتعاطف مع حكام السعودية ونظامها الملكي المطلق وسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، ولذلك ستكون الحملة شديدة حين يبدأ تنفيذ قانون (جاستا) ولن ينفعها توظيف مئة مجموعة ضغط وليس عشراً في هذه الظروف.. فإيقاف حرب اليمن ونفقاتها تستطيع الحكومة السعودية تحقيقه بأيام إن أرادت لكن إيقاف مواجهتها للتعويضات المالية وجيش المنتفعين منها يصعب تحقيقه إن لم يكن مستحيلاً.