ما بعد الشعر.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

ما بعد الشعر.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٦

من الأمور البدهية أن يعرّف الشاعر بأنه الإنسان صاحب الشعور المرهف، الإنسان القادر على اختصار المعاني والمشاعر التي تخامره كما تخامر الآخر بكلمات قليلة معبرة يمكنها أن تندرج بسهولة، في أعماق نفس قارئ شعره، حيث تستقر إلى زمن غير محدود، وذلك بمقدار ما يكون الشاعر مبدعاً وتكون دربه ممهدة لصياغة أشعاره بصدق وبشفافية، وخصوصا تلك التي في استطاعتها تخطي العوائق التقليدية في بعض الأحيان.
وبطبيعة الحال، حين يكون القارئ مرهف الإحساس في الوقت ذاته، يستطيع تذوق شعر بهذا المستوى صدر عن شاعر من شعراء الأمس البعيد أو القريب، أو يصدر عنه، وكان قادراً، بالتالي، على تغليفه بلمسات  تتجلى في سياقها عملية الإبداع.
ولكن يبدو أن لهذه المعادلة وجهاً آخر في تقدير الشاعر – الشاعر القادر على التفاعل مع الناس، في ظروفهم العامة أو الخاصة على حد سواء. هذا الوجه الآخر يراه الشاعر – الشاعر في نوع آخر من العطاء، ولذلك هو لا يصر على وضع نفسه في المرتبة الأولى أو المتقدمة على الغير. ويوم قرأنا يوماًللشاعر نزار قباني قوله:إن الفدائي وحده يكتب الشعر وإن كل ما يكتبه الشعراء في سياق الأعمال البطولية هراء،  آمنا بأن الإنسان الذي يعرف حدوده ، لا بد أن يتفهم حدود سواه.
في الزمن الراهن، على سبيل المثال، أليس الشهيد وحده من كتب ويكتب الشعر؟ إن الشهيد الذي صاغ بحروف من دمه الطاهر قصائد ستبقى خالدة على مدى الدهر، هو الشعر الذي يرقى بصاحبه إلى مصاف العظماء من رجال المعرفة والفكر. والشهيد بالتالي، هو الشاعر الذي تستحق قصائده أن تغنى، قصائده التي تروي حكايات بطولات تحفظ كرصيد لا يقدر بثمن لأبناء الأجيال القادمة.
الشعر ليس كلمات فقط. الشعر فعل معمّد بالدم على أرض معركة يخوضها وطن تجاه حامل معول وأداة قتل وتدمير.
مثل هذا الشعر فقط يخلد على مدى كل الأيام الآتية.
iskandarlouka@yahoo.com