هل سقط مشروع تقسيم سورية؟؟

هل سقط مشروع تقسيم سورية؟؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ٤ يناير ٢٠١٧

عمر معربوني - بيروت برس -

 ثلاثة اشهر وتدخل الحرب على سوريا سنتها السادسة ولا حلول نهائية تلوح في الأفق، فلا احد يتجرأ على القول او الإدعاء ان سنة 2017 ستكون السنة النهائية لهذه الحرب رغم الكثير من المتغيرات الجيوسياسية التي نتجت عن تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب.

لم يكن لدينا ادنى شك ان انتصار الجيش السوري في معركة حلب سينتج عنه متغيرات كبيرة، لا بل ذهبنا بهذا التوجه عندما تم قطع طريق الكاستيلو ووُضعت الجماعات الإرهابية داخل الطوق، حيث كان واضحاً حينها ان وضع الجماعات داخل الطوق هو بحد ذاته انقلاب للمشهد سيؤدي الى متغيرات غير مسبوقة لمصلحة الدولة السورية وحلفائها، وهو ما قلنا عنه ايضاً في حينها انه سيجعل تركيا كداعم اساسي لهذه الجماعات تقوم بالمحاولة الأخيرة لتثبيت المشهد في الحد الأدنى على ما كان عليه قبل قطع طريق الكاستيلو، حيث نفذت الجماعات الإرهابية هجمتها الكبيرة لفك الطوق عن الأحياء الشرقية والنتائج الكارثية التي نتجت عن هذه الهجمات على جبهة النصرة وجيش الفتح بشكل اساسي.

وما قصدناه يومها بالمتغيرات الجيوسياسية نعيش اجواءه حالياً عبر التغيير اللافت في السلوك التركي والصمت الخليجي والغياب الأميركي.

لم تكن معركة حلب هي المعركة الوحيدة التي أدّت الى هذه النتيجة، فما حصل من انتصارات وتسويات في محيط العاصمة دمشق ادخل آلاف المسلحين في حالة ادراك الهزيمة، ما نتج عنه تسوية أوضاع آ لاف المسلحين واستعادة العديد من البلدات الهامة في محيط دمشق وخصوصاً في الغوطة الغربية، وهي منطقة حساسة بجغرافيتها الواصلة بين العاصمة ومحافظتي القنيطرة ودرعا.

خلال كتابة هذه الكلمات وصلتني معلومات عن البدء باتمام تسوية بلدات بيت سابر وبيت تيما وكفرحور، وهي قرى تقع في محافظة القنيطرة وعلى شريط هام يحاذي لبنان وشكل حتى اللحظة خاصرة ضاغطة على قطاع واسع من الجولان ويعتبر خلفية خطرة ضمن احلام التقسيم المطروحة لسوريا، وهو في الحد الأدنى موطئ قدم للكيان الصهيوني ستكون للتسوية فيه آثار ايجابية ترتبط بتحصين خط المواجهة الحالي والمستقبلي بمواجهة الكيان الصهيوني والجماعات الإرهابية المتبقية في اقسام اخرى من الجولان.

مثال آخر هو ما يحصل في الغوطة الشرقية حيث تضيق يوماً بعد يوم مساحة سيطرة الجماعات الإرهابية.

وما اريد توضيحه من هذه الأمثلة اننا بنظرة سريعة الى خارطة سيطرة الدولة السورية يمكننا ملاحظة ان الجغرافيا التي تسيطر عليها الدولة هي منطقة الثقل الإستراتيجي، إن لناحية عدد السكان الموجودين فيها او لجهة الأهمية الإقتصادية والعسكرية. ففي حين باتت الدولة تسيطر على غالبية المدن الكبرى الأساسية والمطارات والموانئ البحرية وشبكة الطرقات الكبرى الرابطة بين المدن، نرى ان مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية هي مناطق معزولة او شبه معزولة وتفتقر الى الترابط في البعد السياسي والإداري والإقتصادي، واذا ما اخذنا بعين الإعتبار المناطق الصحراوية ومناطق البادية والتي هي في الأساس باغلبها مناطق غير مأهولة لوجدنا ان نسبة سيطرة الدولة هي الأكبر.

الخطر الأكبر في مشروع تقسيم سوريا كان يتمثل في اعلان الأكراد فيدرالية "روج آفا"، وهو ما اسميته سابقاً بالحلم القاتل متعذر التطبيق والذي كان احد الأسباب الرئيسية التي دفعت الأتراك الى تغيير سلوكهم السياسي بالإضافة طبعًا الى خسارة حلب التي ساهمت في تثبيت ادراك جديد وتوجه مختلف لدى الأتراك رغم عدم ثباته وامكانية الإلتفاف عليه اذا ما حدثت متغيرات مفاجئة ليست بوارد الحدوث في المنظور القريب.

حتى الأكراد انفسهم وبعد ان راودهم حلمهم القاتل لفترة، يحاولون الإلتفاف على مشروعهم عبر تجميل اسم فيدراليتهم وهو ما حصل منذ فترة قصيرة لإدراكهم بأن تفاهماً تركياً ايرانياً مدعوماً من روسيا حول مجمل الحرب في سوريا سيقلص لديهم من جديد طروحاتهم ويدفن احلامهم، كون تركيا وايران ستكونان من اكبر المتضررين من اي تثبيت للكانتون التركي.

في ادلب المشهد هو مشهد المطمر الذي تم ترحيل من يجب ترحيله اليه، واعتقد ان الأطراف الإقليمية والدولية ستساهم في اللحظة المناسبة في تحويل مطمر ادلب الى مقبرة نهائية للجماعات التي تعتبر الأطراف الإقليمية والدولية انها تشكل خطراً على امنها القومي.

في الجنوب السوري يأخذنا المشهد نحو تطورات متسارعة تتجه نحو التسوية، وهو ما يحصل بشكل دائم اضافة الى ان المناطق الواسعة في الصحراء والبادية السورية هي مناطق عائدة لا محال بعد استكمال العمليات ضد داعش.

ما اريد قوله بعد استعراض مختصر لطبيعة الميدان الحالي ان الجماعات الإرهابية وداعميها فقدوا القدرة على إحداث متغيرات جذرية بموازاة دخول هذه الجماعات في حالة الإنهيار وادراكها عبثية الإستمرار، بإستثناء داعش والنصرة الذين سيقاتلان حتى النفس الأخير وهو قتال لن ينتهي في مدة قصيرة وعلينا ان ننتظر بشأنه بعض الوقت.

وحتى لو خسرت الجماعات الإرهابية المعركة العسكرية، فإننا بالتأكيد سنكون امام محطة خطرة وهي اعتماد الجماعات الإرهابية لنمط الحرب الأمنية على غرار ما يحصل في العراق.

ختاماً، لم تعد الجماعات الإرهابية وداعموها تمتلك قاعدة صالحة لتحقيق مشروع تفتيت سوريا وتقسيمها، وهو الأمر الثابت الذي يؤكد نهوض سوريا رغم ان ما حصل وسيحصل من دمار وضحايا لم يكن بسيطاً لا بل موجعاً ومؤذياً، وهو ما سينقلنا الى التحدي الأكبر وهو عملية اعادة البناء وهي عملية تتطلب الكثير من الجهد والعمل والإخلاص.