تركيا تتحول إلى باكستان ثانية... وأمن ’إسرائيل’ في خطر؟

تركيا تتحول إلى باكستان ثانية... وأمن ’إسرائيل’ في خطر؟

تحليل وآراء

الخميس، ٥ يناير ٢٠١٧

حذرت مجموعة غربية بارزة تعمل في مجال الأمن والاستخبارات من أن الوضع الذي تواجهه تركيا اليوم، هو شبيه بما واجهته ولا تزال تواجهه باكستان، بسبب الدور الذي لعبته بدعم بعض الجماعات الإرهابية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، ما يعني أن تركيا ستبقى تواجه خطر الإرهاب لفترة طويلة بسبب دعمها الجماعات الإرهابية في سوريا. من جهة أخرى حذر باحثون موالون لكيان الاحتلال الإسرائيلي من أنَّ تقليص الدور الأميركي في المنطقة خلال حقبة أوباما وضعت أمن "إسرائيل" في خطر.

هل تتحول تركيا إلى باكستان جديدة؟

توقعت مجموعة "صوفان للاستشارات الأمنية والاستخباراتية" أن تشهد تركيا تكثيفاً للنشاط الإرهابي بعد الهجوم الاخير على الملهى الليلي في اسطنبول. وفي تقريرها اليومي، قالت المجموعة أن الوضع في تركيا مع بداية عام 2017 يختلف بشكلٍ كبير عن العام الذي سبقه، إذ إن المصالحة التركية مع موسكو جعلت تركيا أقرب الى الموقف الروسي في الحرب السورية.كما اضافت بأن هذا التحول في السياسة التركية يؤدي فقط إلى تغيير طبيعة التهديد الذي يشكله تنظيم "داعش" الإرهابي لتركيا.

وأشارت المجموعة إلى أن الهجوم الإرهابي الذي استهدف مطار أتاتورك في شهر حزيران/يونيو الماضي، جاء بعد يوم واحد من الاعتذار الذي قدمته تركيا إلى روسيا بسبب إسقاط الطائرة الحربية الروسية على الحدود السورية مع تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015.كما لفتت الى ان عملية اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة جاء عقب صدور تقارير بأن اجتماعًا سيعقد بين تركيا وإيران وروسيا لبحث الملف السوري.

كذلك تناولت المجموعة معلومات أفادت بأن منفذ الهجوم على الملهى الليلي "رينا" هو من قيرغيزستان، لافتة إلى أن منفذي الهجوم على مطار أتاتورك يعتقد أنهم كانوا أيضًا من جمهوريات سوفياتية سابقة. وتابعت بأن سياسة تركيا التي تسمح لمواطني دول آسيا الوسطى والتي تحوي أعدادًا كبيرة من التركمانيين الدخول الى أراضيها دون تأشيرة، تجعلها تستقطب العديد من المسافرين،"بمن فيهم على الأرجح الأعداد الكبيرة من المتطرفين في الجمهوريات السوفياتية السابقة".

في السياق، قالت المجموعة أن الاحصائيات التي صدرت أواخر عام 2015 أفادت عن وجود خمسمئة مواطن من قيرغيزستان يقاتلون في صفوف "داعش" في سوريا والعراق، وعن وجود 4,700 مقاتل كمجموع العدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة. ونبهت في الوقت نفسه إلى أن روسيا تستهدف المقاتلين من هذه الجمهوريات منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا.

بناء عليه حذرت المجموعة من أن عدد المقاتلين الاجانب من الجمهوريات السوفياتية السابقة، والقرب الجغرافي لتركيا مع سوريا، اضافة الى التحول الجيوسياسي التركي نحو روسيا، كلها مجتمعة جعلت من استهداف تركيا أولوية لدى "داعش".

وحذرت المجموعة كذلك من أن السيناريو الذي تواجهه تركيا، يشبه المعركة المستمرة التي لا تزال تخوضها باكستان مع الإرهاب، وإذ أشارت إلى الدعم الذي قدمته باكستان للجماعات التي كانت تحارب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان خلال حقبة الثمانينات، لفتت إلى أن باكستان بدأت تواجه مشكلة التطرف المتجذر بعد انتهاء الحرب مع الاتحاد السوفياتي وبدء الحرب الأهلية الأفغانية، وهي مشكلة لا تزال تعاني منها باكستان اليوم بعد مرور اكثر من عقدين.كما نبهت إلى أن تركيا كما باكستان، دعمت بقوة الجماعات المعادية للنظام بسبب مصالحها الذاتية ومن خلال تعاون وثيق مع الغرب.

تركيا عاجزة أمام الخطر الإرهابي

من جهته كتب باتريك كوكبورن "Patrick Cockburn" مقالة نشرتها صحيفة "الاندبندنت" قال فيها أن "الحكومة التركية لا تعرف ما عليها القيام به" لوقف الهجمات الإرهابية.

ورجح الكاتب أن تستمر هذه الهجمات بالوتيرة نفسها "بصرف النظر عما تقوم به الحكومة"، لأن "داعش" - بنظره- أكبر من أن تقضي عليه الحكومة التركية، وفق الكاتب.

كما أشار كوكبورن أن "داعش" متجذرٌ في تركيا، ويمكن أن يستخدم المسلحين في الداخل التركي أو إدخال القتلى إلى تركيا من الخارج، لافتاً الى أن التنظيم الإرهابي ربما استخدم هذا الأسلوب بالهجومين على الملهى الليلي ومطار أتاتورك.

الكاتب قال أيضاً أن ما يميز الارهاب في تركيا عن غيرها هي الجهات العديدة التي ترتكب الهجمات الارهابية، وأتى في السياق على ذكر احدى فروع حزب العمال الكردستاني، الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم أودى بحياة 44 شخصًا قبل ثلاثة أسابيع خارج ملعب كرة قدم في اسطنبول، وإلى أنه تم تحميل انصار فتح الله غولن مسؤولية اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة.

وعليه حذر الكاتب من ان جميع هذه الاطراف قوية، ولديها عناصر داخل وخارج تركيا، ولن توقف نشاطها في أي وقت قريب، وفق رأيه،كما لفت إلى أن الهجمات الإرهابية التي شهدتها تركيا خلال العامين الماضيين لم تؤد إلى تضامن وطني بل إلى حالة استقطاب حادة بين القوى الموالية للرئيس رجب طيب أردوغان، وتلك المعادية له، ما يشكل بيئة ملائمة لنمو الإرهاب.

كذلك حذر الكاتب من ان الهجوم على الملهى الليلي يكشف ايضاً بان الهدف هو كسب تعاطف ودعم من اسماهم "الاسلاميين المتزمتين"، مشيراً الى ان العقيدة السلفية "تنتشر في تركيا وتشكل ارضاً خصبة لخلايا "داعش" التي نشأت خلال الاعوام القليلة الماضية".

تنظيم "داعش" أعلن الحرب على تركيا

من جهته كتب الصحفي "Graeme Wood" غرايم وود مقالة نشرت على موقع "DefenseOne"، شدد فيها بأن الهجوم الإرهابي على الملهى الليلي في اسطنبول هو "محوري"، أكثر بكثير من الهجمات السابقة.

ورأى الكاتب أن الهجوم يعني أن "داعش" أنهى حالة السلام مع تركيا، إذ أن التنظيم الارهابي لم يسبق له أن اعترف رسمياً بالوقوف وراء اعتداء في تركيا كما حصل مع الهجوم على الملهى الليلي.

وأضاف الكاتب أن "داعش" هذه المرة قال في بيانه أن "امير المؤمين ابو بكر البغدادي هو الذي اصدر التعليمات لتنفيذ الاعتداء"، ما يعني-بحسب الكاتب- أن أعلى قيادة في "داعش" هي مسؤولة عن الهجوم.كما نبه الى ان الاعتداء على الملهى الليلي جاء بعدما وجه البغدادي مسبقًا دعوة الى شن الهجمات ضد ما وصفها "بحكومة تركيا المرتدة".

لضرورة القضاء على "داعش" عام 2017

في السياق، كتب "Con Coughlin" كون كوغلين مقالة في صحيفة "Daily Telegraph" البريطانية، توقع فيها أن يشهد عام 2017 القضاء على تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، محذرًا في المقابل من أن ذلك سيؤدي إلى تكثيف وتيرة هجمات "داعش" الإرهابية في الشرق الأوسط وخارجه.

وقال الكاتب ان انتقال "داعش" من مشروع بناء "دولة الخلافة" الى شبكة ارهاب عالمية أمرٌ واضح وجلي، عبر الهجمات الاخيرة التي شهدتها اسطنبول وبغداد، معتبرًا أنه يمكن ربط هذه الهجمات بالضغوط المتزايدة التي يتعرض لها التنظيم في العراق وسوريا.

وأشار الكاتب إلى أنه أصبح من الواضح أن زعيم "داعش" "أبو بكر البغدادي" هو الذي اصدر التعليمات بتنفيذ الاعتداء الارهابي على الملهى الليلي في اسطنبول، و كذلك التفجير في العاصمة العراقية بغداد.

ورأى الكاتب أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحمل مسؤولية تكثيف الهجمات الارهابية التي نفذها "داعش" في تركيا خلال العام الماضين، معربًا عن تخوفه من أن يضرب "داعش" أهدافاً غربية رداً على الحملة ضده في الموصل والرقة.

ولفت الكاتب إلى التحذير الذي أطلقه وزير الأمن البريطاني "Ben Wallace" قبل أيام من أن "داعش" يخطِّطُ لشن هجومٍ كبيرٍ ضد بريطانيا تستخدم فيه الاسلحة الكيميائية، مشدداً على ان التحذير هذا يُظهر حجم التحدي.

وبالتالي أكد الكاتب أن تدمير البنية التحتية لـ"داعش" ومعاقلها الارهابية يجب أن تكون الاولوية خلال عام 2017،"وإلا ستحصل المزيد من الأعمال الوحشية" على غرار ما حصل في باريس وبرلين واسطنبول، كما رأى أن وصول الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب الى البيت الابيض يشكل فرصة للتوصل الى اجماع عالمي على هزيمة "داعش".

   أمن "إسرائيل" في خطر؟

من جهة أخرى، كتب المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى "Robert Satloff" روبرت ساتلوف مقالة نشرت على موقع "National Interest"، وجه فيها انقادات حادة الى الرئيس الاميركي باراك اوباما بسبب ما صرحت به إدارته مؤخراً تجاه كيان الاحتلال الاسرائيلي.

ورأى الكاتب ان انتقادات ادارة اوباما لـ"إسرائيل" لا يمكن فصلها عن استراتيجيتها العامة في الشرق الاوسط التي تقوم-حسبما قال- على الانسحاب من "مستنقع" الشرق الاوسط، وإعادة ايجاد التوازن بين ايران من جهة، ومن وصفهم الكاتب "بخصومها السنة، وكذلك خصمها اليهودي" من جهة، اضافة الى ترحبيها الفعلي بروسيا كلاعب كبير في الشرق الاوسط،على حد زعمه.

وتابع الكاتب بان ادارة ترامب لا يمكن ان "تصحح" هذه السياسات، الا اذا اتخذت قرارًا يقضي بتجديد الالتزام "بالقيادة الاميركية للمنطقة"، وتثبيت حلفاءها، وحل الخلافات فيما بينهم، مثل الخلاف المصري السعودي، حيث رأى أن هذه الخلافات هي نتيجة الانسحاب الاميركي من المنطقة.

كما دعا ساتلوف ادارة ترامب الى لعب دور في رسم خارطة المنطقة الشمالية من الشرق الاوسط لفترة ما بعد معركتي حلب والموصل، لافتًا إلى أن الضرر الحقيقي للعلاقات الاميركية الاسرائيلية ينبع مما هو اعمق من قرار لمجلس الامن، او انتقادات الاستيطان، ويتجسد -وفق قول الكاتب- بامتناع أميركا عن لعب دور "القوة العظمى الراعية لـ"إسرائيل"". وأضاف بانه لا يمكن "إصلاح الضرر" الذي الحق بالمصالح الامنية الحيوية لدى "إسرائيل" بسبب سياسات اوباما، إلا في حال كان الرئيس الجديد مستعداً للاستثمار باستراتيجية قيادة أميركية جديدة".