الذئاب المنفردة نمط المواجهة القادمة؟؟.. بقلم: عمر معربوني

الذئاب المنفردة نمط المواجهة القادمة؟؟.. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ يناير ٢٠١٧

 الحرب اللانمطية هو ما تعيشه المنطقة منذ ست سنوات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث لا توجد قواعد محددة ثابتة ولا نمط يمكن من خلاله وضع خطة مواجهة تساهم في القضاء السريع على الإرهاب بكل اشكاله، وهذا ما يفسر الوقت الطويل الذي استغرقته الحرب وعدم تمكن الجيوش النظامية من حسم المعركة سريعًا رغم اننا نعيش المرحلة الأخيرة من المواجهة العسكرية والتي كانت من وجهة نظر منظّري الجماعات الإرهابية وكبار القادة فيها انها على طريق النهاية السلبية بالنسبة لهم، رغم ان هؤلاء انفسهم اعتبروا ان دخول المواجهة مرحلة المواجهة العسكرية كان ضروريًا لحسم المعركة، وهو ما يُؤكد ارتداد نظرياتهم عليهم حيث تشهد المواجهة تراجعًا في مستوى ثبات وقدرة هذه الجماعات على تحقيق اهدافها، وهو العامل الذي سيلزمهم بالتراجع عن نمط المواجهة الحالي والإنكفاء الى المخابئ والشروع بعمليات أمنية تعيد الوضع الى مرحلة شوكة النكاية والإنهاك، وهي المرحلة الأولى التي تليها مرحلة إدارة التوحش ومرحلة التمكين.

على المستوى العملي، استطاع تنظيم داعش ان ينتقل بسرعة من مرحلة شوكة النكاية والإنهاك الى مرحلة ادارة التوحش لفترة قصيرة، وليعلن سريعًا انه دخل مرحلة التمكين من خلال اعلانه لـ"الدولة الإسلامية" مع استمراره بالعمل لتثبيت معالم هذه الدولة وانتزاع الإعتراف الدولي بها، من خلال فرضها كأمر واقع لا يمكن التغلب عليه او تغييره، وانا هنا أتكلّم بشكل رئيسي عمّا حصل في العراق والمنطقة الشرقية في سوريا حيث استطاع داعش بسط سيطرته بسرعة قياسية، سواء من خلال تحقيق الهزيمة بقوات عسكرية عراقية تتجاوز بعديدها عديد فيلق عسكري والإستيلاء على اسلحتها ومعداتها ومنشآتها وما يوازي ثلث مساحة العراق، وهو امر يشكل حتى اللحظة مثار نقاش وجدل كبيرين لم تقدم القيادة العراقية تبريرًا واضحًا له، ما يمكن اعتباره ثغرة كبيرة ستبقى احد عوامل القصور عن هزيمة الإرهاب بشكل نهائي، وهو امر حصل ايضًا في المنطقة الشرقية من سوريا حيث حقق داعش الهزيمة بكل التنظيمات الأخرى وفي وقت قياسي أيضًا.

في المقابل، كانت الساحة السورية مثالًا اكثر نموذجية في الإنتقال من مرحلة شوكة النهاية والإنهاك التي استمرت لفترة ليست بالقصيرة الى مراحل ادارة التوحش، والإنتقال الى مرحلة التمكين التي لم يتم اعلانها بنفس الصيغة التي أعلنها داعش، اي اعلان الدولة او الإمارة.

في كلا النموذجين، بات واضحًا من خلال المتغيرات الميدانية الكبيرة سواء في العراق أو سوريا استحالة استمرار الجماعات الإرهابية في خوض المواجهة على الأسس التي اطلقتها، واضطرارها الى الإنكفاء والبدء بمرحلة مختلفة ستعتمد على العمل الأمني وتحديدًا بنمط الذئاب المنفردة لتصعيب المواجهة على الأجهزة الأمنية، مع الإشارة الى ان التنظيمات الإرهابية ومنذ العام 2000 انتقلت من مرحلة النمط الشبكي الى النمط الخيطي وحاليًا ومستقبلًا الى نمط الذئاب المنفردة.

إنّ انتقال هذه الجماعات من مرحلتي النمط الشبكي والخيطي فرضتها ظروف العمليات، وتمكن الأجهزة الأمنية من تقليص عدد ونوعية العمليات بسبب اكتساب الأجهزة الأمنية للخبرة في التعاطي مع هذا النوع من العمليات.

في تعريف سريع لنمط الذئاب المنفردة، لا نحتاج الى الكثير من الخبرة لتوصيف هذا النمط في حين اننا نحتاج الى الكثير من التعاون والدقة والعلمية لمجاراة مرحلة عمليات نمط الذئاب المنفردة. في التوصيف، هم اشخاص لا يحتاجون الى الإرتباط بالشكل التقليدي للعمل الأمني والقائم على توفير معلومات دقيقة عن الهدف عبر استطلاعه اكثر من مرة، ووضع خطة دقيقة وتوفير الأسلحة او المتفجرات عبر نظام الشبكة، حيث يكفي الذئب المنفرد ان يكون قد مرّ بمرحلة التعبئة العقائدية سواء من خلال الجماعة او من خلال القناعة التي يمكن ان يحصل عليها من ملايين المواد المنتشرة عبر الانترنت لتتكون لديه الدوافع لتنفيذ عمليته. فالسلاح الفردي متوفر من السكين وما فوق، وكذلك المتفجرات التي يمكن له ان يصنعها بنفسه من مواد متوفرة بكثرة في كل بلاد العالم، ويكفي ان يُخضع نفسه لساعات او حتى عشرات الساعات من التدريب لصنع واستخدام هذه المواد من خلال شبكة الانترنت او من خلال التدريب المسبق، علمًا بأنّ الجماعات الإرهابية ستعتمد برأيي على التواصل البعيد مع الذئب المنفرد القائم على مبدأ الفتوى والتوجيه الإعلامي.
ومن اسلحة الذئاب المنفردة الكثير ممّا يمكن ان نتصوره او نعجز عن ادراكه وتصوره، كالدهس وافتعال الحرائق وغير ذلك ممّا يساعد ويساهم في خلق اجواء الرعب والهلع والفوضى وعدم الإستقرار.

والمزعج والمربك أنّ منفذي هكذا عمليات قد يكونون خارج اية شبهة او استعلام مسبق، وهو ما سيصعب عمليات الأمن الإستباقي في كل دول العالم وليس في بلد محدد.

لهذا تطرح هذه الإشكالية الجديدة تحديًا كبيرًا يتمثل في حجم الوجع والألم والأضرار الناتجة عن هذا النمط، وهو ما يتطلب خروجًا عن الأنماط المعتمدة لدى الأجهزة الأمنية والعمل على تحسين شروط وعوامل الإستعلام من خلال الشراكة مع المتخصصين والإعلام والمواطنين الذين يلعبون برأيي دورًا كبيرًا في مجال الإحاطة بجوارهم القريب والتبليغ عن اي مشتبه، وهذا لا يمكن ان يحصل إلّا من خلال حملة توعية عبر الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وتحديد عوامل الإشتباه وتكوين اوسع قاعدة معلومات وبسرعة، إضافةً الى العمل على تحقيق اوسع حالة مشاركة وتبادل معلومات بين اجهزة الأمن وخصوصًا بين العراق وسوريا ولبنان والأردن وايران وتركيا، وهو امر قد تلعب فيه روسيا دورًا ناظمًا ومهمًا كونها تملك علاقات جيدة مع الدول المذكورة وغيرها من الدول التي تقع ضمن دائرة الإرهاب.

*ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.

- بيروت برس