الرئيس عون وجها ً لوجه في السعودية و قطر

الرئيس عون وجها ً لوجه في السعودية و قطر

تحليل وآراء

الخميس، ١٢ يناير ٢٠١٧

( زيارتان اختلفتا في الشكل , وتطابقتا في المضمون , فالإستقبال القطري أبهى و أرقى من ذاك السعودي الباهت الذي عكس عدم الترحيب بصديق وحليف المقاومة , إذ لم يكلف الملك السعودي نفسه كرجل أول عناء الإستقبال , و نأى برجله الثاني وحتى الثالث , وأوكل المهمة لأمير الرياض .. والإجماع اللبناني حول الرئيس لم يشفع له في الشكل , أما في المضمون فإرضاء كبرياءٍ سعودي – قطري , احتاجت معه نتائج الزيارتان تطبيلا ً إعلاميا ً خليجيا ً يوازي فتح الأندلس , فزيارة ملوك و أمراء الإرهاب والجاهلية , لن تغير معادلة ليلى والذئب , وزيارة الحضارة والتاريخ والجمال والعروبة , لن ترفع القدر السعودي - القطري لما يوازي أو يساوي , ونتائج القمتين لم تكن لتتغير لو ناب المختار عن فخامة الجنرال , والتراجع عن القرارات السابقة للمملكة بحضور الرئيس هو استعراض ٌ للوهم وليس للحكمة أو القوة و العضلات الغائبتين ).   
فبعد سنوات طويلة للعبث الخليجي في لبنان , وبعد ضخامة أذرع العملاء , يبدو أن السعودية لم تعد تكتفي بدماء مالها النفطي اللعين , ولم يعد يسعفها حقدها وشغفها بشق الصف اللبناني و إزاحته عن قانون الطبيعة الجيوسياسية الذي يضع لبنان واللبنانيين والمقاومة في الخندق الأول لصد العدو الإسرائيلي , ليس بدافع ما تبقى من أراض ٍ لبنانية محتلة وحسب , و إنما لصد المشروع الصهيوني برمته بدءا ً من الساحة اللبنانية وصولا ً إلى مركز الصراع العربي – الصهيوني في فلسطين و سورية واليمن والبحرين.
وبعد إعتمادها على عملائها هناك لسنوات وسنوات , واللذين يتربعون على عرش نصف السلطة , و بنصف نصف البرلمان , و نصف الجيش , و نصف الأجهزة الأمنية , ونصف الشعب ...
و لم يعد يروق لها تعّقل العقلاء أو ذكاء الخاسرين معها في كل معاركها و حروبها في المنطقة خاصة ً في سورية و اليمن و في الداخل اللبناني على وجه الخصوص , و انحسار دورها الإقليمي , وخروج مصر من عباءتها , ووصول الإرهاب إلى المملكة, و إزدياد وعيده بمعاقبتها وخرابها , هاهي تتراجع عن قرارات أوعقوبات أو محفزات وضعتها بالأساس شروطا ً لدخول الدولة اللبنانية تحت عباءتها , وتراجعت وعن وعود ٍ و إتفاقيات و هبات وقرارات تعسفية تجاه العمالة اللبنانية – سمها ما شئت - والتي حاولت عبرها شراء القرار اللبناني الرسمي , وتراجعت عن قرارها بوقف مساعداتها المالية بقيمة 4 مليار دولار , ثلاثة منها كانت قد خُصصت لتزويد الجيش بأسلحة فرنسية , فيما  ُاعتبر المليون الرابع كدفعة أخيرة من المساعدات السعودية إلى لبنان , والتي كانت قد أوهمت الجيش و أجهزة الأمن اللبنانية أنها الدولة العربية الداعمة والأم الكبرى والمانح السخي و بدون مقابل! ...  
إن توقفها وعودتها لمد ّ الدولة اللبنانية بالمال يؤكد نفاقها وخداعها وأنها لم تكن كما تدعي , وأن كل ريال ٍ قدمته إلى جهة أو فريق أو أشخاص في لبنان ليس إلا ّ مالا ً قذرا ً مخصص ٌ لشراء الوطن والشعب , سعت من خلاله إلى تمرير سياساتها الدنيئة و التي تصرفها في جيوب أسيادها في "إسرائيل" وأمريكا , والذي يحمل هدفا ً وحيدا ً هو تدمير المقاومة اللبنانية وتسهيل عبور المشاريع الصهيو- أمريكية ..
إن إدعائها الدائم بأن ممارسات لبنان لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين , ما هو إلاّ محاولة لشحذ همم عملاء الداخل لممارسة أكبر ضغط ٍ ممكن على الدولة والشعب للحد من موقف و دور المقاومة اللبنانية في صد المشرع الصهيوني و دفعها لسحب مقاتلي حزب الله إلى الداخل اللبناني , والاكتفاء بسياسة النأي بالنفس .

إن قرار السعودية بإنهاء تجميد المساعدات العسكرية للبنان , يدفعنا إلى الوراء ولعشية صدروه , فرئيس الحكومة تمام سلام - اّنذاك- أعرب عن تفاجئه بالقرار , فيما إعتبر المجلس النيابي أن القرار سيادي سعودي , و اتجه سعد الحريري للإعراب عن تفهمه لقرار المملكة , أما حزب الله فأكد –يومها - في بيان : أن القرار السعودي لم يفاجئ أحداً على الإطلاق في لبنان وأن القرار السعودي " يكشف مجددا ً زيف ادعاءاتها الباطلة في مكافحة الإرهاب ويؤكد أن موقفها الحقيقي هو رعاية الإرهاب وتسليحه وتمويله وخلق الفتن والمشاكل أينما كان " .. في وقت ٍ سارعت فيه جوقة الكذب والنفاق الداخلي للإنخراط في حملة الاتهامات الباطلة والتزلف الرخيص للضغط على المقاومة ودفعها إلى تغيير الموقف السياسي الثابت من التطورات والأحداث في المنطقة ..
فما الذي تغير اليوم ..؟؟
إن توقف ضخ المال السعودي في لبنان .. راّه البعض بمثابة إعلان الهزيمة السعودية النهائية في لبنان , و راّه البعض الاّخر بمثابة الفرصة الاّخيرة للعملاء , و لم يخرج قرار التراجع عنه عن الإطار ذاته!..
فالمملكة تسعى لمتابعة الحرب على سورية و حزب الله , وتبحث عن الإنتقام لهزائمها وإرهابييها في الميدان السوري و اليمني , لتلتحق بالركب الدولي الذي يتجه نحو تغيير طريقة المواجهة مع الدولة السورية وحلف المقاومة مجتمعا ً , عبر ما يدعونه "الحل السياسي" , و بعد أن مهّد وزير خارجيتها "عادل الجبير" طريقا ً إلتفافية لتراجع بلاده وإصرارها على هزيمة الأسد عسكريا ً , واللجوء إلى الحلول السياسية و إكذوبة محاربة الإرهاب للإرهاب , ودعمها وحدة و استقرار سورية .
فمن الأهمية بمكان أن تتمسك المملكة بالمواقف الرسمية للدولة اللبنانية و خصوصا ً ما يتعلق بوزارة الخارجية في الجامعة العربية , والمحافل الأممية , وبمجمل المواقف الدولية , التي تعتبرها السعودية لا تصب في مصالحها الخاصة , دون الإكتراث بمصلحة لبنان واللبنانيين , وتسعى لدفع لبنان الرسمي إلى حالة ٍ من التمرد مدفوع القيمة , بعدما طال زمن  انتظارها فعل الندامة اللبناني الذاتي نتيجة التعايش اللبناني مع لعبة الفراغ الرئاسي !؟.
ويبقى تصريح الرئيس اللبناني موضع إختبار لحسن النوايا السعودية والقطرية تجاه نصف لبنان أو كل لبنان , وكل المقاومة , وكافة الأشقاء , إذ يقول :إن " العلاقات مع دول الخليج، وفي مقدمها السعودية، عادت إلى طبيعتها وأن صفحة الخلل التي مرت بها خلال الفراغ الرئاسي ونتيجة الأحداث الإقليمية، قد ُطويت نهائيا ً ".
كذلك وعود أمير قطر للرئيس عون بمتابعة ملف العسكريين المختطفين لدى تنظيم " داعش" الإرهابي , وبتنفيذ ما تم الاتفاق عليه عبر اللجنة العليا المشتركة بين لبنان وقطر.
نتائج هزيلة, ووعود قد تتوقف بقرار معاكس! , و مراهنة خليجية خاطئة على" قوة " رئيس الحكومة اللبناني , وعلى إنزياح الرئيس ميشال عون عن صدقه وصلابته في علاقاته وتحالفاته مع سورية و المقاومة .
 
فأي جليد ٍ تمت إذابته, و أي خلل ٍ طويت صفحاته, وأي صفاء وعمق ٍ للعلاقات, وأي أشقاء !!! تبا ً للمال السعودي - الخليجي القذر, فلبنان الشعب والدولة أرقى من وعودكم ونفاقكم وتطرفكم , ولم يعد منتزها ً وملعبا ً  لكم ولسياساتكم الحاقدة.. ولم يعد مسموحا ً تجاهل أصل لبنان وتاريخه و حضارته و رقي شعبه , فحسبكم صحرائكم وجِمالكم , واتركوا الحياة لمحبيها و مبدعيها في لبنان – الشعب الحي المقاوم – , و اجلدوا واقطعوا الرؤوس بعيدا ً عن هنا , و اعلموا أن تحالف النور والظلام لن يستمر إلى الأبد.