عندما يكون القاتل أمريكياً!! .. بقلم: د. بسام الخالد

عندما يكون القاتل أمريكياً!! .. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

السبت، ١٤ يناير ٢٠١٧

Bassamk3@gmail.com
" إيستبان سانتياغو".. تذكروا هذا الاسم جيداً.. إنه مُطلق النار على المسافرين بشكل عشوائي في مطار فورت لودرديل الدولي في مقاطعة بروارد في ولاية فلوريدا الأمريكية يوم الجمعة 6-1-2017 وقتل خمسة وأصاب عشرة بجروح بليغة وخلّف موجة فزع قاسية أشبه بأفلام الرعب بين المسافرين داخل المطار.
"سانتياغو" مهندس عسكري أمريكي سابق في الحرس الوطني في ألاسكا، وكان يحمل بطاقة هوية عسكرية، بعد أن خدم في العراق من عام 2010 إلى 2011 وسُرّح من الحرس الوطني في آب 2016 بسبب الأداء غير المرضي!
ولأن القاتل أمريكي صرف، وليس مهاجراً ولا عربياً ولا مسلماً، فقد انبرت وسائل الإعلام الأمريكية، كعادتها، للتغطية على هذه الجريمة ووصفتها بأنها هي الأحدث في سلسلة من عمليات إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة، نفذها أشخاص وصفوا بأنهم مختلون عقلياً!
في عام 2015 قام الأمريكي كريج ستيفين هيكس (46) عاماً بارتكاب جريمة قتل مروعة حين أطلق النار على عائلة مكونة من ثلاثة أشخاص في مبنى سكني، بالقرب من جامعة كارولينا الشمالية في "تشابل هيل" وهم عرب أمريكيون (سوري وزوجته الفلسطينية وشقيقتها)
وسرعان ما نشر الإعلام الأمريكي الخبر على الشكل التالي: (مقتل عائلة مكونة من ثلاثة مسلمين) في تمهيد للتخفيف من وطأة الجريمة بعد اتهام العرب والمسلمين بارتكاب جرائم في الغرب ووصفهم بـ (الإرهابيين) وهو تبرير مقبول للرأي العام الأمريكي!
 هذا التوجيه الإعلامي العنصري تسبب بموجة من الغضب العارم في مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة لدى العرب الأمريكيين، حيث تم نشر صور الضحايا مع عبارات تصف الحادث بالجريمة العنصرية، وقارن البعض الجريمة بالهجوم على صحيفة شارلي إيبدو في فرنسا، وكأن الذين قتلوا لا قومية أو جنسية لهم سوى أنهم "مسلمون"، مع أن الضحايا يحملون الجنسية الأمريكية، وهم في المحصلة مواطنون أمريكيون.
وفي وصف الإعلام الأمريكي للقاتل قيل (بأنه ملحد ويكره الأديان).. وهنا إشارة أخرى لتعميق خبر الجريمة بأنها موجهة ضد الإسلام، الأمر الذي يخفف من وقعها لدى الرأي العام على أنها ردود فعل طبيعية للعداء المتنامي ضد المسلمين، وهنا نتساءل: طالما القاتل "ملحد" فلديه دوافعه ضد جميع الأديان وليس الإسلام وحده.. إذاً..  لماذا لم يقتل عائلة يهودية؟!
 بعد أحداث 11 أيلول 2001 والهجوم على برجي التجارة العالمية وتفجيرهما بطائرتي ركاب، حصلت عملية مشابهة عتمت عليها وسائل الإعلام الأمريكية حفاظاً على هيبتها أمام مواطنيها والرأي العام العالمي، لكن القضية تسربت فيما بعد.
منفذ تلك العملية  هو صبي أمريكي 100% اسمه "تشارلز بيشوب"، ليس من أصول عربية أو إسلامية، اخترق كل أنظمة الأمن الأمريكية، حين كان يتلقى تدريبات على الطيران في مطار "كلير ووتر" على بعد عشرين ميلاً من مدينة "تامبا" التابعة لولاية فلوريدا،  وأقلع بطائرته ذات المحرك الواحد، ولم يستجب للتحذيرات وظل محلقاً بطائرته ليستقر بأحد المباني التجارية الضخمة الذي يبلغ ارتفاعه /24/ طابقاً والذي يضم عدداً من الشركات القانونية ومقر "بنك أوف أمريكا" وذلك على غرار الطائرات الانتحارية التي نفذت هجمات 11 أيلول، وقُتل الصبي، وبقي ذيل الطائرة يتدلى من المبنى ليذكّر الشعب الأمريكي بأحداث ما زالت أمريكا تنفق من أجل إزالة آثارها مليارات الدولارات!
هذا الحادث صدم المحللين السياسيين وعملاء المخابرات الفيدرالية والأمن الرئاسي الأمريكي وهيئة سلامة النقل، ومن المفارقات الغريبة أن الطائرة دخلت المجال الجوي لقاعدة (مكديل) الجوية، وهي مقر القيادة المركزية لقوات مكافحة الإرهاب، فماذا تقول أمريكا في هذا الحادث؟!
 سرعان ما تدخلت العقلية الهوليوودية لتفبرك سيناريو مقنعاً لهذا التصرف الذي كشف عن هشاشة إجراءات الأمن الأمريكية، وسارعت أجهزة الأمن نفي أن يكون هذا العمل إرهابياً، لأن الصبي أمريكي أصلي!
 وبالنتيجة خلص التحقيق النهائي أن الصبي تصرف من تلقاء نفسه وأنه غير متزن ويعاني الهلاوس، وأنه يتعاطى حبوباً لمعالجة حبّ الشباب وهذه الحبوب تودي إلى الاكتئاب.. إلا أن جدة الصبي أفادت بأنه كان صبياً هادئاً ومتزناً وأساتذته في المدرسة الثانوية أكدوا أنه لم يكن يعاني من أي اضطرابات بل كان شخصاً مرحاً ومحباً للحياة!
 المخابرات المركزية الأمريكية لم تربط بين هذه الحادثة وحادثتين مماثلتين في ولايتي لوس أنجلوس وكولورادو وقعتا في توقيت قريب من هذه الحادثة نفذهما شخصان أمريكيان أصليان أيضاً.
هي لعبة استخباراتية - إعلامية للمحافظة على الهيبة الأمريكية.. لكن إلى متى تستمر هذه اللعبة في ظل فضائح انهيار القيم الأمريكية التي تتشدق بها.
عندما تتم أي جريمة فيها طرف عربي أو مسلم، تُصنف جريمة إرهابية بلا مناقشة، وعندما تُرتكب جريمة مكتملة الأركان من أمريكي، يتم البحث عن الأعذار ويصنف مرتكبها بأنه مختل أو مهووس.. إلى متى ستبقى صفة (الإرهابي) ملتصقة بـ (العربي) أينما حلّ أو ارتحل؟!