الأردن في خطر؟.. بقلم: عمر معربوني

الأردن في خطر؟.. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٤ يناير ٢٠١٧

ينقسم المتابعون لوضع الأردن بين قائلٍ بأنّ الخطر الحقيقي على الأردن يأتي من إيران، وآخرين يؤكدون ان الخطر قادم من داعش. أما القائلين بأنّ ايران هي الخطر، فهم في الحقيقة يعيشون حالة انفصال عن الواقع، وانا هنا لست محامي دفاع عن ايران او غيرها، ولكن مسارات الأحداث في الأردن تذهب بنا في اتجاهات واضحة لا بل شديدة الوضوح باتجاه توصيف المخاطر الحقيقية التي تحيط بالأردن، فحتى اللحظة يتبدى بوضوح مسؤولية الجماعات الإرهابية ذات البعد "السلفي الجهادي" وعلى رأسها تنظيم "داعش".
وحتى لا أستغرق كثيرًا في طرح وجهة نظر القائلين بالخطر الإيراني لعدم موضوعية الطرح، أكتفي باستعراض مختصر للمقولات التي تشير الى تواجد ايران عبر جماعات تابعة لها بحسب اقوالهم في العراق وفي جنوب سوريا، في اشارة لحزب الله والحشد الشعبي العراقي، متجاهلين تمامًا ان حزب الله والحشد الشعبي يقاتلان عدو الأردن الرئيسي "داعش" الذي يعلن مسؤوليته عن اغلب العمليات الإرهابية في الأردن.
وعليه، فإنّ الكلام عن إيران كعامل خطر على الأردن يبقى ضمن دائرة الإتهام الذي يفتقر الى الدليل والوثائق ويندرج ضمن الحملات التضليلية تحت عنوان العدو البديل.
قبل الدخول بتوصيف طبيعة المخاطر، أودّ الإشارة الى خطبة قاضي قضاة الأردن الشيخ احمد هليل الذي طُرد عبر استقالة مطلوبة من منصبه اليوم، ليشكل طرده جدلًا كبيرًا في الأوساط كافة وفي قطاعات واسعة من الشعب الأردني. فكيف يكون قاضي قضاة الأردن وإمام الحضرة الهاشمية وينتهي أمره بالطرد؟ رغم أنّ خطبته كانت بمثابة استغاثة موجهة الى حكام الخليج لإنقاذ الأردن من محنته المالية ليبقى الأردن آمنًا وحارسًا لبوابة الخليج.
الكثيرون في الأردن اعتبروا استغاثة الشيخ هليل نوعًا من التعدي على كبرياء الشعب الأردني وكرامته، وتصنيفهم استغاثة الشيخ هليل مسًّا بكرامة الأردنيين.
ورغم توصيفه ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا بالكارثة التي لا تخدم إلّا اليهود، إلّا أنّه استهلّ خطبته بوصف فضفاض للمؤامرة والكيد الخارجي الشرقي والغربي والمجوسي والفارسي على حد قوله، وهو وصف لا يخرج عن السياسة العامة للدولة الأردنية نتفهمه وندرك فحواه واهدافه.
الجيد في خطبة الشيخ هليل إشارته الى المستفيد الأول مما يحصل في البلاد العربية، ودعوته الأردنيين الى عدم تكرار النموذج السوري وغيره في النزول الى الشارع، وما يمكن ان يشكل من مخاطر في تفجير الأردن.
الخليج لن يستجيب لاستغاثة الشيخ الهليل، وهو أمر مؤكد فالمطلوب من الأردن مقابل الدعم المالي يتجاوز قدرات الأردن وحجمه.
وبمعزل عن خطبة الهليل، فالخطر الرئيسي على الأردن هو من داخل الأردن نفسه حيث النفوذ المتنامي للحركات المتشددة وارتباطها بتنظيم "داعش"، وهو ما بدأ يظهر عبر سلسلة العمليات الإرهابية التي تعرض لها الأردن وهي عمليات أظهرت أنّ المرحلة التي كانت دولة الأردن تحصر جهدها في مراقبة نمو حالة التعاطف مع "داعش" قد ولّت، وأنّ الأردن دخل في مرحلة اخرى هي تحوله الى ساحة "جهاد" لداعش الذي يقاتل في صفوفه اكثر من 2000 اردني، إضافةً الى حوالي 1000 أردني آخرين يقاتلون في صفوف جبهة "النصرة"، إضافة الى آلاف الناشطين الأردنيين، وهو ما دلّ عليه رفض الكثيرين من أئمة المساجد تأدية صلاة الغائب عن أرواح شهداء العمليات الإرهابية من اجهزة الأمن، إضافة الى ما سبق من اقامة مجالس عزاء لأردنيين يُقتلون في صفوف "داعش" سواء في سوريا او العراق.
بعد سلسلة الهزائم التي تلحق بتنظيم "داعش" في العراق، يبدو أنّ التنظيم بدأ بوضع الأردن على رأس اولوياته، حيث لن يبقى لتنظيم "داعش" بعد تحرير الموصل إلّا منطقة جنوب غربي العراق، وهي تشكل الإمتداد الطبيعي نحو الأردن ما ينقل تهديد التنظيم اكثر نحو السعودية، وهو ما اشار اليه الشيخ هليل عندما قال إنّ انهيار الأردن يعني انتقال التهديد الى السعودية وكافة دول الخليج.
مسألة أخرى لا بد من ذكرها، وهي أنّ العديد من المواقع الإلكترونية المرتبطة بتنظيم "داعش" بدأت حملة على العاهل الأردني ووصفته بالكافر الذي يستحق الموت، إضافةً الى عرض صور للعاهل الأردني مقتولًا في شوارع العاصمة الأردنية، وهو ما تمت تسميته بمراسم الدفن الرمزية ويتطابق مع افكار "السلفية الجهادية" حول موضوع الحاكمية من جهة والولاء والبراء من جهة اخرى. والحاكمية هي قاعدة اساسية في فكر "السلفية الجهادية" تقوم على الكفر بالقوانين الوضعية والحكام والأجهزة والمؤسسات والقوى الأمنية والجيش، وهي الرؤيا نفسها التي طرحها سيد قطب احد اكبر المرجعيات الفكرية لحركة الأخوان المسلمين، والذي تكلم أيضًا عن تقسيم الديار الى دار كفر ودار اسلام وكل هذه الأفكار حاضرة في عقول السلفيين والأخوان المسلمين، حيث للإخوان قاعدة راسخة في الأردن بينما تطور نمو الحركات السلفية منذ بداية التسعينيات وبرز بشكل واضح منذ عام 2011، وهو في حالة تنامي مستمر تلعب فيه الحرب في سوريا والعراق دورًا أساسيًا دون أن نُغفل عامل الأزمة المالية حيث البطالة وتراجع مشاريع الإصلاح وانهيار شبه كامل للطبقة الوسطى، ما يتيح المجال للجماعات الإرهابية ان تستغل حالة الإحباط واليأس التي يعيشها الشباب وتتسلل من خلالها الى عقولهم وتدفعهم نحو التشدد والعنف.
الأزمة المالية التي يعيشها الأردن حاليًا ستشكل مستقبلًا المنصة التي سيعتليها التيار المتشدد، وعليه فإنّ المعالجات الأمنية لا تكفي ولا الإستغاثات تُجدي، ما يحتم عدم الرهان على الخليج والبدء بمعالجات تنطلق من الداخل والإنفتاح على العراق وسوريا كجوار يمكن ان يؤمن للأردن بدائل جدية في الجانب الإقتصادي، وهذا ما يعني العمل على فتح الحدود بين سوريا والأردن عبر الضغط على الجماعات المسلحة في الجنوب السوري من خلال فتح الطريق، وكذك الأمر مع العراق إضافةً الى تفعيل الجوانب الإقتصادية الداخلية عبر رؤى تتناسب مع طبيعة التحديات.
أمنيًا، لا شك أنّ الأردن امام تحديات امنية جدية تستلزم الكثير من الجهد والمتابعة والتنسيق مع سوريا والعراق عسكريًا وأمنيًا نظرًا لوجود حدود مشتركة، ولامتلاك العراق وسوريا قاعدة بيانات مهمة حول الجماعات الإرهابية يمكن أن تساعد الأردن كثيرًا في مجالات الأمن الوقائي والإجرائي.