فريق «بيت ترامب الأبيض»: فصائل بمتاريس متقابلة

فريق «بيت ترامب الأبيض»: فصائل بمتاريس متقابلة

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ فبراير ٢٠١٧

يتحمّل دونالد ترامب المسؤولية الأولى والأخيرة عن القرارات التنفيذية التي أصدرها، خلال الفترة الماضية. وربما هو أيضاً يتحمّل مسؤولية ما قام به فريقه من هفوات وأخطاء، أفضت إلى الفوضى والارتباك اللذين رافقا تطبيق معظم هذه القرارات. الخلافات والتناقضات التي جمعت أعضاء فريقه، كانت أكبر من أن يتمكّن الرئيس وموظفيه من إخفائهاعن الإعلام

في إحدى المقالات المنشورة في صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم السبت الماضي، ينقل مراسلها الرياضي، مارك ترايسي، لقاءً جمعه بالصدفة مع ستيفن بانون، كبير استراتيجيي الرئيس الأميركي دونالد ترامب: «كنت أسير في المطار، عندما رأيت رجلاً بملابس مُهمَلة قليلاً ينتظر رحلته؛ بدا لي مألوفاً، لقد كان ستيفن بانون... يحمل كتاب الأفضل والأذكى the best and the brightest لديفيد هالبرستام، والذي يتحدث عن الأخطاء الاستراتيجية والبشرية، التي ولّدت التورّط الأميركي الكارثي في فيتنام». تلا ذلك حديث تعارفٍ بين الرجلين، وتعليقاً على الكتاب، قال بانون: «لقد طلبت من كل أعضاء الفريق الانتقالي قراءته، إنه عظيم... رؤية كيف أن أخطاءً صغيرة يمكن أن تؤدي إلى أخطاء كبرى لاحقاً».

جرى اللقاء غداة عيد الميلاد، أي قبل تسلّم بانون وبقية أعضاء فريق ترامب مناصبهم، بأقل من شهر. ثمّ دخل هؤلاء إلى البيت الأبيض، في 20 كانون الثاني، وتحوّلوا مع رئيسهم إلى مثال فعلي على كيفية تطوّر «الأخطاء الصغيرة»، إلى أفعال ذات تداعيات كارثية. ولمّا كان ترامب هو النجم وصاحب الدور الأساسي، فقد اختُزل المشهد في سلوكه، الذي غلّف في داخله مشاكل كثيرة تواجهها إدارةٌ يتحكّم بمفاصلها موظّفون يتمتعون، مثله، بخبرة سياسية ضئيلة، وبشهية كبيرة على السلطة، كانت سبباً لاقتتالات داخلية، ولتضارب مصالح، ولفوضى عارمة رافقت كل قرار صادر عنها.

انعكست السذاجة ونقص الخبرة لدى هذا الفريق في كل خطوة كبرى خطاها. وتمثلت في صياغة متسرّعة لكل القرارات التنفيذية، وافتقار عملية إنتاجها إلى مكوّنات أساسية قوامها الدراسة المتأنية والتشاور مع مختلف الأطراف المنوط بها تطبيقها. وقد تجلّى ذلك في العراقيل الكثيرة التي واجهت تطبيقها، وفي ردود الفعل الشعبية التي قابلت عدداً منها، مثل بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، ومنع الدخول المؤقت لمواطنين ولاجئين من سبع دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن الانتقادات الحادة التي طاولت التغييرات في مجلس الأمن القومي.
نظرياً، ظلّ الرئيس الأميركي الجديد مقتنعاً بأن مراحل افتتاح رئاسته كانت جيّدة، وهو لا يزال إلى اليوم يُظهر رضاه عمّا حقّقه. لكن عملياً، بدأ التبديل يطرأ على وجهة نظره هذه، في نهاية الأسبوع الثاني من بداية ولايته الصاخبة. وقد ركّزت معظم وسائل الإعلام على أن السبب وراء ذلك، كان نابعاً من الارتباك الذي رافق تنفيذ قرار حظر السفر المؤقت، وتصاعُد حدّة الهجمات الإعلامية على سياسته، إضافة إلى تعاظم الخلافات داخل فريقه.
ولكن النقطة الأخيرة تبدو كأنها الدافع المباشر والأكثر إلحاحاً وراء تدخل ترامب لإعادة تنظيم فريقه، بما يضمن مروراً مرناً لقراراته التنفيذية التي ستصدر في الفترة المقبلة. «من الآن فصاعداً، سيطّلع الرئيس (أي ترامب الذي نادراً ما يهتم بتفاصيل السياسة والقرارات) على مسودات القرارات التنفيذية في مراحل مبكرة من العمل عليها»، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، لدى تطرّقها إلى التكتيكات الجديدة التي يدرسها ترامب وفريقه، بعد «الزلّات» الكثيرة التي مرّوا بها.
وبالنظر إلى عمق هذه التكتيكات، يظهر تعديل أساسي ربّما كان إحداثُه دليلاً آخر على سوء تنظيم المهمات والتخبّط الذي سيطر على الفريق البيضاوي، خلال الفترة الماضية. فوفق الصحيفة، سيضع ترامب «مجموعة جديدة من الضوابط على السلطة غير المقيّدة، التي تمتّع بها (ستيفن) بانون ومدير سياسة البيت الأبيض ستيفن ميلر، اللذان أشرفا على تنفيذ القرارات». أيضاً في داخل هذا التطوّر، سبب آخر قد يكون وراء قرار ترامب، وهو عدم اطلاعه بالكامل على تفاصيل القرار الذي وقّع عليه، والذي منح بانون بموجبه مقعداً في مجلس الأمن القومي. كان من نتيجة ذلك «شعور الرئيس بإحباط أكبر من ذاك الذي سببته تداعيات قرار منع السفر المؤقت»، على حد وصف «التايمز».

فصيلان متواجهان في الجناح الغربي

في صحيفة «واشنطن بوست»، يصف كل من فيليب روكر وآشلي باركر اجتماعاً لكبار موظفي البيت الأبيض، ألقى فيه ترامب مرسوماً لا لبس فيه: «رينس بريبوس (قيادي سابق في الحزب الجمهوري) هو المسؤول، هو رئيس الموظفين، كل شيء يجب أن يمرّ عبره».
شمل هذا التوجيه وضع حدود أوضح بين الأقسام المختلفة، بهدف إخماد التقارير عن الاقتتال بين الموظفين، الذين كانوا سبباً في إغضاب الرئيس، بحسب بعض المساعدين. بعدها، سعى بريبوس إلى فرض سلطته، وأبطأ وتيرة القرارات التنفيذية من أجل تفادي الأخطاء، كما حاول تنظيم الإيقاعات اليومية في البيت الأبيض.
وبقي ستيفن بانون «المفكر الكبير» في البيت الأبيض، فهو الذي استخدم الفوضى كأداة لتنفيذ «سياسات تحويلية»، وسيكون من الصعب عليه التأقلم مع العمل وفق هيكلية بريبوس.
في غضون ذلك، كان الصخب يتخذ أشكالاً مختلفة ومتنوّعة داخل الجناح الغربي في البيت الأبيض، وقد صوّرته التقارير الإعلامية على أنه مؤلّف من فصيلين متحاربين. الفصيل الأول يضم بانون وكبير مستشاري السياسة ستيفين ميلر، أما الفصيل الثاني فيتألّف من مسؤول الموظفين رينس بريبوس ولفيف نوّابه، والمتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر.
روزي غراي وصفت هذه الفصائل، في مجلة «ذي أتلانتك»، بـ«جناح بريتبارت» (نسبة إلى الموقع الإلكتروني المحافظ الذي كان يديره بانون)، الذي يمثّل عقيدة وإيديولوجيا خاصة، في مواجهة «جناح واشنطن»، الذي يتضمّن بريبوس وسبايسر، واللذين يمثلان الحزب الجمهوري.
أما رايان ليتزا، فقد رأى في مجلة «نيويوركر» أن القرارات التنفيذية المتخذة تعكس فرعين من الترامبية، التي تسعى إلى السيطرة على الإدارة الجديدة. وقسّم نوعية القرارات بحسب مُعدّيها، فوضع مرسوم حظر السفر المؤقت في خانة الـ«بانوني» بامتياز، والكارثي من البداية إلى النهاية، ولا سيما أنه جرى تحضيره بسرية من قبل مجموعة صغيرة من مساعدي البيت الأبيض، وطُبّق بطريقة أدّت إلى أكبر قدر من الفوضى والارتباك. في مقابل ذلك، وصف ليتزا «طرح ترامب لمرشحه للمحكمة الدستورية»، بـ«الناجح»، بسبب صدوره عن مكتب استشارات البيت الأبيض، و«هي جزيرة خالية نسبياً من سيطرة بانون، وقد جرى تشكيلها من قبل بريبوس».

قرار منع السفر «المبتور»

عندما أعلن دونالد ترامب، يوم الجمعة في 27 كانون الثاني، أنه سيفعّل إجراءات صارمة جديدة من أجل منع الهجمات الإرهابية، كان هناك عدد قليل من أعضاء إدارته على اطلاع على ما كان يشير إليه. لم يكن مسؤولو الإدارة متأكدين من الدول التي سيُمنع مواطنوها من دخول الولايات المتحدة، بينما وُضعت وزارة الأمن الداخلي أمام واقع وضرورة إجراء تحليل قانوني لقرار ترامب، بعدما وقّع عليه، وذلك بهدف تدارك آثاره والالتحاق بركب تطبيقه، بما توفّر من معلومات.
يمكن تلخيص الارتباك والفوضى اللذين رافقا تطبيق هذا القرار، بأنهما انعكاس لما تقدّم من سوء تنظيم وتسرّع في التنفيذ. ولكن على الجانب الآخر، من السهل وصف القرار بأنه الأكثر إظهاراً لانقسام فريق البيت الأبيض لجبهات داخلية متقاتلة، وللاستئثار بالسلطة التي يسعى إليها بعض أعضاء هذا الفريق، والتي كانت منطلقاً للمواجهة بين ستيفن بانون ووزير الأمن الداخلي جون كيلي.
وبحسب ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، نشب خلاف بين الاثنين على خلفية مطالبة كيلي بإجراء «مراجعة منطقية»، تتطلّب إصدار استثناء للمقيمين الدائمين (حاملي البطاقات الخضراء). ولمّا كانت الأخطاء المبكرة الصادرة عن إدارة ترامب مزيجاً من الغطرسة وانعدام الثقة، فقد شكل أداء بانون مثالاً واضحاً لذلك. وقد وصل به الأمر إلى حد إعطائه أمراً لكيلي بعدم إصدار بيان بخصوص استثناء حاملي البطاقات الخضراء، إلا أن هذا الأخير لم يُذعن. ووفق مسؤولين في الإدارة الأميركية مطلعين على المواجهة بين الرجلين، كان ذلك بداية مفاوضات جرت، خلال نهاية الأسبوع، بين موظفي إدارة ترامب، وأفضت يوم الأحد في التاسع والعشرين من كانون الثاني، إلى قرار بتغيير عملية إصدار القرارات التنفيذية. يومها، التقى رئيس الموظفين رينس بريبوس بالموظفين الكبار في البيت الأبيض، وأعلن إيقاف كل القرارات التنفيذية الباقية، حتى يتم وضع آلية تضمن إشراك المسؤولين الأساسيين من خارج البيت الأبيض في اتخاذها، أي من الوزارات والوكالات الفدرالية.
بريبوس كان ولا يزال يقوم بالمهمة التي سلّمه إياها رئيسه؛ وبانون، أيضاً، لا يزال يتمتّع باستخدام السلطة التي منحه إياها هذا الرئيس. نفوذه يتعاظم؛ وقد استقدم، أخيراً، اثنين من الموظفين السابقين في موقع «بريتبارت» إلى البيت الأبيض. كما من المتوقع أن تنضم إليه المتحدثة باسمه ألكسندرا بريت، لتعمل معه في مجال الاتصالات وكمسؤولة عن موظفيه. يمكن بناء الكثير على خطوة كهذه، فهي تحمل مؤشرات عدة على سعي بانون لإنشاء متراس خاص به، خارج سيطرة بريبوس، كما تنطوي على بوادر نزاعات جديدة داخل «بيت ترامب الأبيض».

تبرير ونفي

نفى المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر (الصورة)، ما أوردته صحيفة «واشنطن بوست» حول وقوع جدال بين جون كيلي وستيفن بانون، مؤكداً أن الرجلين تحدثا في 27 و29 كانون الثاني حول قرار الحظر الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب، لكن لم يقع أي خلاف بينهما. وفي حديث مع «هافينغتون بوست»، أكّد سبايسر أن القصة بأكملها «ملفقة، ولا صحة لها»، معتبراً أن الصحيفة «تفتقر إلى المهنية لأنها لم تتواصل مع البيت الأبيض قبل النشر».
من جهتها، أضافت الصحيفة توضيحاً في أول التقرير الذي نشرته، قالت فيه إنها أخطأت لأنها لم تتواصل مع البيت الأبيض قبل النشر، وأشارت إلى أن سبايسر نفى أن يكون بانون قد سافر للقاء كيلي، وأن هناك انقساماً في فريق ترامب. وقال محرر صفحة الرأي في «واشنطن بوست»، فريد هيات، إن الصحيفة ما زالت تصرّ على أن خلافاً وقع بالفعل، لكنها تعترف بأنها أخطأت في «مكان ما... وبالتالي قررنا نشر ملاحظة في أول الصفحة وتصحيح الخطأ. نحن نحاول أن لا نرتكب أي أخطاء، ولكن ذلك يحصل. قررنا أن نتحمّل المسؤولية وأن نتعاطى مع القرّاء بشفافية تامّة». أما كيلي، فشدد على أن «كل فقرة، كل جملة، كل كلمة، كل فاصلة، كل نقطة... خطأ. المقال كله عبارة عن قصة من نسيج الخيال».