إلى ترامب والإصلاحيين... هنا سورية.. بقلم: سمير الفزاع

إلى ترامب والإصلاحيين... هنا سورية.. بقلم: سمير الفزاع

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ فبراير ٢٠١٧

ترامب، من هو، وماذا يريد من سورية والعالم؟ ماذا عن التباينات بين سورية وروسيا وإيران؟ ولماذا؟... تلك الأسئلة وغيرها، سأحاول تقديم بعض الإجابات الصريحة والمباشرة عنها.
يتبع القرصان بحركته "العسكريّة" مفهوم الإغارة، لتكون: خاطفة، محدودة المدى والإمكانيات، قوة صغيرة وأهداف كبيرة، الحركة الدائمة... وكما هي عادة القرصان، يحاول ترامب أن يأخذ أمريكا إلى موقع الحصاد بعد أن توقفت شبه متفرجة ميدانياً... مكرراً الأمر ذاته الذي مارسته أمريكا في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ حيث تدخلت بعد مضي سنوات من اندلاعهما، ليتحقق لها عدة ميزات، مثل: إنهاك المتقاتلون، الحالة التي استقرت عليها موازين القوى، الإصطفافات وحدود الاشتباك... .
ما يجري في أمريكا ليس انقلاباً على بنية عميقة مستقرة منذ عقود بعيدة؛ بل هي محاولة لاستعادة البنية العميقة للدولة من تحالف داخلي سيطر عليها بعد ظهوره عقب الحرب العالمية الثانية، وتحديداً مع بداية الانتشار الإمبراطوري الأمريكي، والسيطرة على النفط ومنابعه وطرق نقله وأسواقه... وصولاً إلى "تغول" القوى المالية-النفطية-العسكرية-الأمنية وسيطرتها على أمريكا بكافة مفاصلها، السياسية والإعلامية والإجتماعيّة... كان هذا واضحاً جداً في الرسالة الوداعية للرئيس الأمريكي" دوايت إيزنهاور" العام 1961، والتي حذر فيها من آثار الإنفاق العسكري الهائل، حيث:" أدى إلى إنشاء مجمّع صناعي عسكري-إقتصادي سياسي، يصل نفوذه إلى بعيد في وطننا، ويؤثر على بيئته الإجتماعية، كما يؤثر على إتجاهاته، وذلك يشعرني بالقلق الشديد... وعليّ أن أقول صراحة، إن هناك مجموعة صناعية عسكرية-مالية سياسية وفكرية، تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأميركية... فإننا لا بد وأن نحذر من وصولها إلى موقع التأثير المعنوي والسياسي والعملي على القرار الأمريكي، لأن ذلك خطر شديد على المجتمع الأمريكي قبل أن يكون على غيره. وأود أن ألفت النظر إلى أنه إذا وقع القرار الأمريكي رهينة لمثل المجمع الصناعي العسكري وأطرافه، فإن الخطر سوف يصيب حرياتنا وممارساتنا الديموقراطية، كما أنه قد يصل إلى حجب الحقائق عن المواطنين الأميركيين، والخلط ما بين أمن الشعب الأميركي وحرياته وبين أهداف هذا المجمع وأطرافه ومصالحهم...". وهذا ما كان عندما اغتالت هذه البنية الجديدة المتوحشة أول رئيس أمريكي خَلَفَ إيزنهاور، الرئيس كندي، عندما حاول الحد من نفوذ هذا التحالف والانفتاح على موسكو. لذلك عندما قال ترامب بعودة أمريكا إلى أمريكا، توجه بالنقد المباشر لمكونات هذا التحالف في المؤسسة العسكرية والإعلام والأجهزة الأمنية والمؤسسات السياسية التقليدية... ومنها حزبه الذي جاء منه. ولكن هذا لا يعني أن واشنطن ستنكفئ تماماً عن الخارج، وإنما ستضبط حركتها وفق أجندة سياسية تُسخر العسكر والنفط ورجال الاستخبارات والصناعات العسكرية... لصالح مشروع سياسي "أمريكي" وليس العكس. وللأسف، ما من مشروع أمريكي متاح لترامب ومن يُمثّل سوى مشروع القرصان "مورغان"!. وكما قال ترامب، ستحافظ واشنطن على بعض العلاقات التقليدية وتنسج أخرى جديدة، أي سيحاول ترامب وفريقه الحاكم تلمس طريقه -في الداخل والخارج- بالصدام والتصعيد مرة وبالتنازل مرات، والسبب بين المرة والمرات يعود إلى تآكل القوة وضعف القدرات... الم يكن لافتاً هذا الكم من التصريحات الأمريكية والغربية عن تخلفها التقني-العسكري وتردي وضع المؤسسة العسكرية فيها؟.
من المستبعد أن تغامر الإدارة الجديدة بفتح معركة مع سورية وحلفائها في روسيا والصين وإيران ومحور الحركات المقاومة... ببساطة، لأن هذه المعركة تستدعي الإجابة على سؤال بسيط وحاسم: من هم حلفاء واشنطن فيها؟ عندها إما أن يتراجع ترامب عن كل ما أعلن عنه أو أن يدخل شبه وحيدا في مواجهة مع حلف منتصر على الإدارة التي سبقته... وإذا ما دخل هذه المعركة، فأي فارق بينه وبين تلك الإدارة التي فاز عليها؟ وعليه، يكون الحديث عن المناطق الآمنة -أو أي محاولة أمريكية تصعيدية أخرى- مجرد تلمس لطريق أمريكا المحفوفة بالمصاعب والإخفاقات من جهة، والتحديات والتنازلات من جهة ثانية، ونوع من استطلاع الخطوط الحمر في ميادين المواجهة سواءً في سورية أو إيران أو فلسطين وغيرهم، وإجراء استباقي يرمي لوضع خطوط حمر بوجه التحالف المنتصر في الحرب على سورية للحلول دون "تمادي" هذا التحالف في حصد آثار انتصاره في ميادين وساحات جديدة قد تكون في العراق واليمن وفلسطين...وجهد إعلامي وسياسي للتخفيف من التأثير الروسي على الداخل الأمريكي، ومحاولة لتخفيف الضغوط السياسية والإعلامية والشعبية... المحليّة على إدارة ترامب. بالرغم من كل ذلك، يجب أن نكون في غاية الحذر والاستعداد عند التعامل مع هذه الإدارة، خصوصا وأنها تمثل في خطابها النشأة الأولى لأمريكا، وهنا يجب الحديث باختصار عن تلك النشأة عبر مثال واقعي لرجل من التاريخ الأمريكي اسمه "مورغان". مورغان قرصان "أمريكي" كان يُغير على سفن القراصنة التي تُهاجم السفن التجارية لتستولي على حمولاتها... فبدلاً من أن يقوم مورغان بهجمات ومواجهات كثيرة مع السفن التجاريّة تجعل منه قرصان كبقيّة القراصنة... كان مورغان يغير على سفن القراصنة أنفسهم، فيأخذ بأقل وقت ممكن وبأقل عدد من المواجهات ما جمعه هؤلاء القراصنة من عدة سفن بضربة واحدة، مع غطاء "أخلاقي" مبتكر، بأنه يقاتل القراصنة لا السفن التجارية... ومورغان هذا جمع الثروة التي أسست لظهور اكبر شركات المال في أمريكا والعالم، مورغان-ستانلي، والتي ساهمت بدورها في بناء "أمريكا الحديثة". ستحاول أمريكا ترامب السطو على السفن التجارية الكبيرة والعارية من الحصانة –البقرة الحلوب في السعودية مثلاً-، وعلى من تعُدهم قراصنة إن إستطاعت، إيران نموذجاً. وستبدأ بالقراصنة "الأضعف" و"الأسوأ" سمعة، ومن سيكونوا غير القاعدة وداعش والنصرة وتفرعاتهما، الغارة في اليمن مثالاً... مع محاولات مستمرة لحصد "الغنائم" بابتزاز المتضررين من بقائهم –القاعدة وتفريعاتها- في سورية وروسيا وإيران والصين وأوربا... لكنه لن يدخل في مواجهة فعلية مع "السفن التجارية" التي تحرسها الأساطيل القوية؛ كونه قرصان يدير أسطولاً بحجم أمريكا أولاً وأخيراً، ولأن سفينته تضررت جداً لكثرة معاركها، ولأن القراصنة على هذه السفينة شاخوا كما شاخت مدافعهم في الوقت الذي تطورت فيه مدافع السفن التي قد يفكر بالإغارة عليها.

* "الإصلاحيون" في إيران وسورية:

حاول البعض أن يحول الحرب على سورية إلى صراع عليها قد تكبر فيه حصته منها أو تصغر، ولكن القيادة السورية حولته إلى صراع مع سورية... ومن هذا الباب استدعت سورية حلفائها، ودوماً حسب تطور هذا الصراع وارتفاع حدته، ولكنها في كل مرة كانت تضع حداً واضحاً حتى بوجه أقرب الحلفاء. وبين الصراع على سورية أو معها، تتجلى الصورة الحقيقية للسيادة الوطنية واستقلال القرار بأبهى صوره، حتى وإن كانت جيوش الكون بأسره تتقاتل على الأرض السورية.

منذ انتخابات الدورة الرئاسيّة الثانية للرئيس الثائر "نجاد"، تجلّى بوضوح تيار تغريبي بكل ما للكلمة من معنى، وللتخفيف من وقع الكلمة، اصطلح على تسميته بالإصلاحي. لقد طرح "الإصلاحيون" بوضوح جملة عناوين يتناقض بعضها تماماً مع بديهيات الثورة الإسلاميّة الإيرانية، وأنتقل الخلاف إلى الشارع، ليشارك فيه عدد كبير من رموز الإصلاحيين وأبنائهم ومريديهم، حيث إعتقل مثلاً إبنة وأبن الراحل "رافسنجاني". ومع مجيء الثنائي روحاني-ظريف، ظهرت توجهات هذا التيار بشكل أوضح، فمثلاً، إلى جانب كونه ترأس منظمة العمل الإسلامي ودول عدم الإنحياز، تكاد الفترة الرئاسيّة الأولى للشيخ روحاني أن تنتهي دون أن يسجل زيارة واحدة لسورية، وغيرها الكثير من الملاحظات القاطعة. بصراحة، حاول الجناح الإصلاحي في إيران أن يبسط سيطرته على القرار السوري، أو بأن يحوز على جزء حاسم فيه بالحد الأدنى، وأن ينقل العلاقة معها من التحالف إلى "الوصاية" لتحقيق عدة أهداف كبرى، منها:
1- تسجيل نصر حاسم على التيار الثوري في الداخل الإيراني من خلال فرض نظرته لطبيعة وخواتيم الصراع القائم في سورية والمنطقة، والذي سيكون له أبلغ الأثر في تشكيل البُنى الوطنية والإقليمية والدولية مستقبلاً.
2- تحجيم علاقات التيار الثوري الإيراني بالإقليم، وخصوصاً مع سورية ولبنان، عبر بسط سيطرته على أحد أهم حلفاء هذا التيار في العالم، سورية.
3- إتمام مسار التسويات الذي بدأ مع الاتفاق النووي ومحاولة تبريد صراعات تاريخيّة لن تموت –الصراع ضد الكيان الصهيوني مثلاً- لإضعاف هذا التيار في إيران والمنطقة... وصولا إلى تقاسم المنطقة مع تركيا أردوغان، في إطار الإنفتاح على الغرب والتصالح معه عبر نافذة الاتفاق النووي... ما سيؤسس أيضاً، لتقليص النفوذ الروسي المستجد، وهو إغراء مهم للغرب لتبني الإصلاحيين في إيران والعدالة والتنمية في تركيا كوكلاء لإدارة المنطقة!.
4- تصدُّر المشهد الإعلامي والسياسي عوضاً عن التيار الثوري الذي تصدّرَ المشهد بالمواجهة المباشرة وغير المباشرة مع مشاريع واشنطن والغرب في الإقليم... ونسب إنتصارات غير واقعيّة لهذا التيار، مثل حماية دمشق وبغداد من السقوط في يد الإرهابيين!؟.
5- تعويم تركيا مقابل النفوذ الخليجي والمصري والروسي... ضمن الحرب على سورية، والصراع على المنطقة، وهذا الأمر ظهر بوضوح منذ طرحهم دستور التقاسم الطائفي في سورية قبل عامين تقريباً، وصولا لاتفاق الزبداني-كفريا والفوعه... .
5 رفضت سورية الدستور الإيراني ونبّهت روحاني وظريف بأنهم لولا صمود سورية لما جلسوا في مفاوضات 5+1 النووية، وجعلت من تفاهم الزبداني-الفوعه نقطة فاصلة في الحرب على سورية؛ إذ استدعى الرئيس بشار حافظ الأسد روسيا لدعم سورية في حربها على الإرهاب، ومواجهة التدخل الأمريكي-التركي-الغربي الذي صار مباشراً على الأراضي السورية، ولموازنة الحضور "الإيراني" ومنع العلاقات معها أن تتحول من التحالف إلى الوصاية.

* كلمة أخيرة:

بكل تأكيد، لكل من وقف إلى جانب سوريّة مصالح هامّة دفعته للإشتراك بالدفاع عنها؛ سياسياً وعسكريّاً واقتصاديا... ولكن لا يمكن لهذه المصالح وحدها أن تفسر كلّ المشهد، ومن غير المسموح لها بأن تفسر كلّ المشهد... لأن في ذلك إهانة للأبعاد الأخلاقية والإنسانية والحضارية والنضالية... وليس أدق وأجمل من كلمات السيد حسن نصر الله في ذكرى أسبوع الشيخ الجليل حسين عبيد، عندما "نبّه" بكلمات واضحة وغاية في الأدب، أصحاب "دعوات" حماية دمشق وبغداد سواء في طهران أو موسكو، فأسكتني عن الكثير من الكلام الذي سيوجعهم، عندما قال:"نعم، مساعدة الأصدقاء سواء كانوا في روسيا أو في إيران أو في حزب الله أو أيّ كان، هي عامل أساسي ومهم، ولا نتنكر له... ولكنّ العامل الأول –إذا حكينا بالأسباب البشرية- هو العامل السوري، وهذا لا يجوز أن يخفى على أحد عندما يصدر بياناً أو تصريحاً أو يقدم تقييماً هنا أو هناك