وحدة الجبهات والإرادات من عدن إلى عرسال..بقلم: عمر معربوني

وحدة الجبهات والإرادات من عدن إلى عرسال..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الجمعة، ٣ مارس ٢٠١٧

عندما يكون عنوان المقالة من عدن الى عرسال هذا يعني عند البعض استفزازًا، ويشكل عند البعض الآخر مخاوف، وعند البعض أيضًا مقاربة لحقيقة الصراع.  فالذين تستفزهم هكذا طروحات يقولون ايضًا بضرورة رص الصفوف بمواجهة العدو، انطلاقًا من التموضعات والإصطفافات ولا يخجلون من ذلك عندما يتعلق الأمر بهم، رغم انهم اصحاب شعار "أولًا" وهو بحد ذاته شعار تقسيمي يمسّ الأبعاد الوجدانية والتاريخية والثقافية للأمة من خلال تحفيز الشعور الكياني الضيق على حساب الشعور الشامل الأوسع.

شعار "أولًا" لم يأتِ بالصدفة، إن لناحية توقيت طرحه او لناحية العمل على تثبيته، فالمنطقة تعيش انفجارًا كبيرًا لم تصنعه شعوب المنطقة بالتأكيد وانما هو من صنع الناهب الدولي بقيادة اميركا وادواتها على مستوى الحكام والجماعات الإرهابية.

هذا الشعار هو ترجمة لمنطق وسلوك القرابات القائم على الإنغلاق وتشجيع الإنفصال حتى في بعده الوجداني، لهذا تحاول قوى الهجمة تمزيق الدول التي لا تزال تدعو الى فكر الوحدة ووضعها في حالة مريعة من القتل والدمار ليسهل اركاعها وتطويعها لاحقًا.

قد تكون المقدمة غارقة في الوجدانية لكنها في الحقيقة برأيي تقارب الموضوع الأساسي للصراع المرتبط بعملية طمس الذاكرة ومحو التاريخ، وهو مشروع الصهيونية التاريخي الذي توضع من اجل تحقيقه كل الإمكانيات عبر اعتماد انماط جديدة من الحروب تندرج في سياق حروب الجيل الرابع، التي بدأت من خلاله قوى النهب والهيمنة باعتماد تسليح الأوباش والحثالة من الشعوب المستهدفة بعد إخضاعها لعمليات غسل دماغ تحت عناوين الفكر الديني المتشدد، وهي افكار تظهر بقوة بالتزامن مع كل غزو تتعرض له المنطقة. فليس بريئًا تزامن ظهور الوهابية مع اتفاقية سايكس – بيكو، ولا بريئًا الإحتضان المتزامن للحركة الصهيونية وحركة الأخوان المسلمين من قبل بريطانيا ووضعها اولًا في مواجهة المشروع القومي النهضوي وتاليًا في مواجهة الرئيس جمال عبد الناصر في مصر والحركة التصحيحية في سوريا، وفي مواجهة اي حالة وحدوية تنويرية، وما يحصل في المنطقة لا ينفصل عما حصل على امتداد قرن من الزمن تؤكده الإصطفافات والوقائع وسير الصراع.

المشروع في عناوينه الأساسية لم يتغير، في حين أنّ الأدوات يتم تعديل مسمياتها وآلياتها حتى ايجاد العدو البديل للأمة ليس بجديد، وهو نتاج عمل دؤوب قامت به طلائع المستشرقين التي وفدت الى المنطقة تحت العناوين المعرفية في ان دورها كان استطلاعيًا بحثيًا يرتبط بفهم تركيبة المنطقة وتبايناتها ونقاط الضعف فيها للتسلل من خلالها الى الشعوب وحرفها عن مسارها الحقيقي، وهو مواجهة الصهيونية على المستوى العام وإبعادها عن مفاهيم الصراع الطبقي لعدم تمكينها من معرفة عدوها الحقيقي، لهذا تم اغراق الشعوب بسيل من التضليل ساهم فيه شيوخ الفتنة بحيث بات العدو هو كل من يخالف رأيك حتى لو كان من نفس دينك.

وحتى لا اطيل في هذا الجانب، ادخل الى المباشر حيث تمت عملية الفرز الواضحة في البعد الصراعي على اساس الإصطفاف بين محورين، هما في حقيقتهما محوران سياسيان يراد ان يأخذا الطابع المذهبي لتسهيل ترويج فكرة العدو البديل التي تم وضع امكانيات وقدرات غير مسبوقة للوصول فيها الى نهايات تسفر عن تعزيز شعور الإنقسام، وصولًا الى تثبيت الكيانات على اسس مذهبية واثنية وطائفية.

من عدن الى عرسال مرورًا بالعراق وسوريا والى ليبيا ومصر، المشروع نفسه والهدف نفسه وهو الوصول بهذه الدول الى مصاف الدول الفاشلة مقدمة لتفتيتها دستوريًا وقانونيًا والبدء بمرحلة الإعتراف بالكيانات الجديدة الطائفية والمذهبية والإثنية.

وإن كان المشروع نفسه والفهم نفسه فهذا يرتب على من يقاوم في هذه الدول ان يبدأ بالذهاب، اقله في الجانب الفكري الى الولوج في مرحلة التنسيق المباشر، وهي المقدمة الطبيعية للذهاب اكثر نحو وحدة ارادات وجبهات جدية للتمكن من تجاوز عقدة الجغرافيا كحاجز يمنع التواصل ربما بين اليمن وسوريا ولكنه لا يمنع هذا بين ليبيا ومصر ولا بين العراق وسوريا وسوريا ولبنان.

إنّ الوصول الى هذه المرحلة سيساعد في تقليص فترة المواجهة كثيرًا ودونه الكثير من العوائق، اساسها الإنقسامات السياسية كما في لبنان والعراق حيث يوجد تباينات كبيرة تمنع تشكل هذا الواقع. لهذا، فإنّ الوصول الى مرحلة وحدة الإرادات والجبهات وهي المرحلة الضرورية لتحقيق هزيمة نهائية في المشروع المعادي وادواته لا تزال البعيدة بعض الشيء، ما يعني ان المواجهة ستبقى في شكلها الحالي حتى تحقيق عملية الربط الأولى بين العراق وسوريا، وهو الطريق الذي ستحدث حوله وعليه اغلب المعارك القادمة. واذا ما استطاع محور المقاومة تحقيق عملية الربط، حينها يمكننا القول اننا دخلنا مرحلة بدايات الهزيمة الكبرى للمشروع المعادي وسحق ادواته في كل اماكن الصراع، وهو ما ستترتب عليه متغيرات جيوسياسية كبيرة وغير مسبوقة على مستوى العالم وليس المنطقة وحسب، ويتحقق ما طرحه الوزير لافروف في مؤتمر ميونيخ اننا دخلنا في عالم ما بعد الغرب وهو بالفعل ما يحدث ولكن نتائجه النهائية لن تكون بمتناولنا الا بعد سنوات من انتهاء الصراع.

*ضابط سابق  -  خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.

بيروت برس