الإرهاب والتطرف وما بينهما .. بقلم: د.عبد الله السويجي

الإرهاب والتطرف وما بينهما .. بقلم: د.عبد الله السويجي

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ مارس ٢٠١٧

لكثرة ما استُخدمت كلمة إرهاب في الخطاب السياسي والإعلامي العالمي بمعان مختلفة وفي مواضع وسياقات متباينة، طالب كثيرون بتعريف الكلمة أو المصطلح حتى لا يتم إلصاقها بديانات أو مذاهب أو مجموعات معينة لا تمارس الإرهاب المادي كغاية أو وسيلة. وفي السياق ذاته، باتت كلمة التطرف أو المتطرف تُستخدم بشكل عشوائي وخرجت عن سياقها، فأصابت كثيرين بسهام غير عادلة أو جانبها الصواب، وبذلك، تكون الكلمتان، الإرهاب والتطرف، في حاجة ماسة لوضع تعريف واضح لهما، آخذين في الاعتبار أن التطرف لا يعني المحافظة أو التقليدية أو الأصولية، وأنه لا يرتبط بالخطاب الديني فقط وإنما يشمل كافة مناحي الفكر الاجتماعي والديني والإنساني بشكل عام.
وعلى الذين يوجهون هذين المصطلحين كتهمتين أن يدرسوا المجتمعات التي تمارسهما، إذ هنالك فرق بين مجتمعات تزيد فيها الأمية على 30 أو 40 في المائة، ومجتمعات لا تزيد فيها الأمية على 2 % أو تكاد تخلو من الأمية. فالمجتمعات الأولى تمارس ما يسمى التطرف عن جهل، فقد نشأت ضمن تعاليم وأفكار وأعراف شديدة وصارمة ولم تتغير لأن التعليم لم ينتشر والثقافة لم تزدهر فيها، أما المجتمعات الثانية المتعلمة التي تمارس التطرف فإنها تمارسه بقصدية وعن وعي وإدراك، وهنا مكمن الخطورة. فإذا اعتبرنا التمييز تطرفاً أو من معانيه، فإن ممارسته في المجتمعات المتعلمة تنبع من رؤية مغلقة للبشر وتعتبر ذاتها أرقى وأكثر تحضراً، فالرجل الأبيض قديماً، في أوروبا وأمريكا كان يمارس التمييز والعنصرية بدافع اللون، معتبراً اللون الأبيض هو الأنقى، وبالتالي يجب أن يتسيد ويستعبد أصحاب البشرة السمراء أو السوداء، ولا تزال هناك مجموعات تعيش في تلك المناطق تمارس أفكارها ومبادئها ولا تنظر باحترام إلى الشعوب الملونة.
وفي السياق ذاته، هناك التمييز الديني الذي يفرق بين الأديان، ويعتقد كل صاحب ديانة أنه الأكثر صدقاً وحقيقة وبالتالي لا ينظر إلى أتباع الديانات الأخرى نظرة احترام، وبالتالي لا يتقبلها، وهذا يقود إلى صدامات فكرية وأخرى عنيفة، أي تصل إلى مرحلة الإقصاء.
إذاً، التطرف يقود إلى عدم قبول الآخر وإقصائه واستبعاده من الحياة، وبالتالي يبيح المتطرف قتل الآخر كحل أخير ليسود هو وجماعته، ويتحكم في المجتمعات. وهكذا تتشعب المسميات والبراهين والمبررات حتى وصلت إلى مرحلة من الفوضى، تستخدمها الدول القوية لمحاربة الدول الضعيفة والمجموعات الوطنية المطالبة بحريتها، وتقوم بحشد التحالفات في منظمة أممية وتصدر قراراً، يصبح شرعياً، لمحاربة تلك الدول أو الجماعات، باعتبارها متطرفة وإرهابية. ونلاحظ أن قوة الدول تلعب دوراً في فرز المجتمعات والدول، ومؤخراً، مارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمييزاً ضد دول بعينها بتهمة الإرهاب، ولم يدر في خلده، ربما عامداً متعمداً، أنه لا توجد شعوب إرهابية أو شعوب متطرفة، بل هناك أشخاص متطرفون، فكيف سمح لنفسه بأن يمنع مواطني سبع دول من السفر إلى بلاده على الرغم من أن بعضهم يحمل إقامة دائمة صادرة عن السلطات الرسمية.
وحين ثارت الاحتجاجات من قبل أعضاء في الكونجرس الأمريكي واعتبروا القائمة تخص دولاً إسلامية بعينها، رد ترامب بأن الإسلام ليس مقصوداً لذاته، وهنا بدأت معارك بين الجمهوريين والديمقراطيين، أشار البعض فيها إلى دول غير مشمولة بالقرار، وادعوا أن المشاركين في هجوم 11 سبتمبر أتوا منها، أي أن احتجاج هؤلاء كان سلبياً، وأرادوا توسيع الحظر بدلا من إلغائه. فهل الإرهابي هو من يمارس الإرهاب لذاته أم هو من يستخدم العنف لتحقيق غايات وأفكار دينية ومجتمعية وسياسية؟ وفقاً للاحتمال الثاني فإن الدول الاستعمارية القديمة مارست الإرهاب بأقبح صوره عندما احتلت دولاً عربية وارتكبت مجازر وحاولت تغيير الديمغرافيا والثقافة لتلك الشعوب.
لقد اتكأت تلك الدول على تبريرات مفضوحة وادعت أنها ذاهبة لاحتلال الدول بهدف تحضيرها وتثقيفها دون أن تطلب شعوبها تلك الحضارة أو الثقافة، وإنما ضحت دولة عظمى بعشرات الآلاف من الجنود لتصل إلى أرض البهارات في آسيا، والأمر ذاته حدث في العصر الحديث ولكن بصورة مختلفة، حين حشدت دولة عظمى أساطيل العالم للوصول إلى منابع النفط العربي والإسلامي، وقامت بدعم المتطرفين لتخلق الفوضى في بلدان لم تطالب بالديمقراطية، بل وتقترح تقسيمها، وما حدث قبل ست سنوات يفوق مصطلح الإرهاب والتطرف لأنه ارتقى إلى جرائم حرب ومجازر إنسانية. ولا نريد أن نذكر هنا أكبر جريمة أقدمت على ارتكابها قوة عظمى وساندتها قوة عظمى ثانية حين أنشأت دولة استعمارية استيطانية تسمى «إسرائيل» في قلب العالم العربي، لتقسمه وتشرذم مواطنيه وتطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وتتحول هذه الدولة «إسرائيل» إلى تهديد دائم للسلام والأمن في الشرق الأوسط.
الجميع يتحدثون عن القيم والأخلاق والعدل والمساواة والديمقراطية، وعلى الجميع أن يحددوا لنا تعريفاً لهاتين الكلمتين، الإرهاب والتطرف، ويقدموا لنا نماذج تاريخية، منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، بل منذ الحروب الصليبية حتى اليوم، ليكون الحديث واضحاً وشفافاً وحضارياً. -