وَهْم «المعارضة المعتدلة»..!!..بقلم: عمر معربوني

وَهْم «المعارضة المعتدلة»..!!..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الخميس، ٦ أبريل ٢٠١٧

بيروت برس -
"المعارضة المعتدلة" هو التوصيف الذي يطلقه أعداء الدولة السورية من دول وجهات مختلفة على الجماعات التي حملت السلاح بوجه الدولة والجيش، وهو توصيف يدخل في الحقيقة ضمن لائحة طويلة من المصطلحات برزت الى التداول مع بداية إطلاق الحرب على سوريا، وبين مصلح الحرب في سوريا وإطلاق الحرب على سوريا فارق شاسع لا يختلف عن مصطلح المعارضة في تكوينها الطبيعي المرتبط بمعارضة السلطة الحاكمة، وهي على الأغلب معارضة من داخل الدولة يُفترض ان تمتلك برنامجًا وطنيًا للحكم يختلف عن برنامج السلطة، في حين ان ما يُطلق عليها اسم "المعارضة المعتدلة" هي مجموعات تمرّدت على الدولة وحملت السلاح، وأسّست جماعات مسلّحة بمساعدة خارجية سياسية ومالية ومارست العنف المسلّح بكل اشكاله، وهدفها الإطاحة بالدولة وليس السلطة الحاكمة فقط.
في مقاربة سريعة لنشوء الجماعات المسلّحة في سوريا ومن خلال اسماء قادة هذه الجماعات، يتبيّن لنا بوضوح الدور الرئيسي لحركة الأخوان المسلمين سواء من خلال اسماء الجماعات أو من خلال السلوك والممارسات التي طبعت مسارها والتي سبق نشوءها مسار أوليّ كان مخطط له ان يكون مسارًا شبيهًا لما حصل في تونس ومصر، مع إعداد مسبق ومنظّم لجماعات حصلت على السلاح وخزّنته، ومثال درعا لا يزال حاضرًا حيث حضر التواجد العالمي لحركة الأخوان المسلمين مبكرًا من خلال وجود عناصر ليبية تمّ استقدامها مسبقًا وقبل اندلاع ما سمي حينها بالحراك الشعبي.
مسمّى الثورة هو ما تم إطلاقه على التظاهرات التي انطلقت في أكثر من مكان، وهو المسمّى الذي أُريدَ من خلاله ان تبدو الأمور بعد انطلاق العمل المسلّح وكأنّ في سوريا حرب أهلية وليس حربًا على سوريا.
في هذا الجانب نتذكّر جميعًا ما برز فيما بعد حول تنظيم التظاهرات والمبالغ التي كانت تُدفع للمشاركين في التظاهرات، وهي أمور موثّقة وكيف تم تنظيم عمليات القنص على الجيش والمتظاهرين معًا لدفع الأمور نحو العنف. ومن المهم هنا أن نذكّر بالتاريخ الأسود الحافل للأخوان المسلمين، الذراع العسكرية الأولى للجماعات التي تشكلّت فيما بعد بما سمي "الجيش السوري الحرّ"، والذي حملت كتائبه وألويته أسماء إسلامية منذ بداية تشكيله والتي سبقها ما يسمّى بالجُمعات التي كانت تُنظّم في كل يوم جمعة والتي حفلت بالشعارات الطائفية والمذهبية والإلغائية.
كل هذا يعني ان نستعرض الأسباب الحقيقية للحرب وليس ما تمّت إشاعته واستخدامه حتى اللحظة ان هذه الحرب هي حرب داخلية أهلية، وهو ما لا نحتاج الى تبريره حيث يتواجد في صفوف الجماعات الإرهابية عشرات آلاف الإرهابيين من جنسيات عربية وأجنبية، وهو ما يُسقط شعارات الحرب وارتباطها بمطالب إصلاحية.
وإن كنا في هذه المقالة لسنا بوارد تعريف الحرب الدائرة في سوريا بشكل تفصيلي، فلا شيء يمنع من مقاربة سريعة تؤكد ان الحرب على سوريا وليس في سوريا، والدليل هو هذا التدخل الكبير منذ بداية إطلاق الحرب على سوريا لأميركا والدول الأوروبية ودول الخليج والتصريحات العلنية التي تستمر حتى اللحظة بإسقاط الرئيس الأسد، الذي قالت عنه منذ يوم واحد مندوبة أميركا في مجلس الأمن أنه شكّل عائقًا بوجه السلام في منطقة الشرق الأوسط، هذا السلام الذي نسميه نحن الإستسلام، وهي في المناسبة تنطق حقيقة الأمر حيث وقف الرئيس بشار الأسد بوجه الإملاءات الأميركية التي حملها وزير خارجية أميركا كولن باول اليه بعد إحتلال العراق، هذه الإملاءات التي لو نُفذّت لكان ثمنها اكبر بكثير من ثمن الحرب الدائرة حاليًا، حيث كانت سوريا والمنطقة في حالة تبعية سياسية واقتصادية مريعة من خلال تمكن قوى النهب الدولي من امساك سوريا وتنفيذ مشاريعها المرتبطة بخطوط النفط والغاز اضافة الى نهب ثروات وخيرات سوريا.
وبالعودة الى مصطلح "المعارضة المعتدلة"، والذي بدأ التداول به في الوقت الذي تأكد مطلقو الحرب على سوريا انهم لم يعد بإمكانهم تحقيق الهزيمة بالدولة السورية، لهذا بدأوا من جديد بتغيير منهجية التعاطي من خلال اعتماد اساليب الضغط السياسي والديبلوماسي لزرع ممثلي الجماعات الإرهابية في جسم الدولة السورية كمقدمة برأيهم للإسيلاء على السلطة في يوم ما.
هذه "المعارضة المعتدلة" هي نفسها التي ارتكبت العديد من المجازر في توحش غير مسبوق في اكثر من مكان في سوريا، من مجزرة مفرزة جسر الشغور الى اكل القلوب، الى شوي رؤوس الطيارين بعد قطعها، الى اغتيال النخب العلمية واستهداف قواعد الدفاع الجوي والرادارات وغيرها من المنشآت الحساسة المدنية والعسكرية في سوريا، الى تدمير ممنهج للبنية التحتية حيث لم يسلم منها لا مستشفى ولا مدرسة ولا شيء يساعد في تهديم بنية الدولة وقوتها، وعندما تم ذلك لم يكن هناك "نصرة" ولا "داعش"، وعليه ها هي "المعارضة المعتدلة" التي يروجون لها، وما هي في الحقيقة إلّا ادوات تابعة للخارج تنفذ مشروع الهيمنة على سوريا بعد إسقاطها وتفكيكها، وهو الأمر الذي لم يحصل ولن يحصل رغم صعوبة المرحلة القادمة والتي تتطلب مزيدًا من الصبر والصمود لمواجهة دول الهجمة ربما وليس أدواتها.