أميركا أطلقت التوماهوك ومشت.. بقلم: رفعت البدوي

أميركا أطلقت التوماهوك ومشت.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الأحد، ٩ أبريل ٢٠١٧

لم يزل الاعتداء الأميركي على الجمهورية العربية السورية بإطلاق صواريخ توماهوك البعيدة المدى على مطار الشعيرات العسكري، يعتبر الحدث الأبرز الذي استحوذ على اهتمام العالم، فبعد ضغط اللوبي الصهيوني وتشجيع وتأييد من دول الخليج وتركيا، نفذت أميركا اعتداءها على سورية تحت عناوين وحجج واهية لا أساس لها من الصحة، ومن المؤكد أن أميركا لم تكن ضنينة على الإنسان في سورية ولا عن المدنيين في ذاك البلد الذي يشهد إجراماً أميركياً خليجياً غير مسبوق خاصة أنهم لم يوفروا وسيلة من وسائل الإجرام والقتل إلا وقاموا باستخدامها في ممارسة الإرهاب والقتل وتشريد المجتمع السوري لأكثر من ست سنوات متواصلة.
كثرت التحليلات والأقاويل عن الاعتداء الأميركي على سورية، لكن دعونا نفكر بهدوء ونحاول ربط الأحداث التي سبقت الاعتداء الأميركي حتى نصل إلى نتيجة تقودنا للعقل والمنطق بعيداً عن المزايدات.
قبل الاعتداء الأميركي كانت التصريحات الأميركية تصدح في كل مكان للاعتراف بحق الشعب السوري وحده في تقرير من يرأسه: الممثلة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي قالت: إن إزاحة الرئيس بشار الأسد لم يعد ضمن اهتمام أميركا وإن الأولوية هي للتعاون في محاربة الإرهاب الذي بات يهدد العالم. ثم وزير الخارجية الأميركية «ريكس تيلرسون» ومن قصر أردوغان في تركيا صرح أن الشعب السوري هو من يقرر مصير الرئيس الأسد وأن أميركا مهتمة في محاربة الإرهاب العالمي. كما أن الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» نفسه، ومن البيت الأبيض قال: إن مصير الرئيس الأسد ليس من ضمن اهتمامنا ونركز اهتمامنا على محاربة الإرهاب في هذا البلد.
لكن وعلى الرغم من أن اللهجة الأميركية تجاه الرئيس الأسد قد تغيرت بعد ابتداع الحدث في خان شيخون، بيد أن أميركا ترتعد من فكرة إجراء تحول أو إحداث تغيير جذري في سورية وهي لا تريد ذلك أن يحدث ولا تريد الذهاب نحو المواجهة المفتوحة، بل إن جل ما تريده أميركا هو تثبيت مصالحها في المنطقة بعد الانكفاء الأميركي مقابل صعود وتثبيت الدور الروسي الملحوظ، إضافة إلى تغيير في سلوك سورية بشكل يؤدي إلى فك التحالف الإستراتيجي مع إيران وحزب اللـه وقوى الممانعة المؤمنة بأن الكيان الصهيوني عدو الأمة، تنفيذاً لإرادة إسرائيل ومعها دول الخليج النفطية.
إذا نظرنا وتعمقنا بما حدث نكتشف الأمور التالية:
زيارات لزعماء وأمراء من الانهزاميين العرب لواشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبقت الاعتداء الأميركي على سورية.
ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زار واشنطن مسلطاً الضوء على الخطر الإيراني في المنطقة كما فعل الرئيس ترامب.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سار على الدرب نفسه وان كان بلغة ملطفة إذ قال يجب منع إيران من التدخل في شؤون الدول العربية.
الملك الأردني عبد الله الثاني أيضاً ذهب إلى واشنطن والتقى ترامب على انفراد، ليخرج بعدها محذراً من التمدد الإيراني في المنطقة، بل إن الملك الأردني أعاد إلى مسامعنا أسطوانة الرئيس الأسد بعد أن أبلغت أميركا المعنيين أن هذا الأمر بات وراءنا وكاد يختفي.
اذاً عرب الانهزام والخيانة بايعوا ترامب للحفاظ على مصالح أميركا والعدو الإسرائيلي في المنطقة، لكن تبقى سورية الأسد سورية العروبة والصمود، هي الساحة الأهم في رسم المستقبل الجيوسياسي في المنطقة.
صحيح أن ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية لكنه في واقع الأمر محاصر من الحكومة الأميركية العميقة التي لم تزل تمتلك القرار الأميركي المتماهي والطيع مع أهداف ومصالح الإسرائيلي والاستحواذ على أموال دول النفط الخليجية.
ترامب بات أشبه برئيس البيت الأبيض فقط، أما خارج نطاق البيت الأبيض فإن القرار الأميركي لم يمتلكه ترامب بعد، وهذا ما بدا واضحاً من خلال الحملات الإعلامية، إضافة لخلافه وانتقاده علانية لأجهزة الدولة العميقة من مخابرات وأجهزة عسكرية أميركية من خلال حملة عنيفة في الصحافة الأميركية تسخر من ترامب وأدائه.
إذاً ترامب أضحى تحت الضغط الداخلي والخارجي، وهو مضطر لأن يبحث عن حدث من شأنه أن يخفف عنه الضغط ويؤمن له استعادة هيبته وجزء من شعبيته التي انحدرت مؤخراً، وإن كان هذا الحدث هو عملية تلفيق وكذب واستباحة للقوانين الدولية ومعها المجتمع الدولي، وتاريخ أميركا حافل في مضمار الكذب والتلفيق.
إذاً أزمة خان شيخون تم ابتداعها واختراعها على الرغم من سوء الإخراج، فأميركا أطلقت التوماهوك ومشت، وسرعان ما جُيّرت النتائج الباهتة للضربة الأميركية على سورية في البورصة الداخلية الأميركية وفي دول الخليج العربي إضافة لإسرائيل وتركيا، وبات ترامب في نظر إسرائيل وعرب الانهزام والخيانة، البطل الذي أعاد للعرب كرامتهم، وبئس كرامة عربية تأتي عبر الاستعانة بأعداء الأمة العربية.
الرد السوري الروسي على الاعتداء الأميركي آت لا محالة، سيترجم في المزيد من التسلح الإستراتيجي للجيش العربي السوري، ومزيد من التقدم والانتصارات للجيش العربي السوري، وبدعم غير محدود ومباشر من موسكو، لتستكمل المفاوضات الروسية الأميركية على صفيح ساخن، تكون الكلمة الفصل فيها للميدان العسكري.