الولاء الوظيفي.. بقلم: سامر يحيى

الولاء الوظيفي.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٩ أبريل ٢٠١٧

الولاء الوظيفي يحتاج التشخيص والتدقيق والعمل على تعميقه، لا سيّما من قبل الجهات المتخصصة بالتنمية الإدارية والموارد البشرية في القطّاع الحكومي، لأن الولاء الوظيفي هو الجزء الأساس من الولاء الذي يبدأ بالأسرة وتتّسع الدائرة وصولاً لترسيخ الولاء والشعور بالانتماء الوطني، والعامل في القطّاع الحكومي ولائه لمؤسسته يجب أن يكون بالضرورة ولاءً للوطن وإلا فيعتبر انتهازية ونفاقاً ..
إن الموظّف الحكومي مهما كان يملك من المعرفة والقدرة والخبرة العلمية والأكاديمية، لا يمكن له أن يؤدي عمله بأمانةٍ وإتقان، إن لم يشعر بالانتماء لمؤسّسته والولاء لها، وإلا يعتبر عمله جزءاً من عمل روتيني بهدف قبض المرتّب، وتحقيق مصالحه الشخصانية على حساب العمل والمؤسسة، وبالتالي الوطن، وينقلب ضد مؤسسته في كل لحظة، إن لم يعمل ضدّها وهو منتمٍ إليها بآنٍ معاً، مما يساهم بتعطيل الكثير من مهام المؤسسة، ويثير الجدل والمشكلات بين زملائه بالعمل لتعطيل قيامهم بدورهم المنوط بهم، بعيداً عن روح التعاون والتضامن والتكافل، ونشاط المؤسسة يصبح عبارةً عن نشاط روتيني ناتج عن حركة الحياة الطبيعية، مما يساهم بتعطيل عجلة الإنتاج والإبداع والابتكار بالمؤسسة.
إن عملية تنشيط وتفعيل الأداء والإنتاج في كل مؤسسة، والقضاء على الهدر والحكمة والحنكة في استثمار وتنفيذ موازنة المؤسسة، وزيادة وارداتها وتخفيض نفقاتها، هو أساس عقد الالتحاق بالوظيفة الحكومية، الذي يتضمّن تعهدّاً لفظياً أو معنوياً من قبل الموظّف الجديد، للقيام بالدور المنوط به على أكمل وجه، مع اقتراح السبل الأفضل لتحقيق الهدف المنوط بالمؤسسة، ومساعدة زملائه، وهذا لا يعني أبداً تجاوز التراتبية الإدارية، بل ترسيخ الاحترام المتبادل، وتعزيز التعاون والتكافل  بين العاملين بكل انتماءاتهم ومراتبهم العلمية والعملية والوظيفية، بما يؤهّل الجميع للارتقاء معاً بعمل المؤسسة، مما ينعكس عليهم جميعاً كل ضمن إمكانياته ودوره وطبيعة عمله..
التفاهم والانسجام بين العاملين في المؤسسة هو أساس الولاء وظيفي، مما يضاعف الحيوية والنشاط أضعافاً مضاعفة لصالح الأداء والإنتاجية في المؤسسة، وتحسين وضعه المادي والمعنوي بآنٍ معاً، فعندما تزيد موازنة المؤسسة، والدخل الوطني، تلقائياً سيزيد دخل الفرد، وواردات المؤسسة ستنعكس على واردات الخزينة التي تلقائياً ستعود لتوزّع على مشاريع استثمارية، ورفع الأجور ودعم المواطن، مما ينعكس على الجميع دون استثناء، ويكون كل منا قد ساهم ببناء الوطن بجدية.
بينما الولاء في القطّاع الخاص هدفه تعزيز الانتماء للمؤسسة ولمالكيها، ودورها في الوطن لا يتجاوز تأمين بعض من متطلبات الإنتاج ودفع الضرائب، ضمن إمكانياتها.
إن المرحلة التي يجب أن يقوم عليها قسم الموارد البشرية بكل المؤسسة، الاهتمام بتدعيم الولاء الوظيفي لدى العاملين بالمؤسسة، واستقطاب الآخرين لاحترام ومحبّة هذه المؤسسة والتعاون معها، فأي موظّف مهما كانت مرتبته الوظيفية ما هو إلا جزء من المؤسسة ويمثّلها في كل مكان يتواجد به، مهما حاولنا تجاهل ذلك، مما يتطلّب منا تدعيم هذا الممثل، ليتقن دوره وتمثيل مؤسسته خير تمثيل، وأن يكون مؤمناً بعمل مؤسسته وما تقوم به وتعظيم أدائها وتقبّل الانتقادات ضدّها لتبرير ما يمكن تبريره، وتعديل ما يمكن تعديله للوصول للأداء الأفضل، بعيداً عن النفاق والازدواجية واستغلال عمله في المؤسسة لاستثماره بشكلٍ يخالف مبادئها وأخلاقيتها، مما يؤدي لتشويه سمعة المؤسسة والتأثير سلباً على دورها وعملها، وإن ادعى الولاء، إنما هو "النفاق الوظيفي" أو "الانتهازية الوظيفية".
إن الفرق كبير بين النفاق والانتهازية، وبين الولاء والانتماء، وقد أثبتت الأزمات أن بعض ممّن كانوا يدّعون الوفاء والإخلاص أول من تخلّف عن خدمة البلد والقيام بالدور المنوط بهم كل في مجاله ومكان تواجده وإمكانية عطائه وإنتاجيته، وقد يكون موجوداً في مؤسسته، ولكنّه يرمي التهمة على الآخرين، ويحملهم المسؤولية، بينما هو لا يحاول القيام بالحد الأدنى المطلوب منه في أداء عمله.. عدا جزءاً بسيطاً يعتبر من استمرارية العمل لا من أساسياته والمهام الملقاة على كاهله.
إن العمل المؤسساتي يقتضي من الموظّف الحكومي الالتزام بعمل مؤسسته، ودورها، والالتزام بقوانينها وقراراتها، واحترام التراتبية الوظيفية، وهذا الاحترام يجعله صادقاً مع مؤسسته، والأعلى مرتبةً منه في العمل، وقادراً على طرح رأيه ورؤيته، لا فرضها على العاملين في مؤسسته مهما كانت مرتبته الوظيفية بل نقاشاً وحواراً بناءً لدراسة كافة الأفكار والخروج بفكرة جماعية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، مما يساهم بتطوير أداء المؤسسة وأنظمتها وقوانينها.
إن إيمان الموظّف الحكومي وولائه لعمله، يعني بالضرورة خدمة المواطن الذي هو على احتكاك مع مؤسسته، واستقطاب المواطن ذو النظرة السلبية تجاه مؤسسته، وتوضيح مكامن التقصير والخطأ لتلافيهما، وتعزيز مواطن الايجابيات وتطويرها، ومشاركة هذا المواطن بما تعترضه المؤسسة من معوقات وتحديّات ليكون عوناً لها لا عبئاً عليها، ومساعداً للمؤسسة متقبلاً لظروفها لا متذمّراً منزعجاً من دورها وأدائها.
وبهذه المناسبة، ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن تراب سوريتنا المقدّس، أحوج ما نكون لجلاء الكسل وتحميل المسؤولية للآخر، والبدء بالاستقلال عن الأنا، للقيام بدورنا البنّاء كل ضمن إمكانياته وقدراته ولنثبت للعالم أننا شعب يعطي الدرس للآخر، وقد تخلّصنا من المستعمر المباشر، وسنتخلّص من أدواته بالتبعية والتدمير الممنهج، والعمل بإتقان احتراماً لقدسية تراب الوطن المضرّج بدماء الشهداء، وولاءً للمؤسسات الوطنية الصامدة التي ستستمر بمكافحة الفساد والإرهاب، ويقيناً بمصداقية قضيتنا وعدالتنا، متفائلين بالوصول قريباً لما نستحق.