عدوان ثلاثي على سورية والقادم أخطر..بقلم: إيهاب زكي

عدوان ثلاثي على سورية والقادم أخطر..بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

السبت، ٢٩ أبريل ٢٠١٧

لا تروق لي فكرة الحصول على المزيد من المال في تفسير تصريحات دونالد ترامب لوكالة"رويترز"، حين قال بأنّ "أمريكا تتكلف الكثير من المال لحماية السعودية، وأنّ المملكة لا تعامل أمريكا بعدالة"، لأن هذا التفسير يشبه بالضبط القول "أن محمد بن نايف هو رجل أمريكا في السعودية"، وهذا التفسير الأثير على قلوب بعض المحللين يفترض أنّ في السعودية رجال غير تابعين لأمريكا، أو أنّ ولاء بعضهم لأمريكا أكثر من بعض، وإن سلّمنا بفكرة درجات الولاء فهي خاصية يصنعها المتبوع لا التابع. وكذلك فإنّ المال السعودي ليس محجوبًا عن ترامب، ولا السعودية تعرف سياسة التقتير تجاه بلاده،  فالعائلة الحاكمة في نجد والحجاز على استعدادٍ تام لتقديم حتى عِقالاتها، إن شعروا بحاجة ترامب لممسحات أحذية، وعليه فإنّ التفسير القابل للنقاش هو التأجيل السعودي لإشهار حلفها مع الكيان الصهيوني، خصوصًا بعد لقاء ترامب مع محمد بن سلمان، والذي اعتبر بمثابة تزكية أمريكية للعرش السعودي، ويقينًا فإن بن سلمان قدم إشهار علاقات عائلته بـ"إسرائيل" كعربون نحو العرش.
وتأتي هذه التصريحات استباقًا لجولة ترامب القادمة إلى المنطقة، والتي ستشمل الرياض وعمان و"تل أبيب"، وهي تصريحات بمثابة التذكير لابن سلمان بوعوده بالإشهار، وبالتزامن مع ذلك مراسيم ملكية تصب كلها في تعزيز قبضة بن سلمان على مفاصل الحكم أولًا، كما تصب في التخديم على تضخيم شعبيته ثانيًا، خصوصًا ما يتعلق بإعادة الاقتطاعات من رواتب الموظفين، والتي للمفارقة قام هو شخصيًا باقتطاعها في إطار ما يسمى رؤية 2030، والآن يتم تصوير الأمر على إعادتها بإيعازٍ منه، ولا أستبعد أن يتم تسخير إضراب الأسرى عن الطعام في سجون الاحتلال الصهيوني لصالح إشهار تلك العلاقة، فيتم تصوير الأمر عن تمخض الإضراب عن تحقيق مطالب الأسرى بـ"تدخلٍ" من بن سلمان بشكل غير مباشر عبر الولايات المتحدة أو بشكل مباشر عبر نتن ياهو، ليقتنع السعودي والعربي قبل غيره بجدوى العلاقات السعودية-"الإسرائيلية"، وقد لا تكون الحبكة عبر هذا الشكل المباشر والفج، ولكن المهم بالخلاصات والنتائج، فقد كان دائمًا ما يسمى بـ"الحرص على المصلحة الفلسطينية"، هو أحد مبررات اتفاقيات السلام العربية الصهيونية، وبن سلمان لن يشذّ عن القاعدة.
قد يكون العدوان الثلاثي التي شنته أطرافٌ رئيسية في الحرب على سوريا، غير مترابطٍ في الشكل والمبررات المباشرة، فلكلٍ من الولايات المتحدة ودولة العدو "إسرائيل" وتركيا مبرراته الآنية في ممارسة الاعتداء عبر القصف المباشر، ولكن لأسبابٍ كثيرة فالهدف واحد، فهو حلفٌ يسعى لتحقيق هدف إسقاط الدولة السورية أولًا، وفك عرى محور المقاومة بالكامل ثانيًا، وتتابع العدوان الثلاثي وإن لم يكن متعمدًا، فإنّ أحد أهم أعراضه الجانبية هو إرهاصات بقابلية "نخبوية" وجماهيرية للإعلان عن تحالف "عربي سني-إسرائيلي"، فردود الأفعال على كل المستويات الرسمية والثقافية والشعبية، تشي ليس فقط بالقبول بل وبالترحيب والاستعجال والتحريض، وإذا أضفنا الجبهة الجنوبية وما يتم تحريكه هناك، من مخططات أمريكية "إسرائيلية" بتبعية أردنية وأموالٍ سعودية، نستطيع الجزم بأن الأمور كانت قاب قوسين أو أدنى من الإنزلاق نحو هاويةٍ سحيقةٍ من المجهول، وإن آخر ما عرقل المخطط هو الحرج العربي الرسمي أو الجماهيري، فالقابلية أصبحت مضمونة، بل إن ما كبح جماح تلك الأطراف هي الرسائل التي وصلت للأطراف المعنية، فكلام الرئيس الأسد الصارم والبات عن الدور الأردني، كما الجولة الإعلامية لحزب الله على حدود فلسطين المحتلة، كانا سببين رئيسيين للتأجيل على الأقل وليس الإلغاء.
من خلال سلوكيات ترامب في المئة يوم الأولى، أثبت أنه كان يقصد حين قال أريد إعادة أمريكا لعظمتها، بأن تصبح أمريكته تاجرٌ عظيم، فالصين مثلًا كانت عدوه الأمثل إبان الحملة الانتخابية بعكس روسيا، ولكن بما أن الصين تمتلك ما لا تملكه روسيا، فقد تغيّرت مواقفه، حيث تملك سندات خزانة أمريكية بقيمة تريليون دولار، وتبادل تجاري ثابت بقيمة نصف تريليون، كما أنه طلب من كوريا الجنوبية تحمل تكلفة نظام"ثاد" الصاروخي، كما يريد من المكسيك دفع ثمن الجدار المنوي بناؤه بين الدولتين، لذلك فإن "ناتو إسلامي بقيادة إسرائيلية" وبتمويل نفطي سعودي خصوصًا، قد يعفيه من مؤونة الحماية الأمريكية لتلك المحميات بتكاليفها الباهظة أولًا، مع ضمان المصالح الأمريكية على أفضل وجه ثانيًا، ولكن أخطر ما يمكن أن يكون على قائمة أول أهداف هذا "الناتو" هو الذهاب بعيدًا نحو المفاجأة الكبرى باستهداف إيران بشكلٍ مباشر، حيث يتم حاليًا العمل على تسخين الحدود الباكستانية الإيرانية، ولا ينفك أردوغان عن التصويب على العرق والمذهب الإيرانيين في كل إطلالة تقريبًا، والسعودية ومحميات النفط حدث ولا حرج، فالولايات المتحدة عبر صناعة هذا التكتل العدواني تسعى للتحكم بالمنطقة بلا منغصات وإلّا فتدميرها، ولكن ما يغيب عن بال التكتل وصانعه، بأن كلا الأمرين متعذرٌ متعسر، لأننا نسير باتجاه الفجر الجديد ولو ببطء ولكن بثقة.
بيروت برس