مفارقات في الانتخابات الفرنسية.. بقلم: د.منار الشوربجي

مفارقات في الانتخابات الفرنسية.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣ مايو ٢٠١٧

مفارقات عدة تحملها الانتخابات الفرنسية تشير بعضها إلى أن الجولة الثانية التي تجرى الأحد المقبل لن تحسم على الأرجح بمفردها مستقبل السياسة الفرنسية.

المفارقة الأولى هي أن سلوك ناخبي اليسار وقواعده الجماهيرية التقليدية هي التي قد تحسم النتيجة لصالح مارين لوبان، مرشحة أقصى اليمين، وتلك المفارقة مبينة في الواقع على ما حملته نتائج الجولة الأولى للانتخابات من دلالات.

أول ما يلفت الانتباه في تلك الجولة الأولى التي انتهت بفوز إيمانويل ماكرون بأعلى الأصوات تليه مارين لوبان، التي ستنافسه في جولة الإعادة، إن ما يربو على الخمسين بالمئة من الناخبين أعطوا أصواتهم لمرشحين آخرين، بما يفتح نتائج الجولة الثانية على احتمالات كثيرة.

صحيح أن أغلب المرشحين الآخرين، باستثناء اليساري ميلينكون، أعلنوا بعد هزيمتهم تأييدهم لماكرون ودعوا ناخبيهم لدعمه في الجولة الثانية، وصحيح أن استطلاعات الرأي تشير حتى الآن لتفوق ماكرون على منافسته.

إلا أن فوز ماكرون ليس مؤكداً، فالرجل، من ناحية، يمثل تكريساً لسياسات فرانسوا أولاند الذي وصلت شعبيته لمستويات هي الأدنى كرئيس في تاريخ فرنسا المعاصر، فحين كان مرشحاً للرئاسة أدار أولاند حملة انتخابية قدمته باعتباره اشتراكياً ديمقراطياً.

لكنه بعد أن تولى الرئاسة أدار الدفة نحو اليمين وفق سياسات اقتصادية كان إيمانويل ماكرون هو في الحقيقة مهندسها حين كان وزيراً للاقتصاد، وماكرون لا ينكر أنه ينوي الإمعان في أخذ فرنسا نحو اليمين الاقتصادي.

رغم أن ماكرون استقال من حزب أولاند ومن منصبه وأنشأ العام الماضي حركة «للأمام»، إلا أن الحركة اقتاتت في جوهرها على مقولات التيار الشعبوي الساخط على الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية معاً، الأمر الذي قد يخدم في ذاته مرشحة التيار الشعبوي اليميني لوبان.

ومن هنا، تأتى أهمية إصرار ميلينكون، الذي يمثل أقصى اليسار، على الامتناع عن التأثير على أنصاره أو دعوتهم للتصويت لماكرون، فرغم أن المتحدث باسمه طالب الناخبين بعدم التصويت لمارين لوبان إلا أنه قال إن الاختيارات الأخرى كلها متاحة أمام ناخبيه، سواء بالتصويت لماكرون أو الامتناع عن التصويت أو إبطال أصواتهم.

وامتداد مثل ذلك السلوك التصويتي ليشمل باقي ناخبي اليسار التقليدي من شأنه أن يساعد على حسم المعركة لصالح لوبان، فنسبة الأصوات التي حصل عليها كل من بنوا هامون، مرشح اليسار التقليدي، أي 6.5%، إذا ما أضيفت للنسبة التي حصل عليها ميلينكون أي 19.4%، تصبح نسبة معتبرة من الأصوات.

ومن هنا فإن امتناع هذا القطاع عن التصويت أو إبطالهم لأصواتهم سيخصم بالضرورة من فرص ماكرون ولا يساعد إلا لوبان، ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن الطبقة العاملة، التي هي جمهور اليسار تقليدياً، صارت الأكثر ميلاً لمقولات تيار الشعبوية اليميني بسبب ما تواجهه من صعوبات اقتصادية.

أضف لذلك ما لابد وأننا تعلمناه من تجربتي بريطانيا في استفتاء الاتحاد الأوروبي، ثم الولايات المتحدة في انتخاباتها الرئاسية، بخصوص إعلان الناخبين عن ولاءاتهم، فقد كان واضحاً في التجربتين أن الكثير من الناخبين لم يرغبوا، على ما يبدو، في التعرض لسخرية توقعوها لو هم أعلنوا صراحة، أو في الاستطلاعات، عن تأييدهم للتيار الشعبوي.

إلا أنهم يختارونه في الصندوق السري للاقتراع، الأمر الذي يعني أن التأييد الشعبي الحالي الذي قد تحصل عليه مارين لوبان خصوصاً من أوساط اليمين التقليدي ليس معروفاً على وجه الدقة.

أما المفارقة الثانية التي شهدتها الجولة الأولى فتؤكد وجود موجة شعبية مناهضة للأحزاب التقليدية في الغرب عموماً، وهو ما يفتت أصواتها بحيث يستحيل على أي منها بمفرده أن يفوز في الانتخابات.

أما المفارقة الثالثة فهي تلك المتعلقة بمستقبل السياسة الفرنسية، فحتى في حالة فوز ماكرون يظل مستقبل فرنسا مفتوحاً على احتمالات كثيرة بسبب اعتبارات عدة، أولها أن انحسار شعبية الأحزاب التقليدية يجعل مستقبل فرنسا مؤجلاً حتى الانتخابات البرلمانية في يونيو.

فالرئيس الجديد، سواء أكان ماكرون الذي لا ينتمى لأي منها أو لوبان، التي لا يملك حزبها سوى مقعدين فقط سيحتاج لإيجاد أغلبية تشريعية جديدة تساعده في تنفيذ سياساته.

لأن ذلك الرئيس لا ينتمي للأحزاب التقليدية فقد يحتاج لأن يشكل أغلبية تشريعية لكل تشريع جديد على حدة وكل سياسة جديدة يريد اتباعها بمفردها، وهو الأمر الذي يمثل تحولاً جديداً تماماً على طبيعة السياسة الفرنسية، وثانيها.

وهو الأهم استمرار ماكرون، في حالة فوزه، في اتباع السياسات نفسها التي كانت مسؤولة عن الانخفاض الواضح في شعبية أولاند من شأنه أن يرفع من مستويات السخط التي كانت مسؤولة أصلاً عن ارتفاع شعبية لوبان وخطابها الذي يلقي باللوم على قطاعات في المجتمع، كالمهاجرين، لا على السياسات الاقتصادية، الأمر الذي قد يجعل حزب لوبان أكثر نفوذاً وتأثيراً على مستقبل فرنسا.