ترامب وسياسة الاستثمار في الفوضى على أحصنةٍ من خشب

ترامب وسياسة الاستثمار في الفوضى على أحصنةٍ من خشب

تحليل وآراء

السبت، ١٣ مايو ٢٠١٧

فرنسا – فراس عزيز ديب

يفتتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب زياراته الخارجية في الأسبوع القادم بزيارةٍ تقوده إلى الكيان الصهيوني ومملكة «آل سعود» والفاتيكان، وحاول بعض الإعلام الأميركي استبدال اسم الفاتيكان بإيطاليا، والهدف فيما يبدو أن ترامب يريد عدم صبغ الجولة بطابع ديني، أو كما سمتها «ذي أتلانتيك» بـ«المغامرة الإبراهيمية».
في العام 2009، عندما قرر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مخاطبة المسلمين اختار القاهرة، لأنه ببساطة أراد أن يخاطِب إسلاميا، لا مذهبياً، ولم يكن هذا التوجه يومها كرمَ أخلاقٍ منه، لكنه ببساطة كان بحاجةٍ لذلك الخطاب، لأنه كان قد أعلن عن سعيهِ لحل ملف البرنامج النووي الإيراني بطريقةٍ سلمية، فلابد من مخاطبة الإيرانيين خاصةً والمسلمين عامةً من جبهةٍ محايدة إن جاز التعبير، أما اليوم فإن ترامب يواصل بطرقٍ حثيثة سياسة إخراج كل شي فوق الطاولة، تحديداً وهذه الجولة برمزيتها لا تهدف فقط للقول للحلفاء «باقون ونتمدد»، لكن ربما لها تبعات أكثر أهمية، فكيف ذلك؟
من الواقعيةِ أن نقول: إن الحلقة الأضعف في هذه المحطات الثلاث هي زيارة الفاتيكان، فالكنيسة الكاثوليكية تقاعدت منذ عقودٍ عن لعبِ أي دورٍ مؤثرٍ في السياسةِ الخارجية، وبالكاد فإن تأثير الكنيسة على مسرح السياسة الدولية لا يختلف كثيراً عن تأثير اجتماعات القمة العربية وقراراتها النمطية، وربما هذا الأمر مزعج لكل من يتمنى العكس وبالتأكيد نحن منهم، لكن دائماً ما تكون الأمنيات شيئاً والواقع شيئاً مختلفاً، فليس ترامب من الذين يريدون تلاوة فعل الندامة، والزيارة ربما ليست أكثر من مصالحةٍ بينه وبين البابا بعد ما شاب علاقتهما من توترٍ خلال حملة ترامب الانتخابية وحديثهِ عن الجدار على الحدود مع المكسيك.
أما الزيارة إلى مملكة «آل سعود» فإن ترامب يريد من خلالها ضرب أكثر من عصفورٍ بحجرٍ واحد، هو لا يريد فقط إعادة تعويمِ «آل سعود» بوصفهم التابع الأهم مهما اختلفت قيمة الفواتير التي سيدفعونها، لكنهُ يريد أن يجسد رسالته للإيرانيين على أرض الواقع بأن زمن «المحاباة الأوبامية» قد انتهى، والأمر قد لا يتعلق فقط بما يسمونها «رسائل ديبلوماسية» تحديداً إذا ما عرفنا أن جدول ترامب هناك يتضمن عقدَ قمة تضم إضافة لمشيخاتِ مجلس التعاون الخليجي رؤساء دولٍ إسلامية.
الرسالة هنا تبدو واضحة وتسعير النيران في المنطقة يبدو الهدف الذي لن تتراجع عنه إدارة ترامب أقله في الوقت الحالي الذي قد يشهد فعلياً ولادة «الناتو الإسلامي» الذي جرى الحديث عنه منذ إعلان «آل سعود» الحرب على اليمن قبل عامين.
كذلك الأمر، فإن هذه الزيارة قد تكون رسالة للحليف التركي الذي لا تمر العلاقة معه كما يشتهي سلطان الدم رجب طيب أردوغان، والرسالة بسيطة «الحليف الغني أحب إلى ترامب من الحليف العادي.. وفي كليهما خير»، تحديداً أن استفزازات الإدارة الأميركية للنظام التركي وصلت لدرجاتٍ لم يتوقعونها بما يتعلق بقرار الكونغرس السماح رسمياً بتسليح الميليشيات الكردية في الشمال السوري.
حاول المسؤولون الأتراك التقليل من هول الصدمة بالإعلان عن ضماناتٍ تلقونها بأن الميليشيات الكردية ستنسحب من الشمال السوري حال تحريره من داعش، لكنهم لم يقولوا لنا إلى أين ستذهب، هل ستدخل العمق التركي مثلاً؟! هل مازال أردوغان يحتفظ بصور الدبابات الأميركية وعليها من وصفهم بـ«الإرهابيين الأكراد» لتسجيل اعتراضه عليها في البيت الأبيض خلال زيارته القادمة؟
ختاماً فإن هدف ترامب من خلال هذه الزيارة هو البعد الاقتصادي، فمع الوعود باستثمارات مالية كبيرة في الولايات المتحدة، تتحدث تقارير عن توقيع عقود تسليح بقيمة مئة مليار دولار، حتى ترامب ذات نفسه، تحدث عنها بالقول إنها أسلحة ضرورية ليحمي «آل سعود» أنفسهم، وعندما نقول حماية نسأل مِمَن؟ هناك احتمالان لا ثالث لهما: إما من الشعب الحجازي إن قرر أن يثور ضد طغمته الحاكمة، وهي حركات بدأت تتجدد في بعض مناطق «القطيف» و«العوامية»، لكنها حكماً ليست مرشحة للتصعيد لأنها ستواجَه كما العادة بالحديد والنار وسط صمت «دعاة الحرية» في العالم، أو من إيران وهنا بيت القصيد.
إن تصريحات ولي ولي العهد محمد بن سلمان عن نقل المواجهة للداخل الإيراني، لا يمكن تفسيرها فقط من باب الهروب للأمام، فهو عملياً من يحكم، بل وهو عراب الصفقات التي تم توقيعها والآتي أعظم، فما يريده ترامب من «آل سعود» يبدو أكبر بكثير مما يقزمه البعض بأنهم «البقرة الحلوب»، وإذا كان الأميركيون منذ سنوات يستخدمون «داعش السوداء» للوصول إلى مبتغاهم، فهل حان وقت استخدام «داعش البيضاء»؟ ربما هو كذلك ورفع منسوب التوتر لإعلان المواجهة مع إيران يسير بهدوء.
لكن ماذا عن الإسرائيلي؟ إن زيارة الرئيس الأميركي للأراضي المحتلة في سياق هذه الجولة تحديداً لا يبدو فقط تجسيداً لوعده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، لكنه عملياً اعتراف ضمني بـ«يهودية الدولة»، وهذا التماهي غير المسبوق لإدارة أميركية ما مع الكيان الصهيوني يطرح تساؤلاً منطقياً، ماذا يريد ترامب في ملف القضية الفلسطينية؟
كثُر الحديث أن إعلان «حركة المقاومة الإسلامية – حماس» عن وثيقتها الجديدة جاء بضغطٍ تركي بناء على توصيةٍ أميركية ناتجة عن رغبة الإدارة الحالية بإنجاز شيءٍ ما في هذا الملف، بل إن مصادر أوروبية تحدثت عن سيناريو مزدوج يتم الإعداد له، الأول تم طرحه على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارتهِ الأخيرة للبيت الأبيض تتضمن موافقة مصر على تأجيرِ أراضٍ في سيناء لحل مشكلة اللاجئين، أما السيناريو الثاني فهو أشبه بتهديداتٍ تلقاها ملك شرقي نهر الأردن في حال عدم نجاح المساعي في الجنوب السوري، أي العودة للمشروع المتجدد؛ «الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين»، لكن لا يبدو أن الإسرائيلي بوارد إعطاء أهمية لزيارة ترامب ولا لمساعيه، هم حكماً يفضلون الخيار الثاني لكنهم بذات الوقت يجدونه خياراً أخيراً بعد إخفاق المساعي الهادفة لتقسيم سورية أولاً، وإيجاد آلية مواجهة مع إيران ثانياً.
على هذا الأساس يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه اليوم قادراً على المزيد من المناورة، بل إن رميه لوثيقة حماس في سلة المهملات بهذه الطريقة ليست موجهة حكماً لحماس، بل هي موجهة لكل من رعى هذا الأمر وأولهم التركي، فما هي انعكاسات هذا التشابك على الملف السوري؟
في مؤتمره الصحفي خلال زيارته واشنطن، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إننا اتفقنا مع الرئيس ترامب على محاربة الإرهاب وهذا أهم ما يمكن أن نقوم به، وتبدو العبارة حمالةَ أوجه بل ويمكننا القول إن وعد ترامب بمحاربة الإرهاب هو «أقصى» ما حصل عليه الوزير الروسي، وحتى حديثه الأخير بأن مشاركة قوات أميركية في القوة المراقبة لاتفاق مناطق خفض التوتر يجب أن يتم عبر موافقة الحكومة السورية هو كلام ديبلوماسي لأنه يعرف أن الأميركيين لن يطلبوا هذه الموافقة، لأنها بالنسبةِ لهم أشبه بإعادة اعتراف بشرعية ما يسمونه «النظام السوري»، وهو أمرٌ لا يزالون يرون أنه من المبكر الحديث عنه.
إن الأميركي يفضل دائماً أسلوب البلطجة، أي أنه يريد فرضَ وجوده وجعله أمراً واقعاً تحديداً في المناطق الحدودية التي هي تحت سيطرة العصابات الإرهابية، كذلك الأمر فإن التصريحات الأميركية بعد زيارة لافروف لا تبشر بالخير، فلا الروسي نجح بانتزاع أي شي من ترامب، ولا يبدو أن ترامب فعلياً يملك برنامجاً أو إستراتيجية ما لما هو قادم، عدا إستراتيجية الفوضى، فماذا ينتظرنا؟
في الإطار العام يبدو أن الملفات في المنطقة تزداد تشابكاً بعد أن كان هناك محاولات لفصلها لتسهيل التفاوض عليها، ونقطة القوة التي يمتلكها الأميركي أنه يجيد الاستثمار في الفوضى وهو ما سيسعى إليه، أي المزيد من الفوضى التي لا يبدو أنها ستقف عند حدٍّ ما، وبيضة القبان في إيقافها هو الملف السوري، ومن ينجح بإدارته بشكلٍ جيد يستطيع أن يسحب من الطرف الآخر كل ما يتم التجهيز له، لكن إن كنا تكلمنا عن نقاط قوة الأميركي فلا بد لنا كذلك الأمر أن نذكِّره بأن أهم سلبية في كل ما يخطط له اعتماده على أحصنةٍ من خشب، قد يزيد ديكورها من القدرة على الإقناع لكنها حكماً ستتفتت يوماً عندما تزأر المعارك.