شرقي سورية مسرح للعبة كبرى.. بقلم: أنس وهيب الكردي

شرقي سورية مسرح للعبة كبرى.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ مايو ٢٠١٧

بات الشرق والجنوب السوريان مسرح لعبة إستراتيجية معقدة، أطرافها يتوزعون ما بين القارات. وبينما يسعى الجيش السوري إلى بسط سيطرته على كامل البادية الشامية، مدعوماً بحلفائه الروس والإيرانيين، وحزب اللـه اللبناني، والمجموعات المقاتلة العراقية، تحث الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن ومن ورائهما دول الخليج، الخطا من أجل التقدم في عمق الصحراء السورية انطلاقاً من التنف. وعلى الرغم من كل الأجواء الودية بين الكرملين والبيت الأبيض، إلا أن واشنطن وموسكو لم تستطيعا إلى الآن التوصل إلى اتفاق على البادية الشامية.
ويعمل «البنتاغون» على مخطط يقضي بعزل محافظة دير الزور ومن الشمال الرقة والجنوب التنف والشرق الحدود العراقية. وفي المقابل تسعى دمشق وطهران إلى عزل المحافظة من الغرب تدمر والشرق الحدود العراقية.
وتخطط واشنطن لإنشاء «منطقة آمنة» في دير الزور تمتد باتجاه الجنوب إلى السويداء ودرعا على الحدود السورية الأردنية. وبالفعل ظهرت فيديوهات وصور لقوات أميركية خاصة تدعم ميليشيات مسلحة محسوبة على «المعارضة» في دحر تنظيم داعش الإرهابي من مناطق واقعة إلى الشرق من التنف. وجاء نشر هذه الصور كرسالة تحذيرية إلى دمشق من مغبة الاقتراب من المسلحين المدعومين أميركيا في البادية، وخصوصاً بعد الاشتباكات التي وقعت بينهم وبين عناصر الجيش السوري.
وتبدي عمان قلقاً من نتائج معركة الرقة، خصوصاً لجهة تكرار سيناريو الطبقة ما سيجعل الدواعش ينسابون في الصحراء السورية العراقية خالقين تهديداً طويل الأمد لأمن المملكة الهشة. ووفرت «قوات سورية الديمقراطية، قسد» ممراً آمناً لمسلحي داعش في مدينة الطبقة، خرجوا عن طريقه إلى الرقة، ولم تلبث طائرات «التحالف الدولي» الذي تقوده أميركا، أن قصفتهم.
ولذلك يصر الأردن على سياسة «الدفاع في العمق السوري»، على الرغم من مخاطر الاصطدام بدمشق التي رفضت أي تحرك عسكري أردني داخل الأراضي السورية لا يكون منسقاً. وتشتبه كل من دمشق وطهران في أن المخاوف الأردنية ليست أكثر من مزاعم تخفي وراءها مسعى أميركياً أردنياً لقطع الطريق على ما كان الملك الأردني عبد اللـه الثاني قد أطلق عليه «الهلال الشيعي».
ومع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة، سيتبلور أكثر مشروع «الآمنة» في دير الزور والجنوب.
وبلغ التوتر في جنوب سورية مبلغاً عظيماً الأسبوع الماضي مع انطلاق مناورات «الأسد المتأهب» التي تقوها واشنطن في المناطق الأردنية القريبة إلى الحدود مع سورية. واشتبهت كل من دمشق وطهران بأن المناورات جاءت كغطاء على تحركات أميركية بريطانية أردنية في الصحراء السورية المتصلة بالأردن.
ولزيادة الضغط على العراقيين، أوقفت واشنطن معركة خطط لها الجيش العراقي والعشائر ضد الدواعش في صحراء الأنبار. أرادت الولايات المتحدة من وراء ذلك ترك هذا الخطر قائماً ككابح لأي تحرك لقوات الحشد الشعبي في مناطق البعاج.
ومن الطبيعي أن يكون العراق، أكثر المعنيين بمجريات الأمور في شرق سورية، قلقاً حيال مساعي واشنطن استخدام أراضيه منطلقاً لعملية فصل المحور الإيراني عبر دير الزور، بعدما عززت القوات الأميركية وجودها في الرقة (الحدود السورية التركية، الطبقة، سد تشرين) والحسكة (رميلان) وريف حلب الشرقي (عين العرب)، خالقةً عازلاً ما بين العراق وسورية وتركيا.
ويحاول العراق إرساء توازن حرج ما بين إيران وأميركا، خوفاً من تحول أراضيه إلى مسرح للصراع ما بينهما إذا ما خرج السباق الراهن في شرق سورية عن السيطرة. واقتربت بغداد في هذا الصدد من روسيا.
وتسعى موسكو إلى لعب دور الوسيط ما بين واشنطن وطهران. وهي طرحت مبادرتها «مناطق تخفيف التصعيد» كمدخل لوساطتها. إلا أن أميركا لا تبدي إلى اللحظة أي حماسة للوساطة الروسية. وفي اللحظة الراهنة تعمل روسيا على إحداث ميزان على الأرض ما بين الإيرانيين والأميركيين يمكنها من تفعيل وساطتها تلك. من أجل ذلك، تدعم موسكو حملة الجيش السوري انطلاقاً من تدمر والتي تهدف للوصول إلى المناطق المشرفة على دير الزور وكسر الحصار الذي يفرضه داعش على المدينة.
وللضغط على واشنطن، لم تبد روسيا ممانعة حيال إنشاء «قاعدة بحرية إيرانية على الساحل السوري». والهدف من وراء هذه المناورة الروسية هو جذب أميركا إلى القبول بالتعاون مع موسكو وطهران في معركة دير الزور المقبلة والتراجع عن مشروعها العدواني حيال إيران الذي مسرحه الأراضي الواقعة شرقي سورية. والرسالة الروسية هي إما القبول بمشاركة روسية في معركة دير الزور أو أن موسكو ستدعم طموحات إيران في شرق البحر المتوسط.
وفي الوقت نفسه، نقلت قوات الحشد الشعبي العراقية مسرح عملياتها في العراق ضد تنظيم داعش، إلى الجنوب من تلعفر إلى البعاج، وعينها على الوصول إلى مدينة القائم المواجهة للتنف.
هكذا، وبينما تنهار خلافة داعش المزعومة، ترتسم معالم لعبة كبرى في شرقي وجنوبي سورية شبيهة إلى حد كبير باللعبة التي شارفت على نهايتها في شمال، وغربي سورية.