التعليم بين الفرض والتجارة.. بقلم: سامر يحيى

التعليم بين الفرض والتجارة.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ مايو ٢٠١٧

الحجر الأساس لبناء الإنسان هو التعليم، لأنّه استثمار طويل الأمد، وعندما يكون الأساس سليماً يكون بناء الوطن على أسسٍ قوية وثابتة، نتحدّى كل المعوقات والعقبات بحكمة وحنكة، وننشئ جيلاً يساهم ببناء وطنه، معتمداً على ذاته، بعيداً عن تحميل المسؤولية والبحث عن المنافع الشخصانية بطرق لا مشروعة على حساب وطنه وأبناء وطنه، فهذا الطالب بعد سنواتٍ عدّة سيكون هو المدرّس والطبيب والمسؤول والمهندس والموظّف الحكومي........ إلى ما هنالك.  
والتساؤل المطروح الذي يحتاج لإجابة وتشخيص سليم، لا سيّما نحن على مشارف انتهاء عامٍ دراسي، وهو سؤالٌ مكرّر كل عام، هل سنستفيد بجدية من أخطاء ونجاحات العام الحالي للاستعداد للعام الجديد، بشكلٍ جدّي بنّاء بعيد عن تنظير ورقي يفتقر إلى الدراسة الجدية والتشخيص السليم، تحت غطاء وطني؟ يا ترى هل تساءل القائمون على العملية التربوية، عن لجوء الطلبة للغش؟ هل بسبب سوء المدرّس وعدم قدرته على الإعطاء وتوضيح المعلومة للطالب!؟ لا سيّما أن الامتحانات هي حصيلة استيعاب الطالب ووصوله للمعلومة للتمكن من ربط العلم بالعمل، وهل نسبة النجاح المنخفضة دليل على قوّة المدرّس أم العكس تماماً؟! وهل منطقي أن يتحمّل المنهاج المقرّر المسؤولية، في ظل تحميل الكثير منا لمادة تدرّس ثلاث أرباع الساعة أسبوعياً سبب ما آلت إليه الأمور في بلادنا، ونتجاهل ست ساعات لبعض المواد!؟ هل علاج المسألة التربوية والتعليمية يجب أن يكون بالبحث عن أفضل وسيلة لمكافحة الغش وتوفير وسائل منعه من عنف وتهديد وعقوبات وما شابه، أم بالعمل الجدي على تأهيل الطالب وتحفيز الدافع الذاتي والتنشئة السليمة لتلقّي المعلومة واستيعابها، لا اللهاث وراء تجاوز مراحل وهمية ستكون كارثية على الشخص قبل الوطن؟! هل يقوم كل عامل في الحقل التربوي بدوره، بدءاً من الموظّف الإداري بشتى مفاصل العمل الإداري، وليس انتهاءً بدور المدرّس وأمين المكتبة لدى كل مدرسة أو كلية جامعية، وكل عاملٍ في القطاع التعليمي دون استثناء.  
إن العملية التربوية والتعليمية، هدفها تأهيل الجيل وتغذيته بالمعلومة الصحيحة، لا سيّما نحن في عصر التكنولوجيا والمعلوماتية والغزو الفكري لتدمير أبناء المجتمع، وتشويه التاريخ، وبالتالي مسؤولية المدرّس كبيرة جداً، لتوجيه الطلاب بإتقان كل منهم دوره في المجتمع، ويكون عنصراً فعالاً، والمراحل الدراسية هي مراحل علمية يخوضها الطالب لينطلق إلى الحياة ضمن تخصّصه وقدرته على العمل في إطارها، وليس بهدف الحصول على شهادة ورقية، التي صارت وسيلة "لتجارة العلم"، تحت تسميات مختلفة وجامعات وهمية وخلّبية تكاد لا تحصل معلوماته عنها 10% في الحد الأقصى، ولا يقل أهمية بتحمّل المسؤولية المؤسسات الوطنية التي بدأت باعتبار التعليم وسيلة لتأمين موارد مادية على حساب الطالب، وليس موارد معنوية تحتاج أن نبحث عن طرق تمويلها بعيداً عن الطالب.
أليس دور الأكاديميين والقائمين على العمل التربوي والتعليمي، عقد اجتماعات جدية للبحث عن أفضل وسيلة لبناء جيل يبحث عن المعلومة، وتكون الشهادة مجرّد تحصيل حاصل، ونتاج عمل دؤوب وعطاء مستمر، وأن نسبة النجاح دليل على قدرة المدرس على العطاء والإبداع، والعكس صحيح.
أليس من واجب  القائمين على العملية التدريسية، تدوين ملاحظاتهم والبحث عن أجوبة لأسئلة طلبتهم، وتقييمهم لمراحل عملهم في العام الدراسي وتقديمه في نهاية العام، لقسمٍ مسؤول عن الأبحاث لا سيما لدينا دائرة المناهج، ومديريات بحث بغض النظر عن التسمية حسب كل مؤسسة تعليمية..
 إن البحث عن مصادر دخل ماديّ للجامعات والمدارس يجب ألا يكون بفرض رسوم عالية، وتحميل الطالب عبئاً مادياً، بل هناك الكثير من الطرق والأبواب التي تساهم في تحقيق ذلك، وأهمها استثمار الأبحاث العلمية والأدبية والأفكار التي يقدّمها الطلبة، وكذلك المدرّس، سواءً للمؤسسات الحكومية أو الخاصة، ورفد مراكز الأبحاث والتأهيل والتدريب ـ للأسف التي انتشرت بهدف الحصول على الهدف المادي ـ لتكون داعم أساسي لسير العملية التعليمية والتربوية ورفد موازنتها..
ضم كافّة المؤسسات التعليمية تحت عباءة وزارتي التعليم العالي والتربية، بالتعاون والتعاضد مع الجهات المتخصصة، ولا تقل أهمية قيام وزارة الثقافة بدورها بنشر الفكر والمعلومة وتثقيف الجيل، وبالتالي زيادة موارد المؤسسات التعليمية والتربوية.  
     وهنا من المفيد جداً لتشجيع الطلبة على الإبداع، فرض رسوم على كل مادة يرسب بها الطلبة، أو سنةٍ دراسية، وبذلك يكون دافعاً إضافياً لمضاعفة الطالب جهوده ودراسته، والبحث عن أفضل الطرق للإبداع والتفوّق.
      أن تكون الجامعات الخاصة، وكذلك التعليم الموازي والمفتوح بمثابة عامل رديف في بناء الإنسان لا تجارة لتأمين ربحٍ مادي، وتوزيع شهادات علمية فخرية، بما يؤدي لدفاع بعض ضعاف النفوس عن هذه المؤسسة التعليمية، والتي يدرك أنها خلّبية، لمجرّد  أنّه تمت إضافة لقب "دكتور" إلى جوار اسمه.
      الاستفادة من دعم العملية التربوية والتعليمية من خلال صندوقٍ خاص بالتبرعات التي تقدّمها الجهات المتخصصة والرعاية العلمية ودعم المغتربين والمقتدرين مادياً، وبالتالي نلغي فكرة التعليم المرتبط بالمادة، للتعليم المرتبط بالعلم.....
في الجمهورية العربية السورية، لا سيّما جيل التصحيح المجيد، الذين عهدنا التعليم المجاني والإلزامي بمراحله الأولى، وشبه المجاني في بقية المراحل، وصولاً لنيل أعلى الشهادات العلمية، عدا عن إيفاد الكثير من الطلبة إلى خارج القطر للاستفادة من تجارب الآخرين وإسقاطها على الوضع في سوريتنا، هل بحثنا ماذا حققنا، أليس من الأفضل الاستمرار على هذا النهج مع تطوير في الأداء بما يتناسب والمرحلة التي نمرّ بها، لا نسف تاريخٍ بأمجاده ونجاحاته.
إن أهم ما نحتاجه الآن أن يدرك القائمون على إدارة موارد الوطن، التأكيد على أن المؤسسات التربوية بشتّى مراحلها، مؤسسات سيادية هدفها بناء الإنسان، ورديفاً أساسياً لحماة الديار في بناء المجتمع وتحقيق ازدهاره واستقراره، وبناء جيلٍ قوي مؤمن بوطنه، فحماة الديار يطهّرون التراب من دنس الإرهاب، وبناة الأجيال يطهّرون العقول من دنس التخلّف والتهرّب من المسؤولية...