الأقارب ليسوا عقارب..بقلم: سامر يحيى

الأقارب ليسوا عقارب..بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٩ مايو ٢٠١٧

     تعلّما من مدرّب الفتوة والتربية القومية أن حب الوطن من الإيمان، والنقد والنقد الذاتي، والخلق الحسن، والاهتمام بنظافة مدرستنا لأنّها بيتنا الثاني، ورددّنا شعارات وطنية، وأناشيد قومية تدغدغ عواطفنا ومشاعرنا، إلى ما هنالك من أمورٍ كانت محفزّة وتدفع بنا الروح المعنوية..
لكن بعد خروجنا من المدرسة، لا سيّما طلبة المراحل الأعلى والكثير من الجوار والأهل يسخرون مننا، ومن أنّنا صدّقنا كلام المدرس، بحجّة أنّه تنظير ونحن لسنا بسويسرا، ولسنا وحدنا في الكون لنلتزم، وما هنالك من إحباط معنويات، وإهمال الواجب والتهرّب من المسؤوليات الدراسية، واقتناع  الغالبية منا بأن الدراسة لنيل العلامة لا المعلومة، تولّد لدينا تناقض بين الواقعي والاكاديمي، ونخلط بين النفاق والمجاملة، بين المزاح والجد، لهثنا وراء عبارات "لست الوحيد، ولن تخرب الدنيا، والأقارب عقارب، ولما اشتده ساعده رماني وهجاني .. إلى ما هنالك"، وكل منا يشكو من الغدر والحقد وسوء الخلق، ونطلق الأحكام على الآخرين، ونتجاهل ذاتنا، وانقسمنا إلى قسمٍ اعتمد على تحقيق مصالحه الشخصية في إطار مصلحة الوطن، وهم سر نهوض الوطن وصموده، وقسم ارتأى الحيادية سبيلاً له بحجة "من لا يعمل لا يخطئ" ولا علاقة لي بما يجري، وقسم فضّل مصلحته الشخصية على حساب مصلحة الوطن، وعلى حساب أبنائه، والثاني والثالث هما اللذين يتحملان المسؤولية الكبرى في تسلل الإرهاب إلى بلدنا.
إذاً نحن أمام معضلة حقيقية تحتاج من كل منا التفكير الجدي، لا سيّما القائمين بالعمل الحكومي، فنحن لسنا بحاجة للبدء ببناء الإنسان من الطفولة، بل أن ننهض كلنا جميعاً، كل من مكانه وضمن دوره، فنحن دولة مؤسسات استطاعت التغلّب على قوى الشر والهيمنة، وكل مؤسسة عليها القيام بدورها، عبر خطط حقيقية جدية، وتشاركية واقعية،  فالآخر مهما كان سلبياً، يمكننا الاستفادة من رأيه، لتوليد فكرة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، بالتعاضد والتكامل بين صاحب الفكرة والمنظّر، وبين المسؤول المدرك لكل خفايا وموازنة وامكانيات وموارد المؤسسة ونظامها الداخلي، فالمدير الناجح الذي يستقطب الآخر وليس الذي ينفّر الآخر، الذي يستفيد من رؤية كل من حوله لا من يعتبر قراره الصائب، وغيره لا يفقه شيئاً، لا يدّعي أنّ فلاناً سرق فكرته، ويتجاهل أنّه لم يتمكن من تطبيقها أو لم يعمل على تطبيق فكرته أو يستفيد من تطبيق الآخر لها بتطويرها وابداع فكرة أكثر قابلية للتطبيق على أرض الواقع.
     إننا في عصر التطور، والمفترض الشفافية وانتشار المعلومة والخبر كالهشيم مهما حاولت كتمانه، فالجرأة ليست بتغيير القرارات ولا تطويرها، إنما باتخاذ القرار الأكثر ديمومة ومواكبة للتطورات بحكمة وحنكة ووفق أسس علمية وإدارية منطقية، فنحن لا نؤسس لليوم والغد، بل نؤسس لبناء المستقبل، مستندين للماضي، فعلينا ألا نقع بتناقض مع أنفسنا، بحجج نبرّر لهذا وننتقد لذاك... فمؤسساتنا راسخة في الجذور، ومن غير المنطقي أنها تحتاج ثلاث سنوات لتظهر نتائج عملها، فالحد الأقصى لتطوير أي مؤسسة مهما كان عملها حساساً وهاماً، لا يحتاج بين الثلاثة إلى ستة أشهر بالحد الأقصى، وإلا فهذا دليل على عجز القائمين على العمل، وعدم الدراسة الجدية للقرارات، وما يتلو تلك المدّة ما هو إلا ترسيخ وتوطيد للأسس والنهوض بالوطن.
 لدينا من المؤسسات ما يكفي لقيام كل مؤسسة بدورها المنوط به، ولا سيّما أن الشعب السوري بكافة أوردته أثبت للعالم أجمع بأنه وخلال فترة قصيرة جداً استطاع تحقيق المعجزات، وصمد في وجه كل المؤامرات، رغم الخسائر المادية والبشرية، فكيف إذا تضامن الجميع بقوةٍ وحكمة وحنكة، تكافل المسؤول والمواطن والمغترب، وهل سر الحملة الصهيوـأمريكية على المنطقة العربية وقلبها النابض سورية إلا لمنعها من الوحدة والتضامن والتفكير بالبناء والإعمار، وبالتالي فإن أي حجج ما هي إلا مبرّرات لا منطقية يجب أن يحاسب عليها المسؤولون عنها، فالقيادة السياسية تقوم بدورها المنوط بها في الحفاظ على سيادة سورية واستقلالها في المحافل الدولية، والتي أثبتت قدرتها على الوقوف بوجه أعتى دول العالم، وحماة الديار الذين يعملون على تطهير تراب الوطن من رجس الإرهاب وفق أسس منهجية، تزامناً مع عدم السماح باستنزاف قدرة الجيش وقوته لمجابهة الكيان الصهيوني,
 التنمية الإدارية ليست ندوات ولقاءات ودورات وحوارات وامتحانات تنظيرية، والتي لم نحصد لها ثمار حقيقية منذ بدأنا بها، لأن ما يحصل هو تطوّر طبيعي انطلاقاً من ثوابت المؤسسات الوطنية، وليس للخطط التنموية الإدارية، فواجب القائمين في العمل التنموي الإداري بالدرجة الأولى استنهاض الهمم، موظفين ومسؤولين، لتحدّي العقبات، وهذا ليس صعباً ولا مستحيلاً، وتلقائياً سنجد أنفسنا استطعنا تغيير الهيكلية الإدارية لكامل المؤسسات بحكمة وحنكة، فمن غير المنطقي عدم قدرة المدير على إدارة مؤسسته بإيجابية بناءة باستنهاض جهود 80% بالحدّ الأدنى من موظّفي مؤسسته، والمدير الأعلى باستنهاض ومتابعة 80% من المدراء التابعين لمؤسسته، وهلمّ جرى، وبذلك نصل لمرحلة جدية نستطيع التأثير الإداري البنّاء خلال ثلاثة أشهر.
فتعاون العاملين في كلٍ حقلٍ كفيل باستنهاض همم الجميع، وتحمّل المسؤولية الأخلاقية بالإضافة للأكاديمية والعملية، سيعطي ثماراً يانعةً بناءةً، والاجتماعات واللقاءات الجادة التي تقيّم الأداء والعمل، وتشخّصه على أرض الواقع، بعيداً عن التقارير الخلّبية المعسولة، والتي على أرض الواقع ليست إلا هباءً منثوراً، أو التفافاً على القانون والواقع، ووضع القانون حجر عثرة لا لبنة بناء، وعلى المرتبة الأعلى أن يدقّق ويلمس نتائج ما يرفعه له المسؤول الأدنى من تقارير لا يسلّم بصدقية الأمر، وهذا لا يعتبر انعدام ثقة، بل متابعة ومساهمة في تقييم العمل وتقويم العثرات لردم الفجوات.
ولو كل إداري عمل بمقدار خمسين بالمائة مما يتحدّث به أمام الآخرين، لوصلنا بمؤسساتنا لمراحل متقدّمة جداً، وهذا ليست بمبالغة، لأنّك تكاد تصل لمدير المؤسسة، ويحتار كيف صدر هذا القرار وما المانع من تطبيقه، وهذا يدعونا للاستنتاج بأنّ الموظّف الإداري عندما يضع خبرته ومعلوماته ونتائج عمله بغض النظر عنه إيجابياً أم سلبياً أمام الشخص الذي سيتسلم مهامه، سيساهم بتشكيل رؤية واسعة لدى المستلم الجديد للمهام، ويختصر أمامه الوقت الكثير، ليبني على إيجابيات ما سبق والاستفادة من الأخطاء وتقويمها، ولولا قوّة المؤسسات السورية ومتانة جذورها، لا سيّما بعد التصحيح المجيد، لما استطاعت أن تنهض خلال مرحلة التطوير والتحديث وصولاً لمرحلة إعادة البناء وتطهير البلاد، فليس من المنطق هدم البناء، بل تدعيمه وإغنائه بكل ما هو جديد ولائق، لا هدمه وتدميره بهدف إقامة بديلاً منه، وإلا فلما رأينا الحضارات ولا رأينا الصمود الذي نراه الآن، فهدم ما سبق والبناء على فكرة تعلّمناها من هذه الأكاديمية أو تلك، وحجب المعلومة أو تجاربنا عن الآخرين بحجة عدم سرقة الفكرة، أو سوف يتكلّم عليك بالسوء مهما فعلت له وغيره من عبارات جاهزة يكاد يعرفها كل العاملين بالمؤسسات، ما هو إلا هراء وقلة ثقة بالنفس، وانعدام النضوج العقلي والفكري والإنساني والأخلاقي بآنٍ معاً، مهما ارتقت الدرجة العلمية والاكاديمية والوظيفية.  
وطننا ينادي كل منا، كفانا تنظيراً وتجارباً خلبية، بل علينا التعاضد والتكافل والتعاون والتعامل البناء، ونكون عوناً لبعضنا لا عبئاً على بعضنا، وكل منا يمنح تجاربه للآخر، فكلما أعطيت للآخر تجاربي وأفكاري، بالتأكيد سوف تكون لدي القدرة على توليد أفكار جديدة وتطوير القديمة، وإلا فهي ليست أفكار بل ترّهات استطاع الآخر بحنكته الاستفادة منها....