«القِبلة الأميركية» والتوضؤ بماء المريخ: «مات الخليفة، عاش الخليفة»

«القِبلة الأميركية» والتوضؤ بماء المريخ: «مات الخليفة، عاش الخليفة»

تحليل وآراء

السبت، ١٧ يونيو ٢٠١٧

فرنسا – فراس عزيز ديب

قبل أيام تداولت مواقع السوشيال ميديا كلاماً لأحد شيوخ «فتاوى الديليفري» يقولُ فيه إن الوضوءَ بماءٍ من المريخ لا يجوز لأنه نجس، كالعادة وبعد أن يصبح هؤلاء مادة للسخرية كما حدث في فتوى «جهاد النكاح»، فإنهم يسارعون للتبرؤ من هذه النكتة، لكن هكذا سجالات على تفاهتها لا تزال تطرح علينا تساؤلاً مهماً: إلى متى؟!
هل قدرنا فعلياً أن نبقى نضحك ونبتسم، وبذات الوقت مستسلمينَ لهذا الواقع الأحمق الذي يسرق منا حتى بديهيات وجودنا، وهل قدرنا أن نتشظى فكرياً وحضارياً لدرجةٍ تضيع فيها بوصلتنا، بل يصبح عدونا قادراً أن يفرضَ علينا حتى قبلةَ صلاتنا؟!
تارةً يريدون لنا الصلاة على الجهة التي أعلن من خلالها مقتل «الخليفة البغدادي» دون أن يُسمح لنا بالتفكير ولو منطقياً: ماذا سنستفيد إن قتل الخليفة أم لم يقتل؟ أليس هناك من يقرأ على مسامعهم عبارة «قتل الخليفة، عاش الخليفة»، هي ذات العبارة التي تقول «مات الملك عاش الملك»، ومن قال إن «نهجَ الملوك» يموت؟! فهل توقف نهج القتل الأميركي برحيلِ رئيسٍ ومجيء آخر، هل تصدقون أن نهج القتل سيتوقف برحيل «خادم الحرمين»؟
تارةً ثانية يريدون لنا أن نصلي على الجهة التي تأتي منها قرارات فعل الندامة وبكائيات التوبة، من رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير إلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وصولاً لوزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم الذي اعترف، ليس مشكوراً، أن الجميع في سورية أخطأ، وأن نجاح الإرهابيين كان سيعني وصولهم للخليج.
الأمر مجرد خطأ، حسب بن جاسم، حتى لو كانت نتيجته تدميرَ أوطان وتشريدَ شعوبٍ بكاملها، ولا نعلم إن كان هناك من سيجد لهم فتوى لهذا الخطأ بالقول: إن «منظري ربيع الدم العربي» اجتهدوا، فإن اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وكونهم لم يصيبوا فلهم أَجر ولا إثم عليهم! بل ربما هناك من سيطالبنا يوماً كما حدث مع غيرهم، بأن يكونوا عناوين في سطورِ تاريخنا رغم ما ارتكبوه من كوارث، وهل هناك كارثة أكبر من أننا نعيش زمن ديمقراطية «طويل العمر»! ألم يخبرنا أحد قياديي «حزب النور» الوهابي في مصر، في محض تسويغهِ لبيع النظام المصري جزيرتي تيران وصنافير بأن المنطق يقول: إن كل أرض دخلها الإسلام هي ملك للسعودية، هو يحدثنا بالمنطق بمعزلٍ عن أي منطق، حتى لو كان ذاك الذي يقودنا لفرضية أن أي أرضٍ سيصلها راعي البقر الأميركي هي قبلة لصلاتهم، لكن المشكلة أن الأميركي لايفضل دور «قبلة الصلاة» تلك، كل ما يريدهُ أن يكون «خازن بيت المال» يجتمع حوله «العسس» كلما شاء لهم أن يجتمعوا، لكي يجمع مايسد رمق غزواته لحمايتهم.
لا نعلم إن كنا نمتلك أرقاماً حقيقية حول ماجمعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب منهم في هذه الأسابيع فقط، ولا نعلم حتى إن كانت منهم أموال الزكاة وإيرادات الحج والعمرة، لكن ما نعلمه أن شياطين الشر باتت قبلتها الآن دونالد ترامب، وصراعهم الداخلي برعايته لم يعد من باب «أنا وأنت» بل «إما أنا أو أنت».
بذكائه أوصل شياطينهُ لنقطة البحث عن «الفرقة الناجية» في المفهوم الأميركي لا أكثر، ليست السياسة فقط هي من تقول ذلك، لكنها الوقائع أيضاً فكيف ذلك؟
منذ أسابيع لم تهدأ الأخبار عن حوادث تصفيةٍ هنا وهناك بين الفصائل الإرهابية في سورية على كافةِ ولاءاتها وارتباطاتها، بما فيها عمليات اغتيال قيادات الصفوف الأولى، كذلك الأمر باتت إدلب بالكامل على صفيحٍ ساخن، تحديداً أنها في الريف مثلاً تبدو نموذجاً عما يمكن أن يؤول إليه اتساع الخلاف القطري السعودي الذي بات واضحاً أنه أكبر من مجرد خلاف.
قد لا يعنينا مثلاً العملية التي استهدفت الإرهابي عبد اللـه المحيسني، لكن ما يعنينا أن كل طرف الآن بات يريد سحب أوراق قوة الطرف الآخر في سورية والحبل على الجرار، والأميركي مما لاشك فيه، أنه يريد تسعير الخلاف لحدودٍ أبعد، تحديداً بعد أن قدم «آل ثاني» فروض الطاعة المطلوبة بصفقة عشرين مليار دولار لشراء طائرات، لكنه بذات الوقت يعلم أنه بات يمتلك البدائل التي تغنيهِ عما ستؤول إليه حروب التصفية بين التنظيمات الإرهابية أياً كان المنتصر.
القصة ليست فقط بالانفصاليين الأكراد لكننا نتحدث عن المجموعات الإرهابية التي أعدها وجهزها في منطقة التنف، والتي يشرف مباشرةً على تدريبها وتسليحها لتكونَ بعيدة عن أي تأثير لا يرغب فيه حتى من قبل مشيخات البترودولار، وهذه التجربة أعجبت الأميركي جداً بل ربما أنه سيحاول إعادة استنساخها في مناطق ثانية، وهو ما يفسر لنا ارتفاع الحديث عن صراعٍ داخلي في الولايات المتحدة بين وجهتي نظرٍ بما يتعلق بمسار الأحداث في سورية:
الأولى يقودها وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يرى أن أي توسيعٍ للعمليات الأميركية في سورية سيقود حكماً لمواجهاتٍ لا يمكن التنبؤ بنتيجتها، وتنطلق هذه الفرضية بأن الجيش السوري يتسلح بالقانون الدولي الذي لا يوجد أي قرار أممي يمنعهُ من الوصول لكلِ شبرٍ من التراب السوري واعتبار كل من عليها دون موافقة الحكومة السورية بمثابة احتلال، كذلك الأمر فإن وجهة النظر تلك تفترض أن الروسي قد لا يدخل مباشرةً في صراعٍ مع الولايات المتحدة لكنه حكماً سيؤمن للجيش السوري كل مستلزمات الصمود، فهل الأميركي جاهز لهكذا مواجهة؟!
الثانية يقودها مدير مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عزرا واتنيك الذي يعتبر أن ما يجري فرصة لا تتكرر لضمان الحدود الشمالية لـ«إسرائيل» وأن توسيع تلك العمليات يجب أن يكون حكماً في الجنوب السوري، هذه الفرضية تريد نسيان سورية بخارطتها السابقة بل إن المدافعين عنها يرون أن السوريين لن ينجروا لمعركة مع الأميركيين ليسوا أهلاً لها، والروسي لا يمكن له بأي حالٍ من الأحوال أن يذهب بعيداً في دعمه لـ«النظام السوري»، وبين وجهتي النظر تلك، ماذا ينتظرنا؟
لو تحدثنا بواقعيةٍ لقلنا إن هذه الإدارة الأميركية علمتنا أنها تنحو نحو الأسوأ لأنها تريد العالم «مسرحاً للفوضى»، بالتالي فإن توسيع العمليات الأميركية في سورية سيرتفع ليأخذ أبعاداً تصعيدية خطيرة، أما لو تحدثنا بعاطفةٍ لقلنا إننا نأمل بانتصارٍ لوجهةِ النظر التي تحذر من عواقب الخطوات غير المحسوبة، لكن في مثلِ هكذا مواقفَ مفصلية تبدو كلتا الوجهتين ذراً للرمادِ في العيون، والأفضل أن نقدم وجهة نظرنا كسوريين:
عندما كان البعض منذ سنواتٍ يبشرنا بأن الحرب العالمية قادمة، كنا نسأله: ماذا تسمي ما يحصل؟ عندما تحدثنا منذ ربيع العام 2012 في مقالٍ بعنوان «الأزمة السورية وخليج الخنازير» وقلنا إن الصراع بين الأميركيين والروس سيعيد لنا حكاية ما جرى بين الأميركيين والسوفييت في كوبا، ظن البعض أن المقاربة بعيدة وسخر منها، قبل أن يعود البعض لاستنساخ الفكرة والحديث عنها، وأخيراً عندما كان البعض يزاود علينا بأهمية تحويل الحرب مع الكيان الصهيوني للتخفيف مما يجري، كنا نقول له: إن أي إرهابي يموت في سورية وأي منطقة نحررها في سورية بالنهاية هي خسارة للإسرائيليين ومن يدعمهم، وهذا معناه أننا كسوريين لا يهمنا أي السيناريوهات لديهم ستنتصر في النهاية؛ وإن كنا نتمنى الأفضل لكننا حكماً نستعد للأسوأ، والأسوأ غالباً هو اللحظة الأخيرة التي تسبق الفجر، فهل سيكون الفجر منبعثاً من رمال الشرق؟ لما لا؟ فالاستعداد لما يفكر بهِ العدو هو نصف انتصار، والنصف الباقي يتكفل به شجعان هذا العصر لأنهم كمن يقول لمن لا يزال يعاند: فكروا بالعواقب قبل أن تنجروا لما لا يحمد عقباه، أو أن أردنا مخاطبتهم باللغة التي يفهمونها: قبل أن تتطاحنوا بجوازِ التوضؤ بماءِ المريخ، فكروا بالوصول إلى المريخ.