الأكراد ومفترق المصير.. بقلم: إيهاب زكي

الأكراد ومفترق المصير.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ يونيو ٢٠١٧

إنّ بعض الجُمل والكلمات التي يتم تداولها عن قوة القوات الكردية شمال سورية، من قبيل "قوة لا يستهان بها"، "حليف-أمريكي-موثوق"، "قوة لا يمكن تجاوزها"، هي عباراتٌ لا معنى لها سوى أنّ هناك من أراد بالأكراد شرًا مستطيرًا، فهو بترداد هذه العبارات التفخيمية يضعهم على قوائم الشطب النهائي، ويبيعهم من الوهم ما يكفي ليدفعوا الثمن فناءهم، والفناء هنا معنوي وليس ماديًا، بمعنى أنّ أطماعهم ستفنى وتدفن لقرنين قادمين، بكل ما يحمل ذلك من ضغائن قد يصل حدود الاضطهاد المجتمعي والسياسي وحتى القانوني، خصوصًا أنهم يراهنون على البوابة الأمريكية في إغلاقهم باب المصالحات الوطنية، وهي بوابة كما يقول روبرت فورد السفير الأمريكي الأخير في دمشق، أنها بوابة غير مجدية فضلًا عن كونها لاأخلاقية. حيث قال في لقائه مع جريدة الشرق الأوسط السعودية "أعتقد أنّ ما نقوم به تجاه الأكراد ليس غباءً سياسيًا فقط، بل هو غير أخلاقي،(...) فأمريكا لن تدافع عن كردستان"، ولا أعتقد أنّ كلام فورد بحاجة لتأويل، والأسوأ أنه ليس بحاجة ليُقال، فحلفاء أمريكا دائمًا ما يحظون بأبشع النهايات، والأشد سوءًا أنه بعد قوله لا يتم فهمه.

حين سئل وليد المعلم وزير الخارجية السورية عن قتال الأكراد، قال إنّه قتال مشروع، وهذا فتح لأبواب الدولة والمواطنة والحقوق على مصارعها أمام الأكراد، مقابل ذلك يقول طلال سلو الناطق باسم هذه القوات "إنّ استمرار هجوم قوات النظام على مواقعنا سيضطرنا للرد بالمثل، واستخدام حقنا المشروع بالدفاع عن قواتنا"، إنّ الوزير المعلم بما هو ممثل لدولته حين يضفي مشروعية على قتال الأكراد لداعش، فليس من باب زهد سوريا بشمالها، وليس من باب محدودية القدرة العسكرية للجيش السوري والعجز عن فتح الجبهات، بل من باب اتقاء شر القتال شمالًا أولًا، ومن باب حماية الكرد أنفسهم ثانيًا من استهدافٍ تركي أو إيراني أو أيِّ من حلفاء سوريا حاليًا أو مستقبلًا. مقابل هذا الموقف السوري الأخلاقي والسياسي ينطلق سلو وأمثاله بتصريحات تنم عن قصر نظر أقرب لنشوات المراهقة السياسية، ويعطوا لأنفسهم حقوقًا مشروعة بالدفاع عن قواتهم، وحتى هذه اللحظة لا أعرف مشروعية قانونية أو سياسية دولية أو إقليمية أو محلية لحقوقهم الدفاعية عن قواتهم، سوى لامشروعية التبعية لأمريكا، فأمريكا وحدها هي من أعطتهم القوات وهي وحدها من أعطتهم الحق بالدفاع عنها، وهو حقٌ مؤقت لا ضمانات على بقائه، فأمريكا نفسها لا تضمن البقاء هنا، فكيف لفاقد الضمان أن يعطي الضمانات للآخرين.

فالسفير الأخير في دمشق روبرت فورد يقول "سينسحب الأمريكيون، كما تعرف انسحبنا من بيروت عام 1983 وانسحبنا من العراق أيضًا"، إنّ نشوة إسقاط السوخوي السورية التي سرت في العروق الكردية، هي جزءٌ من التكتيك الأمريكي للإيغال في الأكراد توريطًا، فبعد الخسارة الأمريكية الفادحة في الرهان على داعش، تقوم الولايات المتحدة باستبدال الحصان، والحقيقة أنّ حصان داعش كان أكثر جموحًا وأشد فتكًا، ورغم ذلك فإنّ الجيش السوري والقوات الحليفة جعلوا منه مجرد هرٍ بلا مخالب، وقد سيطر في وقتٍ وجيز على جغرافيا تعادل مساحة عدة دولٍ مجتمعة، وتزخر بالثروات النفطية والزراعية والبشرية، وكان يتمتع بالدعم والحماية، أو التسهيلات في أضعف الروايات من أمريكا و"إسرائيل" وأوروبا ومحميات النفط، وها هو يغور وتغور معه المشاريع الأمريكية التقسيمية. فعلى ماذا يراهن الأكراد ولن يجتمع لهم ما اجتمع لداعش من تغطيةٍ ودعم، إنّ رهانهم على الأمريكي سياسيًا وجيهٌ في حالةٍ واحدة-وإن كان لاأخلاقيًا في كل حال-، أن كان محور دمشق في حالة تفكك وتراجعٍ أو ضعف، أما الرهان على محور غائر لمجابهة محورٍ فتيٍ صاعد، فهو مرحلة متأخرة من داء الحمق السياسي الذي لا دواء له.

بغض النظر عن تاريخ التواجد الكردي في سوريا وملابساته، فقد حازوا حقوقًا مكتسبة، أكسبتهم إياها الجنسية السورية التي منحتهم إياها الدولة، وعادةً فإنّ هذا النوع من الحقوق والذي يُؤحذ بمرسوم سيادي أو قرار إداري، بالإمكان انتزاعه أيضًا بمرسومٍ سيادي أو قرار إداري أو قضائي، فالجنسية المكتسبة يمكن سحبها إذا ما تبين للدولة أنّ من اكتسبها ليس أهلًا لها، وهذا بعكس الجنسية الأصلية، لذلك فإنّ الصدام الكردي مع الدولة السورية هو أسوأ ما يمكن أن يحدث للأكراد، فنتيجة المنازلة محسومة قطعًا لصالح الدولة السورية، ونتيجة هذا الانكسار ستكون طامّة على هذه القوات وعلى من شايعها، وسيخضعون جميعًا لقرار مركزي سوري لا يملكون إلّا الدعاء كي يكون في ذروة الأخلاق، وعلى أي كرديٍ مقاتل أن يعرف أنّ الإصرار على مواجهة الدولة السورية، سيجلب هذه المواجهة مهما تأجلت، وأنه منهزمٌ مهما طالت المواجهة، وعليه أنّ يدرك أنّ أقصى ما يمكن الحصول عليه وقت الانكسار طمعًا في أخلاق قرار الدولة، هو الاحتفاظ بجنسيته، بعكس الانسجام مع المشروعية التي منحتهم إياها الدولة عبر وزيرها المعلم، حيث سيكون بإمكانهم التسجيل في سجل الشرف للدفاع عن الدولة، بكل ما يترتب على ذلك من حقوق مدنية وسياسية وقانونية، وهم يقفون الآن على مفترق الطرق المصيري.

بيروت برس