الأزمة القطرية والخضوع السعودي لحزب الله.. بقلم: إيهاب زكي

الأزمة القطرية والخضوع السعودي لحزب الله.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الجمعة، ٢١ يوليو ٢٠١٧

إنّ أخطر ما في استمرار الأزمة القطرية، هو تكريس الوقاحات الخيانية كأنها أكاليل الفخر، فعلى مدار سنيّ العدوان على سوريا تكرست مفاهيم خيانية تحت ستار الحريات وحقوق الإنسان، أمّا في الأزمة القطرية فيتسابق مثقفو إعلام النفط لتكريس الخيانات باعتبارها حنكة دبلوماسية، وأنّ دفع الجزية مقابل الحماية الأمريكية حكمة سياسية، فيُقال في إعلام قطر أنّها ربحت دبلوماسيًا وأدارت الأزمة بحنكة شديدة، وذلك من خلال الإبقاء على القاعدة الأمريكية، ونجاحها في عقد صفقة طائرات الـ"إف 15" الأمريكية بقيمة 12 مليار دولار، وإجراء مناورات مشتركة مع القوات الأمريكية. في المقابل، فإنّ الإعلام السعودي يعتبر أيّ تصريح أمريكي حتى لو تغريدة للرئيس الأمريكي على "تويتر" ضد قطر، نجاحًا لطائر رُخ الدبلوماسية السعودية عادل الجبير وهرقل العهد الجديد محمد بن سلمان، وأنّ التظلل بالمظلة الأمريكية هي غاية الدبلوماسية القصوى، وأنّ وجود ترامب في الخندق السعودي دليل أنها على الحق المطلق، وشيئًا فشيئًا سيتم تسويق التطبيع مع "إسرائيل" باعتباره ذروة الدهاء السياسي، فتكريس أمريكا كمقياسٍ للحق ومعيارٍ للحقيقة، لن تكون نتائجه غير ذلك.

أصدرت الخارجية السورية بيانًا يصف قادة أوروبا بالرعونة، وذلك في معرض تعليقها على العقوبات الجديدة التي أقرها الاتحاد الأوروبي على شخصيات ومؤسسات سورية، بحجة إسهامها في البرنامج الكيماوي، فإذا كانت الدبلوماسية السورية الموسومة بالبرود والتهذيب حد التجمد، تسم قادة أوروبا بالرعونة، فما هو الوصف الذي يمكن لكاتبٍ غير ملزمٍ باللياقات الدبلوماسية إطلاقه على السلوكيات السعودية في الأزمة القطرية، ودون الحاجة لإطلاق ذلك الوصف لأنّي أظنه قد وصل لمخيلة القارئ، والحقيقة أنّ ما يعانيه المحور السعودي من تخبطٍ وارتباكٍ واختلال، نابع من كون السعودية لا تمتلك خطة "ب" للتعامل مع ما استجد في الأزمة، فقد كان المخطط اختراق للوكالة القطرية، يعقبها تحريض وتجييش على مدار يومين أو ثلاثة على الأكثر، ثم تدخل قوات سعودية ومصرية وإماراتية الدوحة تحت أيَ مسمى، وكانت الخطة ترتكز على هذا الدخول وهروب تميم وتشكيل حكمٍ من أحد فروع آل ثاني، والاستئثار بالأموال القطرية وصناديقها السيادية وثروتها الغازية، وهذا بناءً على ضوء أخضر من ترامب للمحمدين بن سلمان وبن زايد، ولكن الإدارة الأمريكية ارتأت أنّ الاستحواذ على الثروات القطرية والسعودية والإماراتية يتطلب إدارةً للأزمة لا إنهاءً لها.

والطريف في الأمر أنّ جولة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون فشلت في حل أو حلحلة الأزمة، وسابَق الإعلام القطري الهواء ليثبت أنّ توقيع تيلرسون اتفاقية لمحاربة الإرهاب مع نظيره القطري، تعني أنّ الولايات المتحدة لا زالت في الخندق القطري، ولتمت السعودية بغيظها، فيما استبق الإعلام السعودي نظيره القطري باعتبار الاتفاقية مجرد تفاهمات لا ترقى لمستوى الإلزام، وأنّ توقيع التفاهم لا يعني أنّ أمريكا غادرت الخندق السعودي. إنّ ما يجعل قطر تبدو متفوقة دبلوماسيًا هو الاندفاعة السعودية الحمقاء، والتي كانت ستبدو اندفاعة حازمة لو اكتمل المخطط باجتياح قطر، فهناك غرفتان في "السي آي إيه" إحداهما لإدارة ما يسمى بالدبلوماسة السعودية، وثانيهما لإدارة ما يسمى بالدبلوماسية القطرية، وأكاد أجزم بمنطق التحليل وقطعية المنطلقات، أنّ الولايات المتحدة بأحد أجهزتها ساعدت الإمارات في اختراق وكالة الأنباء القطرية- والإمارات هنا تحديدًا لأنّ الـ"واشنطن بوست" نقلت ذلك عن مسؤولين استخباراتيين أمريكيين-، ثم قام جهاز الـ"إف بي آي" بمساعدة قطر للكشف عن الخرق الإماراتي، فلا تعلن قطر عن اسم الدولة المخترقة التي توصل لها الـ"إف بي آي"، فغير مسموحٍ لها ذلك حسب أوامر غرفة الـ"سي آي إيه"، وهي التي تبحث عن عطسةٍ إماراتية غير قانونية في مجاهل أفريقيا، ولكن تقوم الـ"واشنطن بوست" بالتسريب، فتعلن الجزيرة عن دهشتها بالمعلومة، وتبدأ حفلة الردح الموضوعي للإمارات.

إنّ الأزمة الخليجية لا شك أنها أحد تجليات الصمود السوري، فالرئيس السوري وهو يتحدث عن الفساد والإصلاح، يريد القول بأنّ الصمود قد أينع نصرًا سياسيًا باهرًا، وقد نحتاج بعض الوقت لإعلان نصر عسكري نهائي، والنصر السياسي أكثر أهمية من النصر العسكري رغم أنه أحد نتائجه ومرتكزاته، وقد شهدنا كذلك تحرير الموصل وها نحن على أعتاب تحرير عرسال، ولكن السؤال الذي لم أجد له جوابًا بعد، هو أنّه وبعد إعلان السيد نصرالله "أنّ هذه هي المرة الأخيرة التي سأتحدث فيها عن موضوع عرسال"، بما أوحى بقرب معركة الحسم العسكري، شنَّ الإعلام السعودي حربًا بدت كأنها خطوة استباقية لعرقلة أي خطوة في هذا الاتجاه إن كانت من الجيش اللبناني أو من حزب الله، وبدأ التجييش والتحريض على التظاهر ضد الجيش كأحد أدوات العرقلة، وفجأة يعلن وزير الداخلية اللبناني عدم منح تراخيص لأيّ تظاهرة أو تظاهرة مضادة، ثم يعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عن عملية مدروسة للجيش اللبناني في جرود عرسال، مع تغطية إعلامية سعودية مرحبة بالخطوة، وهو ما يشبه الرضوخ السعودي لإرادة حزب الله وخضوعًا لخطاب أمينه العام. فهل هذا الخضوع السعودي نتاج وهن أم رشوة لإيران أم تحايل على سوريا أم ضربٌ لأحد الأجنحة القطرية، وهكذا يبدو السؤال معقدًا، ولكن ونحن نعرف أنّ السعودية لا تنطق إلّا عن هوى أمريكي، يصبح السؤال أكثر تبسيطًا، وقد يأخذنا لماكينة الاتفاقات خفض التوتر الأمريكية الروسية.