تحرير جرود عرسال بين الإيجابيات والسجال السياسي..بقلم: عمر معربوني

تحرير جرود عرسال بين الإيجابيات والسجال السياسي..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١ أغسطس ٢٠١٧

كثيرةٌ هي التساؤلات حول مسار ونتائج معركة جرود عرسال التي خاضتها المقاومة اللبنانية، وكثيرة هي السجالات والمواقف والتي من المرجّح ان تستمر لفترة قادمة، حيث كان لهذه المعركة تداعيات ستؤثر في مسار الصراع القائم في المنطقة وخصوصاً المرتبط بالصراع مع العدو الصهيوني.

في مقاربة هذه المعركة، لا يمكن تخطي مجموعة من النقاط وهي:

1- الطريقة التي قاتلت بها المقاومة.

2- اهمية تنفيذ اتفاقية استسلام النصرة ورحيل مقاتليها مع عائلاتهم الى ادلب.

3- الإنعكاسات الإيجابية للعملية على عرسال ولبنان.

4- التنسيق بين المقاومة والجيشين اللبناني والسوري.

5- طبيعة المعركة القادمة بمواجهة "داعش".

6- صدى العملية في الكيان الصهيوني.

 

أ‌- بدايةً، وبمقاربة سريعة للطريقة التي قاتلت بها المقاومة، كان مفاجئاً للجميع الوتيرة السريعة للعمليات قياساً بالتقديرات المرتبطة بطبيعة أرض المعركة والتضاريس المعقدة التي ضمّت مسرح العمليات. فالبنظر الى حجم المساحة الجغرافية (حوالي 100 كلم مربع)، وسيطرة جبهة النصرة على التلال الحاكمة المشرفة على ممرّات تقدم وحدات المقاومة، لم يختلف اثنان من الخبراء ان المعركة ستكون معقدة وصعبة ومكلفة، وهو أمر تقاطعت آراء الخبراء فيه مع آراء كبار الضباط الأميركيين الذين اعطوا رأيهم قبل بدء العملية.

من خلال المتوفر من افلام وزّعها الإعلام الحربي للمقاومة، كان واضحاً الرشاقة واللياقة البدنية لعناصر مجموعات الإقتحام والذين كان بحوزتهم عتاد قتالي ثقيل ومتنوع يكفي حاجة المقاتل لأيام، وشمل معدات حفر ونوم واحتياطي ذخيرة.

الأسلحة التي استخدمتها المقاومة ضمن مجموعات الإقتحام اقتصرت على السلاح الخفيف والمتوسط، مع ملاحظة العدد الوفير من القناصات الثقيلة، علمًا بأن المجموعات قاتلت في الوثبة الأولى من تحت الى فوق حتى لحظة السيطرة على القمم الحاكمة، وهو ما يعني ان المقاتلين تقدموا فجراً من الغرب الى الشرق في الأرض اللبنانية رغم وقوع عين الشمس في وجوههم، وهذا يعني ان المقاتلين اختاروا التقدم من الجهات الصعبة وفي الظروف الصعبة.

 تقدم المقاتلين كان متزامناً مع عمليات التمهيد الناري وليس بعده، حيث تم استخدام صواريخ بركان الثقيلة قصيرة المدى (رأس حربي 500 كلغ) في تدمير دشم "جبهة النصرة"، مع استخدام مميز لمدفع الميدان الثقيل عيار 130 ملم الذي شاهدناه محمّلاً على شاحنات ثقيلة، وهي تجربة لم تقم بها جيوش نظامية من قبل.

في اللحظة التي سيطرت فيها مجموعات الإقتحام على القمم، تمّت السيطرة النارية على كامل الوديان والهضاب وتمّ شل حركة "جبهة النصرة" وضرب كافة مرابض الهاونات والصواريخ الموجودة في الوديان، وهو ما حرم "النصرة" من امكانية استخدام النيران الثقيلة بما فيها السيارات راعية الدفع التي تحمل رشاشات ثقيلة.

كان واضحاً منذ لحظة السيطرة على القمم ان مقاتلي "جبهة النصرة" دخلوا مرحلة الإنهيار وبدأوا بتنفيذ انسحابات فوضوية انتهت بهم في منطقة الملاهي ووادي حميد، وخرجوا من القتال نهائياً بعد احتمائهم بمخيمات تقع خارج سيطرة الجيش اللبناني وتضم اهاليهم واقاربهم، وهو ما جعل قيادة المقاومة تأخذ قراراً بوقف العمليات تحاشياً لتعرض المدنيين لأية اصابات، بعد الوصول لإتفاقية وقف اطلاق نار من خلال وساطة ادارها اللواء عباس ابراهيم وباشرافه المباشر.

 

ب‌- لم تمضِ أيام قليلة حتى اصبحنا ضمن مرحلة تبادل لجثامين المقاومة وجثث "جبهة النصرة"، لتبدأ اليوم عملية ترحيل لمقاتلي "النصرة" وعائلاتهم واقاربهم والتي سبلغ العدد المرتقب ترحيله حوالي 10 آلاف بين مسلح ومدني، هم في الحقيقة البيئة الحاضنة المباشرة للمسلحين.

الى ادلب ستتوجه الدفعة الأكبر من بين الذي اختاروا الرحيل اليها، وهو عدد ليس بالقليل اضافة الى ان عملية الترحيل ستتم ضمن مرحلة واحدة ومن المرجح ان نشهد نهايتها مساء الغد حيث نقطة التبادل بالقرب من منطقة الراشدين في حلب، حيث سيتم تسليم اسرى لحزب الله أُسروا في معارك ريف حلب الجنوبي علماً بأنّ ثلاثة اسرى للحزب سيتم اطلاقهم قبل ذلك، بعد وصول الحافلات الى حدود منطقة فليطة، وهم في المناسبة اسروا في معركة جرود عرسال بعد ان ضلّوا طريقهم.

في المباشر، تعتبر النتيجة التي وصلت اليها المعركة ممتازة ومشرّفة وهي تحصل ضمن مزايدات من البعض حول ضرورة عدم اتمام الصفقة والاستمرار في المعركة ووضع الإرهابيين في السجن، وهو الأمر المتعذر حدوثه بسبب احتماء الإرهابيين بالمدنيين حيث ستكون النتائج كارثية وغير محسوبة.

ج- في الإنعكاسات الإيجابية على لبنان وعرسال، لا يختلف اثنان إلّا مكابر او مناصر للإرهاب، انّ ما حصل هو لمصلحة لبنان كله ولمصلحة عرسال بشكل خاص ولمصلحة النازحين السوريين ايضاً، فخروج هؤلاء سيتيح وضعاً أمنياً افضل بالنسبة للبنان ولعرسال بشكل خاص حيث ستتسنّى عودة العرساليين الى حقولهم وارزاقهم اضافة الى تحررهم من سطوة الإرهاب الذي تعرض لهم وارتقى منهم شهداء في مواجهته.

د- سجالات كثيرة حصلت حول التنسيق بين الجيش السوري والمقاومة والجيش اللبناني، وبعيداً عن هذه السجالات لا يمكن ميدانياً تنفيذ العملية وخصوصاً من جهة جرود عرسال الغربية دون تنسيق المقاومة مع الجيش اللبناني، وبالتحديد عندما اندفعت وحدات المقاومة من جهة وادي زعرور بموازاة خطوط دفاع الجيش اللبناني، وهو أمر لا يمكن ان يتم دون تنسيق مباشر.

ه- مع انتهاء ترحيل ارهابيي جبهة النصرة ومرور عيد الجيش اللبناني سنكون بالتأكيد امام انطلاق العملية التي ستنطلق من الجهتين السورية واللبنانية، وبتنسيق عالٍ بين القوى المعنية بالمعركة على غرار معركة جرود عرسال، بفارق اننا سنكون امام اسرى من "داعش" حيث ليس للتنظيم سوابق في الإستسلام او عقد التسويات، وهو ما سيتيح الفرصة لإمكانية حصول تبادل مع العسكريين المخطوفين لدى "داعش" والذين نتمنى ان يكونوا على قيد الحياة وداخل الأراضي اللبنانية.

و- المتضرر الأكبر لا بل القلق والمذعور ممّا حصل هو جيش الاحتلال الصهيوني، الذي بدأ بتشكيل لجان لدراسة نتائج المعركة وانماط القتال التي استخدمتها المقاومة، حيث ان ما تحقق يشكل بنظر الصهاينة مخاطر مستقبلية عليهم بالنظر الى الكفاءات الإستثنائية التي ابداها عناصر المقاومة، وهو أمر سنفرد له مقالة خاصة ونكتفي هنا بالإشارة اليه نظراً لما يشكله من متغير كبير يرتبط بطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني.

 وحتى تنطلق المعركة مع "داعش"، لا بد من انتهاء صفقة التبادل والترحيل مع "النصرة"، حينها سنبدأ جدياً في مرحلة مختلفة غيّرت من اراء الكثيرين ومنهم حزب الكتائب والنائب وليد جنبلاط، بينما لا يزال سمير جعجع على مواقفه وكذلك تيار المستقبل مطبقين قول المثل "عنزة ولو طارت"