آل سعود والحديقة الخلفية لإيران: تفاهمات بين الكبار أم استمرار للحرب الباردة؟

آل سعود والحديقة الخلفية لإيران: تفاهمات بين الكبار أم استمرار للحرب الباردة؟

تحليل وآراء

الأحد، ٦ أغسطس ٢٠١٧

فرنسا – فراس عزيز ديب 

أن يُعلنَ الكرملين مشاطرةَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب رأيهُ بأن العلاقات الروسية الأميركية وصلت لمنحدرٍ خطر، يعني أن المشكلة ليست في الطرفِ الروسي ولا عند ترامب نفسه، المشكلة تكمن في إصرار الدولة العميقة في الولايات المتحدة على التحكم بكل شيء بما فيها الخيارات السياسية للإدارة الأميركية الحالية.
تبدو المشكلة التي يعانيها ترامب أن محاولاته للملمةِ الأزمات الدولية المتورطة فيها بلاده، يقابلها أعداؤه بالداخل بتكرارِ اتهامهِ أنه يعوم في بحرِ تطلعاتِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى بعد قراره إنهاء برنامج تدريب المعارضة السورية المسلحة من الـ«سي آي إيه» الذي بررهُ كنتيجةٍ منطقيةٍ لتكلفته العالية إضافة لتقاريرَ تحدثت عن سيطرة منظماتٍ لا تصنفها الولايات المتحدة كـ«معارضةٍ معتدلة» على العتاد والأسلحة، قوبلَ باستياءٍ من الساعينَ لجعل نار الحرب مستعرة واعتبروه تنازلاً للروس في الملعبِ السوري، وتجاهلَ هؤلاء أن التقارير التي تتحدث عن وقوع السلاح الأميركي أو بيعه من المعارضةٍ «المعتدلة» للتنظيمات الإرهابية ليست بالجديدة بل رافقت الولاية الثانية للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ليترك التضارب في الموقف الأميركي الداخلي مما يجري سؤالاً منطقياً:
ما مصير التفاهمات الروسية الأميركية التي أُنجزت في قمةِ العشرين قبل شهر، إذا كان ترامب أشبه بملك السويد، يملك ولا يحكم؟
شكل الاتفاق الأميركي الروسي قاعدةً لارتفاعِ مستوى التفاؤل بأن الجنوحَ للسلمِ في سورية سيسهم بإطفاء نيرانِ المشاكل في المنطقة، إذا ما سلمنا أن ملفات المنطقة بالكامل متشابكة، اللافت أن الباحثين عن التشاؤم قد يجدونه في أي حدثٍ أو تصريحٍ دون الأخذِ بالحسبان ما يجري تحت الطاولة، بذات الوقت فإن الباحثينَ عن التفاؤل وجدوا ضالتهم بأدق التفاصيل كالمصافحة التي تمت بين وزيري خارجيةِ كل من إيران ومملكة آل سعود أو إعلان إيران ارتفاع عدد حجاجها هذا العام لرقم قياسي تجاوز 45 ألف حاج! وصولاً لما هو أهم، أي الزيارة التي قام بها زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر لمملكة آل سعود ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان الذي يُعتبر عملياً رأس السلطة حالياً في مملكة العائلة.
بكل تأكيد أثارت هذهِ الزيارة بتوقيتِها جدلاً كبيراً، لكن بموضوعيةٍ فإن مسوغات الزيارة تبدو متفوقةً على رفضها لأسبابٍ كثيرة أهمها أن مقتدى الصدر ذهب بدعوةٍ رسميةٍ بما يمثله من ثقلٍ كزعيمٍ لتيار سياسي عراقي يمتلك كتلة برلمانية وازنة، أو كـ«رجل دينٍ» قد يسهم وجوده في «بلد الوهابية» بسحب الاحتقان الطائفي، ولو بالحد الأدنى إذ لا يمكن لآل سعود بعد اليوم ادعاء مهاجمة إيران لأنها تسعى كما يقولون لـ«تشييع المنطقة»، وبذات الوقت يستضيفون «زعيماً شيعياً»، بل إن هذه الاستضافة قد تحمل رسائل تهدئة في المنطقة ربما لن تخرج عن السياق العام لما تم من تفاهمات على المستويات الأعلى.
في الجهة المقابلة لا يمكن أن نغفل فرضية أن آل سعود يسعون من خلال دعوة شخصيات لها وزن «مذهبي» معاكس لهم كتكريم رباب موسى الصدر في نيسان الماضي وصولاً لما حُكي عن دعوةٍ وجهوها لرئيس التحالف الوطني العراقي عمار الحكيم لزيارة المملكة، الأمر الذي نفته مصادر الحكيم، هدفه الضرب من تحت الحزام الإيراني أو تشكيل تحالفٍ مناهضٍ لإيران من «الشيعة» الذين لا يدورون في فلكها.
بالمطلق تبدو هذا الرؤية سطحية، فالصدر مثلاً لديهِ قوات تقاتل ضمن الحشد الشعبي والعلاقة بينه وبين إيران لا تبدو أنها بالعداوة التي تتيح له لعبَ دورٍ مجابهٍ لها، وعليه تبدو الاستدارات في إطار التفاهم الروسي الأميركي أمراً واقعاً بما فيها العلاقة بين إيران ومملكة آل سعود لكن هل يمكن لهذه الاستدارات أن تتابع في ظل انقسام الخليجيين على أنفسهم؟
قبل أمس سلطت الـ«فايننشال تايمز» الضوء على ما سمته «استعار الحرب الإعلامية بين قطر والسعودية»، لكن هذا لا يعني أن المواجهة إعلامية فقط، فالميدان يوضح لنا الكثير من ساحات المواجهة الخفية ولعل ما جرى مؤخراً من تطهير الحدود السورية اللبنانية من إرهابيي جبهة النصرة مثال على ذلك، تحديداً أن ارتدادات العملية بدَت وكأنها السياق الطبيعي لسعي كل منهما لكسب الأوراق و«الحلفاء» في الملف السوري، بطريقةٍ تطرح الكثير من المفارقات، فمثلاً هل أن حسم المعركة بهذه السرعة هو بالنهاية نتاج صفقة قطرية إيرانية أرادت من خلالها المشيخة تقديم بادرة حسن نية تجاه محور المقاومة الذي حصلت على مساندة جزء منه في عزلتها، بالتأكيد هذه الفرضية تنسفها أعداد الشهداء الذين ارتقوا نتيجة لهذه العملية.
في المقلب الآخر هناك عبارة وردت في كلام الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر الله قبل أمس قال فيها: إن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كان على اطلاع بمجريات التفاوض لخروج الإرهابيين نحو إدلب، وعندما نقول الحريري فهذا يعني حكماً آل سعود، الذين فيما يبدو وقعوا بين مطرقةِ التسليم بالقبول ضمنياً بانتصار المقاومة والجيش العربي السوري، أو ترك الجرود مسرحاً لقطر، كان الخيار السعودي على غير العادة واقعياً، هم لم يهدفوا فقط لسحب نقطة التقاء محتملة بين إيران والقطريين ميدانياً، لكن الأمر ينسحب على الناحية السياسية باعتبارهم ما زالوا يتوجسون من توافقٍ إيراني قطري على دعم وزير الداخلية السابق أشرف ريفي بديلاً منطقياً لآل الحريري في لبنان.
كذلك الأمر فإن ما جرى في الغوطة من اتفاق وقف إطلاق النار واستمرار الجيش العربي السوري بحربه ضد «النصرة» في كل من عين ترما وجوبر، سينزع عن كاهل آل سعود الكثير من ثقلِ مكابرتهم في الإعلان عن الاستدارةِ الكاملةِ وتبقي بيد القطريين فقط ورقة إدلب التي باتت بالنهاية أشبهَ بالكرت المحروق لا مفعول سياسياً له بعد أن باتت خاوية من «التنظيمات المعتدلة» بالعرف الأميركي وباعترافه.
بالتأكيد العملية هنا لا تبدو كموازنةٍ بين السعودي والقطري، فكلاهما في الإجرامِ سواء، لكن الواقعية تفترض علينا أن نذكر بعض من في ذاكرتهم خلل، أن ما فعلته قطر يفوق بأضعافٍ ما فعله آل سعود، حتى فيما يتعلق بالملف السوري فإن آل سعود ذات نفسهم صمتوا لأشهر قبل اتخاذ موقفهم، بل يمكننا الذهاب أبعد من ذلك للقول إن موقفهم مما جرى في سورية كان بالنهاية ردة فعل على تعاظم الدور القطري ومرحلة ركوب الموجة قبل أن يكونوا هامشاً، حتى قادتهم أوهامهم ليكتشفوا أنهم في سباقٍ إجرامي مع المشيخة الصغرى، وحكماً فإن كلا الطرفين لم يستفق إلا بعد أن شعر أنه وصل لمرحلةِ ما قبل الاحتضار السياسي، وعليه فإن هذه المراجعات تبدو فيما تبدو استثماراً لهزائمهم، فماذا ينتظرنا؟
ما يجري يثبت لنا أن الملفات في المنطقة وإن كانت متشابكة، لكن جوهرها هو الملف السوري، وعلى طريقة الراحل محمد الماغوط إذا أردنا أن نعرف ماذا سيجري في المنطقة، علينا أن نعرف أين يتجه الملف السوري، القضية ليست فقط في كلام المعارضين الذين يعلنون «التوبة النصوح» التي وصلت لـ«الملا» ميشيل كيلو الذي طالب زعيم النصرة أبو محمد الجولاني بالخروج من إدلب! هؤلاء مجرد هوامش، القضية كما كنا نكرر دائماً يحكمها الميدان الذي يبدو أن الجيش العربي السوري مستمر بلا هوادة بالإطباقِ عليه، لتبقى المعضلة الأهم وهي مشكلة الشمال السوري، تحديداً أن أصحاب «فيدرالية الورق» ما زالوا لا يجيدون قراءة التبدلات من حولهم، هم لم يفهموا الكلام الأميركي عن رفض الاستفتاء لاستقلال «كردستان العراق»، فكيف لهم أن يفهموا أن الوطن ليس بتبديل نمر الحافلات، وأنهم ليسوا قادرين على فرضِ أمرٍ واقعٍ لن يقبل به أغلبية الشعب السوري.
هم يهربون من فكرة أن يكون القرار للشعب السوري لأنهم يدركون حجمهم ونسبتهم، وإن كانت الفرصة الأخيرة لهم القبول بتشكيل غرفة عمليات مشتركة، فإن ما بعد استنفاد الفرص ليس كما قبله، وعليه لابد من رفعِ سقف التفاؤل، فمن كان يعتقد قبل سنوات أن أوساط السياسة الدولية التي كانت تتحدث عن أن الرئيس بشار الأسد هو «المعضلة» في حل الأزمة السورية، ذاتهم يتحدثون عن أن «مواجهه ترامب للدولة العميقة هو الأساس في حل مشاكل المنطقة»، فهل ينجح ترامب في فرض رؤيته؟
دعونا نتمن ذلك حتى ولو وصل الأمر بأن تطلب مجلة «فورين بوليسي» من نائب الرئيس مايك بينس الاستعداد لتولي زمام الأمور في البلاد إذا جرت محاكمة ترامب أو الطعن في أهليته، عندها قد يتحول فينا الزمن لنرى بياناً من الخارجية السورية يقول: إن ما يجري في الولايات المتحدة شأن داخلي ونتمنى حل الأزمة بالطرق السلمية دون أن نطالبَ برحيل أحد!